صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    مصر: نتنياهو يعرقل المرحلة الثانية من اتفاق غزة    إصابة مواطنين ومهاجر إفريقي بقصف متجدد للعدو السعودي على صعدة    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    تعز أبية رغم الإرهاب    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعصار - قصص من الغموض و الخيال ل إدجار ألآن بو
نشر في عدن الغد يوم 18 - 11 - 2011

قصص من الغموض و الخيال -للقاص و الشاعر الأمريكي الكبير إدجار ألآن بو

جريمة قتل في حارة رو مارجيو

ترجمة خاصة ل عدن لغد قدمها: د / طارق علي عيدروس السقاف
كلية التربية / صبر / قسم اللغة الإنكليزية


في أحد ليالي الصيف، ذهبت إلى شمال النرويج، وأقمت في إحدى الجزر وتدعى (لوفتن)،وكان هناك ذلك الرجل الذي قابلته في هذه القصة التي سوف أرويها لكم، وقد عرض علىّ بأن يرشد ني إلى أعلى قمة على أكبر صخرة في هذه الجزيرة. وخرجنا ذات صباح، ووصلنا المكان في منتصف اليوم. و لدقائق معدودة، كان الرجل العجوز لاهثاً من شدة التعب والإرهاق بحيث لم يستطع الكلام. وقفت ونظرت مباشرةً إلى أسفل، فرأيت سلسلة جبلية ممتدة إلى البحر بمسافة خمسمائة متر إلى الأسفل. بعدها قال الرجل العجوز:

- " قبل مدةً ليست ببعيدة، استطعت تسلق هذه الجبال بسرعة كبيرة كولدٍ شاب. ولكنني الآن لا أستطيع ذلك، أنت تعتقد بأنني عجوز ، إنني لست كذلك، فعمري هو ستة وثلاثون عاماً فقط، ولكن جسدي وروحي قد تخطاهما الشيب قبل الأوان." وكنت مندهشاً لسماع ذلك، لأنه كان يبدوا عجوزاً فعلاً. و اعتقدت بأن عمره هو حوالي الخامسة والستون. قال الرجل:

- " قبل ثلاث سنوات، حدث شيء رهيب لي أسفل هذا المكان" استمر في كلامه مشيراً إلى البحر الهائج والمظلم في الأسفل قائلاً " لا أعتقد بأن شخصاً قد مر بتجربة أسوا من تلك التي مررت بها وعاش بعدها. استمرت تلك التجربة الرهيبة ست ساعات كاملة. في ذلك الوقت ، تغير لون شعري من اللون الأسود إلى الأبيض، وفقدت قوتي وشجاعتي للأبد. و الآن أنا خائف من فحص هذه الصخور التي ترى من خلالها إلى أسفل.

- "من خلال هذه الصخور تستطيع أن ترى المكان الذي حدثت فيه الواقعة الرهيبة لي. و لكن لننزل قليلاً إلى الأسفل، لأنه أكثر أمناً من هنا خصوصاً عندما يبدأ الإعصار بالحدوث، كما أنني لن أشعر بالخوف." نزلنا بضع خطوات إلى الأسفل وجلسنا نتطلع إلى البحر ، استطعنا أن نرى جزيرتان: كانت الأكبر تبعد حوالي الخمسة كيلومترات ، أما الأصغر فكانت تبعد حوالي الكيلومترين من الساحل. وكان البحر بيننا وكانت الجزيرة الأبعد تبدوا غريبة. ارتفعت آلاف الأمواج هنا وهناك وفي كل الاتجاهات. وقال رفيقي

