من الصعب لملمة الكلمات للتعبير عن تشظي الروح التي تتوارى حزناً في مساحات مظلمة بعيدة عن هذا العالم المتعب ، لا تتنفس إلاّ الحزن ، وتحدّق في سواد المجهول بعد فقدان جزء عزيز من ذاتك الخاص . ان رحيلك المفاجئ أخي خالد عبده نعمان زلزلَ أرضية السكينة التي كنتٌ أفترشُ أديمها ، وألتمس نبراس هداها بوجودك إلى جانبي .. ليتك تعلم مدى تصدّع زوايا كينونتي وبقائي .. لازلتُ لم أستوعب بعد ذلك الرحيل الصعب الذي جاء في غير موعده . خالد .. كان الأخ والسند ، المتفهم لكلماتي قبل نطقها ، المبادر السبّاق للعون والمساعدة حين ينسحب كل من حولي وتتلاشى زيف ابتسامتهم ووعودهم . وقفَ ذلك الإنسان الخلوق إلى جانبي حين كنت لا أمتلك زمام الأمور ، منذ أن بدأتُ بالزحف نحو النور ووضع اللبنة الأولى في إقامة مشروع عمل متواضع وبإمكانيات لا تتعدى الإرادة والمثابرة والعزيمة المطلقة للعمل الدءوب الذي يتجرّد من المصالح الخاصة أو الصحبة والزمالة . خالد عبده نعمان .. الإنسان الذي لا يتكرر في هذا الزمن ، كان نواة نجاح لنا جميعاً عندما شكلنا فريق عمل في مكتبنا المتواضع للدعاية والإعلان والأعمال الفنية ، فكان معلماً ومرشداً وأباً حنوناً لكل الزملاء في هذه الأسرة الفنية التي أعطت الكثير للجميع ولم يجنِ أفرادها سوى الذكريات الجميلة ودموع الحرقة المؤلمة لرحيل تلك الروح التي كانت تشع حيوية ومحبة لكل من عرفه وعاشره وأحاط به .. كنتُ كلما أٌغلِقَت ْ الأبواب أو شعرت بالعزلة واليأس أرفع سماعة الهاتف لأتشرّب بنغمات الصدق وكلمات النصح والتفاؤل التي تروي سكينة أيامي الباقيات .. ولا تنتهي تلك المكالمة إلاّ وقد تلاشت الأحزان والهموم التي لاحت لي قبل الاتصال به . كان لي المرجع والصدر الرحب ، والأخ والأب في آنٍ واحد .. ولم يكن يحمل في طيات كتاب حياته سوى الحب والمودة والصفح ، وإذا عاشرته أيقنتَ أنه ليس من هذا الزمن ، وكأنه أبحرَ من زمن الأخيار الذي تلاشى و انقرض ولم يتبقَ منه سوى الذِكر الحسن وقدوة الإنسان الذي يحمل روح شفافة أوجدها الخالق لإسعاد الآخرين .. المصاب جلل ، والصدمة عظيمة ، أفقدتني توازني ورسوخي الذي كنت أتحلى به وخالد إلى جانبي .. وأي دموع سأذرفها تعبيراً عن هذا الحزن الذي لا يجدي . فعاهدتُ ذاتي أن أظل متعايشاً مع روحه الطاهرة ، أناجيه وأحاوره في كلِ شاردةٍ وواردة ، علّي أسمع رأيه أو أحظى بنصحهِ المعهود الذي كان يسديه لي كلما أشتد الخطب أو أظلمت الطريق ! أبو محمد .. ستظل خالداً في نسيج الذاكرة والروح ، وفي مسيرة أيامنا الباقيات حتى نلقاك .. ونظل على عهدنا الذي قطعناه سوياً بأن لا نُهزَم أبداً ، ولن نتوانى لحظة عن العطاء الصادق الذي كان عنواناً لك منذ عرفناك .. لروحك الطاهرة السلام .. يا مَن زرعت في أرواحنا السلام !!