التعليم في بلادنا يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وقريباً سيشيّع إلى مثواه الأخير ، وبعدها لن تقوم لنا قائمة ، وسنكون متخلفين عن العالم بآلاف السنين الضوئية في مجال العلوم التقليدية وبملايين السنين الضوئية في مجال العلوم التقنية الحديثة والتكنولوجيا الرقمية المتطورة . وبالنظر إلى الأسباب التي أدت إلى ذلك التدهور المخيف للتعليم ؛ سنجد أن التجهيل والتشجيع على الغش ونشره في مختلف المرافق التعليمية تم بصورة ممنهجة ، وبرعاية رسمية ، ومع سبق الإصرار والترصد من قبل أعداء التعليم بدوافع سياسية في المقام الأول .
وآخر جناية بحق العملية التعليمية والتربوية يرتكبها أعداء التعليم هي ما بات يعرف اليوم ب " المعلم البديل " … والمعلم البديل - لمن لا يعرف - هو شخص يأتي به المعلم الرسمي ليقوم بمهام التدريس نيابة عنه بمقابل لا يتجاوز نصف الراتب ، ولا يشترط بالمعلم البديل أن تتوفر فيه الشروط التي توفرت بالمعلم الرسمي عند توظيفه واجتيازه للمفاضلة التي تجريها عادة الخدمة المدنية عند التوظيف ، فقد يكون المعلم الرسمي حائزاً على تقدير امتياز أو جيد جداً بينما قد يكون تقدير المعلم البديل مقبولاً وحديث التخرج ، كما أن المعلم البديل قد لا يكون تربوياً ولا يعرف الأساليب التربوية وطرائق التدريس البتة ..!!
إن ظاهرة المعلم البديل - التي انتشرت مؤخراً انتشار النار في الهشيم في المدارس الابتدائية والأساسية والثانوية وحتى في المعاهد الفنية والتقنية - قد أضرت بالتعليم أيما ضرر ، ولها انعكاسات خطيرة جداً قد لا ندركها في الوقت الراهن لكنها ستقود حتماً في نهاية المطاف إلى التجهيل وتخريج أجيال أنصاف متعلمين وربما أميين وجهلة لا يفقهون حتى أبجديات القراءة والكتابة الصحيحة .
ختاماً ما يحز في النفس أن هناك أعداداً هائلة من المعلمين المتطوعين المتفوقين الذين يقومون بالتدريس مجاناً وبدون أي مقابل منذ سنوات طويلة وبكل تفانٍ وإخلاص على أمل الحصول على وظيفة ، لكن يتم تجاهلهم وحرمانهم ، وكان يفترض بالجهات الرسمية لو كان يهمها مصلحة التعليم فعلاً توظيف أولئك المتطوعين المثابرين بدلاً عن المعلمين المتسربين ، لأنه من غير المعقول أن يُصرف راتب شهري للمعلم الذي ترك عمله وأوكل مهمة التدريس إلى بديله ليذهب بعدها للاغتراب أو العمل الحر أو لدى المنظمات الدولية في حين لا يجد ذلك المتطوع المداوم والمجد والمثابر شيئاً نظير كل ما يبذله من جهود مضنية ..!!. زكريا محمد محسن