- "تدعى الجزيرة الكبرى " فورى " أما الأخرى فتدعى " موسكيو ". أتستطيع سماع أي شئ الآن، أتستطيع أن ترى أي شيء غريب في الماء." كان هناك صوت يتداعى إلى أذناي، كما لو أنها مائة خيل تركض و تقترب منا. ارتفعت الأمواج أسرع وأسرع ولكن الآن في اتجاه واحد، باتجاه الشرق. وفي دقائق قليلة – كما كنت أراقب – بدا ماء البحر بالغليان. كان الجزء الأكثر اضطرابا يقع بين الجزيرة الصغرى (موسكيو) و الشاطئ. وهناك ارتفعت الأمواج وتلاطمت فيما بينها مكونة آلاف الحلقات الدائرية وكانت دائماً باتجاه الشرق. تغيرت الصورة بسرعة، تحرك البحر بصورةٍ أسرع من ذي قبل ولكن سطحه كان مازال منبسطا، انتشرت الدوامات البحرية الصغيرة بعيدا، وبدأت بتكوين دوامة واحدة ضخمة، وفجأةً رأينا بوضوح تلك الدوامة الضخمة من المياه المتلاطمة وكان عرضها حوالي الكيلومترين، وكان طرف تلك الدوامة الضخمة عبارة عن خيط عريض من الماء ذي اللون الأبيض يلتف بسرعة جنونية، وكان أسفل تلك الدوامة حائط كبير متوهج ومسطح من الماء الأسود. ولكنني لم أستطع رؤية قاع تلك الدوامة. دارت تلك الدوامة بسرعة كبيرة محدثة صوت رهيب. وقد اهتزت الصخرة التي كنا قائمين عليها بشدة نتيجة لارتطام تلك الدوامة بها، فتمسكت بتلك الصخرة بشدة وقد تملكني الخوف من أقع إلى الأسفل على وجهي.

- صرخت في وجه صديقي قائلاً "أهذا هو؟ أهذا هو الاضطراب العظيم؟"

- " نعم, ولكننا هنا نطلق عليه إعصار الموسكيو."

كنت قد قرأت حولها في حوالي كتابين أو ثلاثة، لكني لم أتصور أبدا بأنها بمثل هذه البشاعة.


- سألته " ما سبب هذا الإعصار ؟، أجاب صديقي " إن هذا يعتمد على المد والجزر، عندما يكون البحر هادئا." فسألته "وكم يستمر هذا الإعصار؟ فأجاب " من البداية إلى النهاية حوالي الست ساعات عندما يبدأ المد بالارتفاع، وست ساعات أخرى عندما يبدأ المد بالانخفاض. وبين الاثنين يكون البحر هادئا لحوالي خمسة عشر دقيقة"

- "أهو دائما بهذا الشكل الرهيب؟" فأجاب " في الشتاء يكون أسوء‍‍‍، والمئات من السفن الكبيرة والصغيرة قد فقدت في هذه المنطقة بسبب هذا الإعصار الرهيب. فإذا اقتربت هذه السفن فإنها تنجذب أليه وتسحب بقوةٍ إلى قاع البحر، وهناك تتحطم إلى قطع صغيرة على الصخور المتناثرة هنا وهناك ، ولا يستطيع أحد مساعدتهم ولاشيء يمكن أن ينقذهم. وعندما يهدأ المد، ترمى القطع الصغيرة لبقايا السفن على سطح البحر."


بعدها ببرهة، مسك رفيقي ذراعي وقال " حسنا، لقد رأيتها الآن، لنذهب الآن خلف هذه الصخرة، بعيدا من هذا الإعصار ، وسأخبرك ماذا حدث لي. إنني الوحيد الناجي من إعصار الموسكيو". تحركنا خلف الصخرة ، وبدأ يروي حكايته :-

