قال لي صديق ساخرا أن النشيد الوطني قد مات ، وأن التصفيق في حال الإنتهاء من سماع النشيد أصبح باردًا في كل الإحتفالات والمهرجانات. ثم قال سوف يقتلون العظيم عبد الباري طاهر .......سكت لبرهة ثم تمتم بعدها بشتائم خافتة الصوت ، قال لي بعدها أتدري يا صديقي أخشى أن يكون الوطن هو الميت وليس النشيد وما يزيدُ قلقي هو أن يكون كلاهما بخير ونحن من مُتنا ، نظر نحوي نظرة بائسة وهمس لي .... الموت بهذه الطريقة يا صديقي هو أسوء موت وأعظم ذنب يمكن أن يُمارس على المرء ، وأني لا أملك أدنى سبب يمكنني أن أبرئ أحدًا من إفتعال هذا الذنب العظيم ..... قلت له : أعرف انك متعب من فرط التفكير ..كلانا نتشابه في هذا التعب ، متعبون يا صديقي لأن العظماء يُغتالون ولسنا وحدنا في هذا التعب ، يشبهنّْنا كل عجائز هذا الوطن ، وأرامل الحرب ، يشبهوننا المعاقين والشيوخ الطاعنين في السن نشبه كل المرضى والموتى والبائسين والمرهقين والكادحين ، نتشابة في هذا التعب يا صديقي بل نتقاسمهُ جميعنا لقمة لقمة ونمتلئ به فقط ، أتدري كل هذا يحدث لأن الفلاسفة يموتون ، وحتى التصفيق للنشيد باردًا لأن المثقفون يُغتالون .... ولعمري يا صديقي أن النشيد يشبه الوطن فكلاهما كذبة بل هما الكذبة ذاتها ،كذبة حين يردده القاتل ويتغنى بالوطن ولا وطن ولا نشيد لأولئك الساقطون ، ولهذا يا صديقي نحن لا نصفق كثيرا هنا بل نلعن الكذب والكاذبون ، نلعن أيضا كل المتربصين للقتل بشتى أنواعهم وأحجامهم . يا صديقي نحن متعبين وما هو التعب الا شكلًا من أشكال الموت ؛ لهذا نصفق ببطء للآمل ، أو قد تجدنا لا نصفق بتاتًا ، نذهب حيث تشاء السفينة المخروقة ، تارة في حيد منتصف المحيط وتارة أخرى نتأرجح بين لطمات الموجات ، لا نجاة لنا من التعب هنا ، ولم تعد اللعنات تجدي نفعاً ، متعبون لأنهم لازالوا يغتالون كل الشرفاء والنبلاء ، دعنا نقتل التعب بالتبول على رؤؤس كل المتربصين للقتل ، نتبول على رؤؤسهم لنغرقهم بالبول ، لربما نعيش بأقل تعب وأقل إرهاق ، نتبول على رؤؤسهم حتى لا يموت العظماء والمثقفين والنبلاء .