كنا منسجمين، نتسامر مع أغاني الوطن المعدَّة بموسيقى المدافع، والمتأثرةُ بأهازيج الألم؛ المشبَّعةُ بأوجاع الركام، والموثّقة بدماء الوطن. كنا نتحدث عن عودة الرئيس المغترب منذ أشهرٍ وأعوام، نتحدث عن الوطن الذي تجرع من الويلات أعظمها، ومن الخراب أشدّهْ، الوطن الذي رقصت على ضريحه ثعابين الحُكم. نتحدث عن أوجاعنا .. عن الأمل المفقود، عن الدماء وعن الشهداء، عن الحلفاء والأعداء، عن الوطن والمواطن، عن الحرية والتقييد، عن الطمأنية والوعيد. الليل يمر والنهار يأتي..تشرق الشمس وتغيب.. الساعات والأيام كما هي لم تتغير، نأكل ونشرب، نعمل ونتعلَّم، نمضي ونمضي، نصبحُ ونمسي، نعيش ونعيش، نصحو وننام. البلاد باقية، والأوضاع تمضي كما قَدَّر الله لها أن تمضي. الأطفال يدرسون، الشباب يتزوجون، الشوارع باقية كما هي.. إذن ماذا تغير ..؟!! ما الفرق بين وجود الرئيس وعدمه ؟!! هل في عودته سنعيش أعماراً مضاعفة، وسيتبدل النهار ليلاً أو العكس؟ لا أظن ذلك ..!! من أجلكم أيها الفقراء فقط، نطالب بعودة الرئيس. لأنكم أوفى وأطهر، لأنكم الوطن، لأن ضمائركم حاضرة، لأن قلوبكم نقية. لا تحقدون .. رغم أنهم جرعوكم الويلات. نطالب بعودة الرئيس، فقط من أجل أن نلبي طلبكم الوحيد، لأن طلباتكم في عودته مرفوضة، ومطالباتكم بحقوقكم محرّمة، لأن كلامكم غيرُ مسموع، وحروفكم ليست لها مأوى في آذانهم. عن عودته .. سنستقبله كما كان يستقبل الأجداد من يدخلون منازلهم لأول مرة، سنصب الماء والملح أمام قدميه، سنكسر بيضةً وسنذبح ديكًا سمينًا.. لن نلوم الزمن، بل نناشده، بأن يغلق تلك الزوايا المظلمة في روابي المأساة ويُغلق الجراح. لن نلوم الوطن بل نعاتبه، لأنه سلَّم زمام أمره لقوادي العصر. اللهم صبراً.. اللهم حاكماً عادلاً.. اللهم وطناً يحتضن أحلامنا كما يحتضنُ أرواحنا..