" كان لدي - و اثنان من أشقائي- قارب صغير، وكنا نصطاد به قرب هذه الجزر. وكان هناك الكثير من الأسماك، وكنا الوحيدين الذين يمتلكون الشجاعة الكافية للصيد هنا، وكنا دائماً نبحر بالقرب من إعصار الموسكيو في الوقت القصير عندما يكون هادئا. وكنا أنا وأخوتي نعرف تماما متى يتغير المد: لذلك استطعنا الإبحار بجانبه بأمان، وكنا متأكدين من موعد الرياح منذ خروجنا من منزلنا. و قد حدث ذلك منذ الست أو السبع سنوات، ولكننا ارتكبنا خطأين بخصوص الطقس. وكان باستطاعتنا الانتظار في مكان آمن حتى تهدأ العاصفة. ودائما ما كنا نمر من خلال إعصار الموسكيو بدون أي حوادث، ولكن كان علينا أن نكون حذرين. إن خمسة عشر دقيقة لم تكن بالفترة الطويلة لتمر سفينة بمحاذاة ذلك المكان الخطر. و أحيانا كنا نتأخر أو نأتي مبكرين لدقيقة أو اثنتين ولكن بعدها كنا نشعر بالخوف، لأن الإعصار خطر كما رأيت بأم عينيك. قبل ثلاث سنوات وبالتحديد في الثامن عشر من شهر تموز، قررنا الاصطياد كالمعتاد ، وطوال فترة الصباح كانت الرياح هادئة من اتجاه الجنوب الغربي وكانت السماء صافية، فأبحرنا إلى ما وراء العاصفة في حوالي الساعة الثانية ظهرا. و قد اصطدنا الكثير من الأسماك في ذلك اليوم، بل كان أكثر مما اصطدناه من قبل. و كان لدينا تقريبا ساعة زمنية لنمر من وراء الإعصار بأمان. وكنا آمنين لبرهة من الوقت ، و لكن و فجأة تغير الطقس وازدادت سرعة الرياح ، و ظهرت وراءنا غيوم غريبة و قاتمة ، و فجأة خيم الظلام الدامس تلك المنطقة و لم نعد نرى بعضنا البعض ، و بعدها مباشرة بدأ الإعصار ، و كان رهيبا ، بل كان أسوء إعصار شاهدته طيلة حياتي في البحر ، بعدها مباشرة و بفعل الحركة الشديدة للإعصار سقط أخي الأصغر إلى البحر و لم نراه كما لم نعد نسمع صراخه و هو يغرق ، و كدت أنا أيضا – بفعل الإعصار الشديد- أن أسقط إلى البحر و لكنني كنت معلقا و متشبثا بحلقة حديدية مثبتة في منتصف القارب. كانت هناك موجات بحرية ضخمة قد تولدت مع الإعصار و كانت تقذف بأي شيء و كل شيء غير مثبت ، و قد غمرتني المياه كليا لنصف دقيقة ، بعدها – و كنت لازلت متشبثا بالحلقة المعدنية – ناضلت طويلا كي أرفع رأسي ولو قليلا عن الماء ، و كنت أتنفس بصعوبة، بعدها ببرهة أحسست بيد تمسك ذراعي ، كان أخي الأكبر فشعرت بالسعادة لأنه لا يزال على قيد الحياة ، صرخ أخي قائلا " إنه إعصار الموسكيو " ، تلاشت سعادتي برؤية أخي بسرعة و حل محلها الرعب ، و كنت أعي تماما ما يعنيه إعصار الموسكيو ، كما كنت أدرك تماما ما كان يقصده أخي ، و كان الإعصار يدفعنا بقوة نحو دوامة كبيرة. و لم يكن بوسعنا عمل شيء حيال ذلك ، و كل الأشرعة كانت قد طارت بفعل الإعصار الشديد ، و كان القارب يتأرجح كثيرا في الماء و كأنه يسير على الجبال ، و بالرغم من و جود الظلمة تحسن الطقس قليلا ، و تطلعت إلى السماء لبرهة فرأيت حلقة من السحاب الصافية مصحوبة بضوء القمر. فصرخت قائلا لأخي " لقد ظهر النور ثانية و تبدد الظلام " ، و لكنني كنت مخطئا ، فلقد بدأ المد لتوه ، كما أن الدوامة كانت في أقصى قوتها.

