بالتزامن مع ذكرى عيد ال 14 من أكتوبر، عادة ما تكون الأعياد الوطنية ذكرى مجد تليد محفور في تاريخ الأوطان والمجتمعات يستمدون منها العزيمة والإصرار الباعثة على نمو وتطور بلدانهم والسمو والرفعة بها بين سائر الأمصار، فمع كل ذكرى عيد يكونوا بذلك قد استطاعوا إحداث تقدم ملموس على كافة الأصعدة والمستويات قرباناً لذكراهم الخالدة هذه، ووفاءاً منهم للدماء الزكية التي أزهقت في محلمة تاريخية غيرت فيها مجرى التاريخ وفتحت منه نافذة يسطع منها نور الفجر على وطن لطالما استبد به الظلام وأرخى سدوله في زمن من الأزمان، وصارت بذلك ذكرى عيد. لكن! كيف بوطن عادت به ذكرى عيده وهو على أشد مما كان عليه حتى أن ذكرى العيد نفسها لم تعد تجدي نفعاً معه؟ انقسام، وضعف، وخور، وجوع، وفقر، وبؤس، وشقاء، وخراب، ودمار، أعادت الظلام من للوطن من جديد، نتساءل ما جدوى الأعياد إن كانت لن تغير واقع سيء؟ نلاحظ التهاني والمباركات المزيفة والتي في الحقيقة لا تعكس إلا البؤس واللاوعي، بل هي العنوان الأمثل للبؤس والشقاء والهروب من الواقع السيء لشعب لم يصل بعد للمستوى الأدنى من العيش الكريم والوعي المقبول، حتى رئيس الدولة نفسه يقف بعد أن سأم منه فراشه وريشه، أمام الشعب مهنئاً إياهم بعيدهم الوطني الذي يهل عليهم وهم في أسوأ حالاتهم! بل يهل عليه نفسه هو ومن في ضيافة الجارة، وقد طال المقام بهم، وأصبح المقام ضيقاً بالساسة الأضياف بعد أن سلبت منهم العزة والكرامة والأنفة. حتى أن الكل منهم أخذ يسوق التهاني والتبريكات ويتغنى في هذا العيد من قادة سياسيون ورجالات الدولة المنحلة ذات الوضع الاقتصادي المتدني والمتدهور، وعلى المدى المبلي بحكومات وقيادات عقيمة الفكر عديمة الأخلاص لهذا الوطن والشعب الفقير المسكين والذي مع الأسف مازال منقسماً في تأييده ومناصرته لمن هم السبب في جوعه وفقره وخرير دمه ودموعه التي لم تجف بسبب صراعاتهم وحروبهم وخلافاتهم السياسية والمذهبية والطائفية .