قادتني الصدفة إلى ديوان جامعة عدن في خورمكسر ، وصدمني المنظر عند وصولي لبوابة المبنى .. أذهلني ما رأيت من آثار الدمار الذي أرتسم على معالم المبنى .. مشهد مؤسف يدمي القلب ويدمع العين ويعمق جرحاً نازفاً في أعماق الروح ، يبعث عن الأسى لما آلت إليه معالم وأبنية مدينة عدن . هذه القطعة المعمارية الفريدة ، التي كانت رمزاً وطنياً رفيعاً لسيادة دولة ونظام تهتز الأرض من تحت أقدام أبناءه الأبطال ورجال ساسته الذين كان هذا المبنى هو نقطة التقائهم وقوتهم ومكانتهم الإيديولوجية بين الدول ! حينما كان هذا المبنى مرتكزاً وموقعاً حيوياً للجنة المركزية للحزب الحاكم ، وكانت له قداسته ومكانته العظيمة ليس بين أفراد قيادة الدولة فحسب ، بل وحتى على مستوى القاعدة الشعبية لهذا البلد العظيم .. لعلك – أخي الكريم – أن تتخيل ضخامة المكان وتجهيزاته التي لا تقارن ببقية المواقع العمرانية والمنشئات السيادية في ذلك الحين . وبعد أن آل هذا الموقع الاستراتيجي إلى ديوان جامعة عدن ، كان هو الأنسب لهذا الصرح الهام جداً لبناء الوطن وصناعة مستقبل الأجيال الأكاديمية المتسلحة بالعلم في أعلى درجاته . فعلاً ستصاب بالذهول ، وتصدم بهول الكارثة التي أصابت بنيان هذه المنشأة الأكاديمية الرفيعة .. تسابقت قذائف النيران تحطم جنباته وردهاته ، وتتلذذ بانتصارها لوقف عجلة العلم والبناء لإعادة المجتمع لقرون الجهل والظلام . لا زالت معالم هذا الدمار تطل على رؤوس زوار هذا الموقع لتحكي تلك المأساة التي حلّت بعدن منذ حرب 2015م وحتى اليوم .. ما يؤسف حقاً أنه منذ توقف العمليات الحربية العسكرية في عدن ، وحتى هذه اللحظة ،- وعلى ما يبدو – أنه لم تطل هذا المبنى أي ترميمات أو إعادة إعمار أو إحياء لمكوناته السابقة بالمطلق .. وتخال نفسك وأنت تطالع معالم الدمار للمبنى وكأن الحرب لا زالت قائمة وها هو الدمار يصرخ أمامك في كل زوايا هذا الديوان ! ولعله من غير المعقول أن تكون عمادة الجامعة وقيادتها الأفاضل لم تكن قد تقدمت بمثل هذا المشروع الهام ، ليس للحكومة – الغائبة – فقط ، ولكن للأخوة في لجنة إعادة إعمار عدن ، التي لا نعرف سبباً لتأجيلها الشروع في إعادة إعمار وتأهيل ديوان جامعة عدن ، وإن لم يكن كذلك ، فهل هذا يعني أن ست سنوات ليست بالكافية للتمتع والتلذذ بمنظر الخراب الهائل الذي خيم على مساحات شاسعة في مدينة عدن ، والذي عكس نفسه على نفسيات أبناء هذه المحافظة الصابرة على كل حماقات وغباء القيادات السياسية السابقة والمتلاحقة التي عبّرَت بكل وقاحة عن حقدها الدفين لمدينة عدن التي احتضنتهم وقدمت لكل روادها ما لم تقدمة أرض في العالم . وإذا كانت النخبة الأكاديمية من قيادة جامعة عدن تطالع هذا المنظر المتعب كل صباح ، فكيف لها أن تقدم أفضل ما لديها وعصارة فكرها وعلمها في قاعات الدرس والمحاضرة أمام أجيال عاصرت كل هذا الدمار المادي والنفسي منذ ست سنوات عجاف ، ولم يتقدم مسير إعمار البنيان أو الإنسان شبراً واحداً حتى اليوم . صراحة خانني التعبير ، وتلاشت الكلمات التي كنت أحاول بها وصف هذا المنظر الذي صدمني لديوان جامعة عدن .. ولم أجد سبيلاً في محاولة الإشارة إليه في سطوري هذه ، آملاً أن يجد التفاتة عند من يهمهم أمر هذا الموقع الأكاديمي الرفيع ، وأمر بناء أجيال متعلقة بالعلم بمستوياته العالية للمساهمة في بناء الإنسان الجديد الطموح للسلام والاستقرار والبناء ، ونحو غدٍ أفضل نساهم جميعاً في إعادة بناءه ووضع لبنات إعماره اليوم !