ارتطمت موجة ضخمة بالقارب فرفعته إلى الأعلى ، فنظرت حولي بسرعة مستعينا بضوء القمر ، و كانت نظرة واحدة تكفي ، و أدركت بعدها أين نحن بالضبط ، كان إعصار الموسكيو أمامنا بحوالي أربعمائة متر ، و كنت أسمع صداه من فوق الرياح ، فأغلقت عيني و أدركت عندها بأنها النهاية فشعرت بخوف شديد لم أشعر به من قبل. لقد تجاوزنا هذه الأمتار الأربعمائة في أقل من ثلاث دقائق ، بعدها دخلنا النطاق الأبيض للماء الأبيض المحيط بالدوامة ، انحرفت السفينة إلى الوراء قليلا و بعدها مباشرة اندفعت مسرعة نحو الدوامة ، اشتدت العاصفة و كانت تطلق صوتا مرعبا ، و أيقنت بعدها أن قاربنا سيسقط إلى أعماق الدوامة لا محالة ، ارتفع الماء بشدة في الجانب الأيسر من القارب مكونا حائطا ضخما من الماء حولنا ، و كانت سرعة دوران قاربنا حول الدوامة تزداد بشدة. بعدها لم اكن أعلم كم من الوقت سيستغرق تحطيم الدوامة لقاربنا و بتالي هلاكنا في أعماق البحر.


كان قاربنا يدور بعنف حول الدوامة لمدة ساعة تقريبا ، و كنا نتجه صوب مركز الدوامة الرهيب و كنت حيينها لازلت متشبثا بالحلقة المعدنية الموضوعة في منتصف القارب و كان أخي الأكبر ممسكا ببرميل صغير كان مربوطا بإحكام بحبل كبير ، و فجأة ترك أخي البرميل و قذف بنفسه نحوي ، و حاول أن يبعد يداي عن الحلقة المعدنية و أن يتشبث بها لوحده ، شعرت حيينها – بالرغم من الخوف الذي كان يعتريني – بالأسف الشديد عندما كان أخي يحاول إنقاذ نفسه على حساب حياتي ، و لكن سرعان ما أدركت الحقيقة بأن كلانا هالك لا محالة ، لذا تركت له الحلقة المعدنية و اتجهت أنا صوب البرميل.

بعد وصولي للبرميل ، استدار قاربنا بشدة للوراء و بدء بالغوص إلى اسفل الدوامة ، أغلقت عيناي و بدأت أردد بعض الصلوات ، و توقعت بنهاية سريعة و حاسمة ، و لكن النهاية التي توقعتها لم تأتي ، بعدها ببرهة قصيرة توقف القارب عن السقوط إلى الأعماق ،و فتحت عيناي ، و لن أنسى طيلة حياتي المشهد الذي رايته .

كان القارب يقف عند حافة الدوامة التي كبرت و تشكلت على هيئة حرف V وكان حيينها كل شيء مضاء بضوء القمر ، حيينها شاهدت شيئا غريبا ، كان جانب من الدوامة قد انخفض إلى الأسفل و كان قاربنا لا يزال في الأعلى و لم تصلنا الدوامة ، و بالرغم من أن قاربنا كان مسرعا في حركته فقد كان بإمكاننا – أنا و أخي - الوقوف ، و كان عندها بإمكاني الرؤية ، فأدركت مباشرة بأن قاربنا لم يكن الشيء الوحيد الذي كان يدور حول الدوامة ، فلقد رأيت أجزاء كثيرة لقوارب و سفن متناثرة وكذلك رأيت أشجار و صناديق و بعض البراميل ، فرأيت كل ذلك حولي و بدأت أخمن من من هذه الأشياء – و نحن معها بالطبع - سوف يغرق أولا، فقلت لنفسي ستغرق تلك الأشجار أولا ، و لكنني كنت مخطئا ، لقد رأيت قاربا آخر أكبر من قاربنا ضربته الدوامة بشدة و جذبته معها إلى الأسفل و بعدها توارى القارب عن الأنظار و غاص إلى الأعماق .

