ذات يوم وانا منهمك كالعادة على شاشة الهاتف وقد تركت كل ما يعنيني من العالم الخارجي وانغمست وبقوة في عالمي الإفتراضي وقد كان الوقت مساء وكنت قريب من النافذة ، واذ بنسيم هادئاً يتخلخل من النافذة يلفت إنتباهي ويزعزع انهماكي ، شعرت حيناها أنني بحاجة إلى النوم والإسترخاء قليلاً وبدون شعور الغيت الهاتف من يدي واستلقيت اتأمل في النافذة والنسيم البارد الذي قد اثلج صدري فاغمضت عيناي دقائق واذ بي ارني في الخامسة من عمري لا أحسن الكلام بعد ولكن قد رايتني وانا مُرتدي ملابس المدرسة والحقيبة الدراسية على ظهري وقد كنت ذاهب إلى المدرسة ، شعرت وانا اشاهد هذا المنظر وكانني قد مررت بهذا المشهد من قبل ، الملابس والحقيبة حتى طريقة المشي بل وقَصة الشعر كل هذا وكانني قد شاهدته من قبل ولكن لا ادري متى وأين!. بينما كنت أمشي اذ بعجوز تتحامل على نفسها وتحمل اكياس غير قادرة على حملها وبدون أن تطلب مني المساعدة توجهت نحوها وحملت عنا الاكياس ثم قلت لها يا جده إلى أين تُريدي أن تحمل هذه الاكياس وانا احملها عنكي ثم التفتت إلى وقالت لا يا بني أنك في طريقك المدرسة ولا ينبقي أن تتاخر فجاوبتها مبتسم وقلت لا يا جده أن درس اليوم قد اطلعت عليه في المنزل وقد كان العنوان "السعادة في مساعدة" ولا خير في علمي أن لم اطبقه ، عندها كان جواب العجوز بتعجب وسعادة كثر الله من امثالك يا بني ، هييا اتبعني حتى نصل إلى المنزل فسرت بعدها رويداً وهي تقول لي يا بني العلم بدون العمل هباءً منثوراً والعمل بدون العلم مهلكة ، وضلت تحدثني حتى وصلنا منزلها الصغير فقالت حسبك يا بني قد وصلنا ثم توقفت وتركت الاكياس لها وفتحت باب بيتها ودخلت وهي تدعوا الله لي بالتوفيق ثم أستودعتها الله وعُدت إلى المدرسة. وانا على باب المدرسة توقفت قليلاً وكاني لمحت هذا المشهد ايضاً ، توقفت افكر ولكن لم اعلم اين ومتى ، فاكملت وذهب إلى الصف وعند الدخول اوقفني الاستاذ قائلاً أين كنت ولماذا تاخرت فلتفت إلى اللوح المدرسي "السبورة" فرأيت العنوان نفسه الذي قد استرجعته بالمنزل ، فقلت يا استاذ إن العلم بدون العمل هباءً منثوراً والعمل بدون العلم مهلكة ، ولقد صادفت عجوز في طريقي وساعدتها بأخذ ما تحملهُ إلى منزلها وقبل أن اكمل قاطعني الاستاذ وقال أدخل وقف ثم دخل وقعد على أحد المقاعد مع الطلاب وقال أشرح لنا قِصتك من البداية إلى إلنهاية ثم تبسمت وشرعت أشرح لهم القِصة حتى أنتهيت والكل في ذهول والاستاذ اكثر ذهولاً ، عندها وقف ثم ابتدا في التصفيق وشرع الطلاب وراهُ في التصفيق وعندما انتهوا قال الاستاذ هذا هو الدرس وقد تم شرحهُ فليخرج الجميع. وبينما انا على هذا الحال اشاهد امامي الطلاب يصفقون وبحرارة ، اذ بحركة تهُز جسمي فستيقظت على صوت الوالدة وهي تخبرني أن الوقت قد تاخر وأنهُ قد حان وقت الذهاب إلى الجامعة "المعهد الصحي" فنتفضت والهاتف امامي ملغي على الارض ولكن اليوم عكس كل يوم ، أشعر بنشاط في اعماقي يدفعني دفعاً ، فنطلقت إلى المعهد بعد أن تغسلت ولبست وتفطرت ولكن قبل أن اخرج سمعت صوت الوالدة تخاطبني قائله يا بني العلم بدون العمل هباءً منثوراً والعمل بدون العلم مهلكة ، فلتفت إليها مبتسم وانا مدرك تماماَ أنني في طريقي إلى العلم...