و فجأة خطرت لي فكرة حماسية ، فراقبت الدوامة بحذر ، بعدها بدقيقتين بدأت قدماي بالترنح و لكن لم يكن ذلك بسبب الخوف إنما بسبب الأمل الذي برز فجأة بداخلي نتيجة تلك الفكرة الحماسية التي خطرت لي ، فلقد أدركت من خلال مشاهدتي للأجسام التي تغرق بفعل الدوامة الرهيبة بأنها الأثقل وزنا من غيرها ، بمعنى أن الدوامة تجر فقط الأجسام الأثقل وزنا أما الأجسام الأقل وزنا مثل القطع الخشبية و الصناديق فأن الدوامة تبقيها في الأعلى. وعلمت بأن المد سوف يبدأ و نتيجة لحركته سوف يوقف الدوامة ، ماذا سيحدث للأجسام الأقل وزنا التي تدور بفعل الدوامة ؟ فاستطعت أن أخمن بأن هذه الأجسام سوف يتم قذفها إلى سطح الماء.

راقبت عندها برميل أصفر كان يدور بعنف بفعل الدوامة ، كان بالقرب منا أما الآن فانه مرتفع عنا ، و كان قاربنا ينزل للأعماق بصورة أسرع من ذلك البرميل.

لم أتأخر دقيقة بعدها لتنفيذ الفكرة التي خطرت لي ، فقمت بفك حبل البرميل المائي لقاربنا ، فأرسلت بعض الإشارات لأخي و أشرت له لبعض الأشياء الأقل وزنا التي كانت تطفو في الأعلى ، و لم أكن أعلم بأن أخي كان قد فهم ما كنت أقصده أم لا، فقط هز أخي رأسه رافضا أن يترك الحلقة المعدنية التي كان يتشبث بها.

لم يعد هناك وقت لنضيعه ، فبسرعة ربطت نفسي بالبرميل ، و كان هناك حبل كاف لأمده لأخي ففعلت ، و لكن و للمرة الثانية هز أخي رأسه رافضا ترك الحلقة المعدنية المثبتة في منتصف القارب ، لهذا كان علي أن أتركه ليواجه مصيره ، ففي اللحظة التالية قذفت بنفسي و بالبرميل إلى البحر.

كانت النتيجة مثلما توقعت تماما . أنا اليوم حيى يرزق كما ترى ، لقد استطعت الهروب من إعصار الموسكيو بالطريقة التي شرحت لك إياها. استمر القارب و البرميل لفترة طويلة بالدوران العنيف حول الدوامة ، بعدها غاص القارب – وأخي بداخله – لخمسين متر إلى الأعماق و لم أرى أخي من ذلك الحين . أما البرميل الذي كنت بداخله استمر بالدوران لساعة أخرى و بدأ بالنزول إلى الأسفل بفعل الدوامة و لكن ببطء ، و لكن كان البرميل لا يزال بعيدا عن الأعمق لأنه – و كما أسلفت – من الأجسام الأقل وزنا ، و بدأ جانب من منحدر الدوامة أقل ارتفاعا و بعدها قلت سرعة دوران البرميل و كان المد لا يزال موجودا فخفت سرعة دوران الدوامة إلى أن هدأت.

كانت السماء صافية ، و كان القمر يشع بنوره من جهة الغرب ، بدأ البرميل و كذلك أنا بالصعود ببطء إلى سطح الماء ، و كانت هناك الرياح لا تزال قوية و كان البحر لا يزال هائجا ، فقذفت بي الرياح العاتية صوب ساحل قريب ، و لقد رآني بعض الصيادين فقاموا بانتشالي من الماء ، و كان هؤلاء الصيادين – لحسن الحظ – من أبناء قريتي ، بل كان بعضهم أصدقاء لي ، و لكنهم لم يعرفوني ، فلقد تحول شعر رأسي إلى اللون الأبيض كما تراه الآن ، و لم استطع الكلام معهم لأكثر من ساعة ، و عندما أخبرتهم بقصتي لم يصدقوني ، و أنا الآن قد أخبرتك إياها و أتمنى من أن تصدقني . "
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.