بسم الله الرحمن الرحيم جامعة عدن و القرارات الإدارية غير مشروعة هبة علي زين عيدروس باحثة دكتوراه في كلية الحقوق – جامعة عين شمس / ج.م.ع يثير العديد من رجال القانون في كثير من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية حوارات حول تعاظم صدور القرارات الإدارية بالتعيينات والترقيات المخالفة للقانون، ويتحدثون عن أهمية الالتزام بتطبيق القانون وتفعيل النصوص المعطلة لأسباب سياسية أو انحراف السلطة الإدارية المختصة في مؤسسات الدولة عن أحكام القانون دون رقابة فاعلة من الجهات والأجهزة المختصة على قرارات هذه السلطة ؛ وما ينتج عن مخالفاتها البسيطة والجسيمة لمبادئ وأحكام القانون التي تمس الأفراد والصالح العام . فمنذ اعلان الحرب في 2015 وتحرير المناطق والمحافظات من سيطرة الإنقلابيين وأصبحت حالياً تحت سيطرة سلطة الشرعية ، نجد أن السلطة الإدارية لمعظم مؤسسات الدولة تصدر قرارات تعيين لشغل وظائف في هذه المؤسسات دون أدنى تفكير بالآثار القانونية والمؤسساتية المستقبلية . وإذا ما نظرنا بتمعن لتبين أن وضع هذه القرارات بين صحيحة في الشكل معيبة في المضمون و مخالفة تماماً للقانون ! . ومن أجل فهم واقع القرارات الإدارية اليوم، نضع قرارات جامعة عدن – الصادرة تحت مسمى قرارات أكاديمية - نموذجاً لمؤسسة تعليمية رائدة على مستوى اليمن ، تأسست أول كلية للتربية عام 1970 وصدر قرار بإنشاء جامعة عدن برقم (22) لعام 1975، يتخرج منها الآلاف كل عام وتضم مئات من الأكاديميين والأكاديميات بين عضو هيئة تدريس وعضو هيئة تدريس مساعدة يخضعون لقانون الخدمة المدنية رقم (19) لعام 1991 و قانون الجامعات اليمنية رقم (18) لعام 1995 بتعديلاته ولائحته التنفيذية رقم (32) لعام 2007 . ومن الأساس القانوني لهذه القرارات غير المشروعة ننطلق مناقشين لها واضعين الحلول في سبيل الجامعة لتتدارك الخطأ الجسيم - الذي وقعت فيه تحت أي مبرر لها فهو يفتقر للمرجعية القانونية - من خلال العمل بنظرية سحب القرارات الإدارية ( سبق الإشارة إليها في مقالنا السابق بعنوان سحب القرار ؛ الحل الأمثل لقرار تعيين النائب العام ) احتراماً لقواعد القانون وتصويباً للوضع الذي نجم عنه منذ صدور قراراتها غير المشروعة. و قد يتبادر سؤال في ذهن القارىء / القارئة حول حصانة هذا القرار غير المشروع فيما إذا مضت عليه فترة ال (60) يوماً للطعن بالقرار المخالف للقانون ، نرد على ذلك بأن القرارات الأكاديمية التي أصدرتها جامعة عدن جاءت بالمخالفة لأحكام القانون فالمادة (22) فقرة (ب) من قانون الخدمة المدنية نص صراحة على أن قرار التعيين يشترط لاصداره مراعاة وجود شاغر وميزانية معتمدة (تعزيز مالي) للشخص المراد اصدار القرار لصالحه، وعلى الرغم من علم الجامعة والأشخاص المعينين في الوظائف الأكاديمية - بموجب هذه القرارات - أنه لا يتوافر هذا الشرط بشقيه الإداري والمالي إلا أنهم ارتضوا بهذا الوضع غير القانوني اعتقاداً منهم أن هذا القرار بمثابة مستند يثبت أحقيتهم للوظيفة الأكاديمية في حالة توافر شاغر وظيفي وتعزيز مالي وكذلك يمكن أن يعتبروه حجة أمام القضاء في مواجهة الجامعة إن اقتضى الأمر . في الحقيقة إن هذا القرار حبر على ورق ؛ بمعنى أنه قرار لا محل له (هو والعدم سواء) وهل يترتب على العدم أثر ؟!. نأتي لتوضيح ما سبق ذكرته وهو مؤكد قد صدم الكثير ممن لا يدركون الجوانب القانونية للقرارات الإدارية ، ونضعكم أمام نظرية قديمة أسسها مجلس الدولة الفرنسي وتسمى نظرية انعدام القرار الإداري و كان يطلق عليها نظرية الوزير القاضي ، حيث تتجلى هذه النظرية في أن إعطاء السلطة الإدارية حق سحب القرار غير المشروع دون تقيد بميعاد عندما يكون هذا القرار منعدماً؛ و يقصد بالقرار المنعدم " القرار الصادر من جهة إدارية مشوباً بعيب جسيم يفقده صفة القرار الإداري ويجعله مجرد عمل مادي فاقداً لامتيازات القرار الإداري" . ويعتبر القرار الإداري منعدماً في حالتين فقط هما: (1) إذا كان القرار معيباً بعيب جسيم يقع على ركني الاختصاص والمحل؛ (2) إذا كان القرار مبنياً على الغش أو التدليس . بالتالي في حال توافرت إحدى هاتين الحالتين في أي قرار إداري فإن للسلطة الإدارية سحبه في أي وقت دون أن يترتب على ذلك أي أثر ناشىء لحق أو مركز قانوني، وفي هذه الحالة نجد أن قرارات الجامعة منعدمه لعدم وجود ركن المحل في القرار والمتمثل في الوظيفة الأكاديمية ( شاغر ، تعزيز مالي) . كما أن المستفيد من قرار التعيين لا يكتسب حقاً أو مركزاً قانونياً في حالة لجوئه للقضاء للمطالبة بإلغاء قرار سحب قرار التعيين للسبب الذي ذكرته سلفاً ، وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية في القضية رقم (1601) لسنة 7 قضائية " بقبول الدعوى شكلاً ، ورفضه موضوعاً وألزمت المدعية بالمصروفات " . حيث كان مضمون القضية كالآتي : "عينت منطقة بورسعيد التعليمية بعض المدرسين والمستخدمين على درجات الباب الأول من الميزانية، مع عدم وجود درجات خالية بها، ونقل المصرف المالي لهؤلاء العاملين إلى بند الإعانات بالباب الثاني من الميزانية. بينما كانت هذه الدرجات مشغولة في ذلك الوقت، ولما وجدت درجات خالية بالميزانية اتجهت نية المنطقة إلى تعيين المذكورين عليها، فطلبت منهم تقديم - مسوغات تعيينهم على هذه الدرجات و رفضت المدعية تقديم ما طُلب منها تقديمه، بحجة أنها معينة فعلاً على الدرجة التاسعة". ولما كانت قرارات الجامعة الأكاديمية لا تحقق أثر في الواقع لعدم وجود وظائف شاغرة بميزانية معتمدة فأن القرار جاء خالياً من المحل لانعدام المركز القانوني الذي يرد عليه قرار التعيين، بالتالي يحق للجامعة أن تسحب القرارات الإدارية غير المشروعة؛ لأنها ثمرة خطأ فاضح يتوجب على السلطة الإدارية في الجامعة أن تعيد الوضع إلى نصابه الصحيح وتلتزم باحترام مبدأ مشروعية القرارات وسيادة القانون . إلا أنه يجب أن نلفت نظر القارئ / القارئة أيضاً إلى أن هناك قانون آخر – أشرنا إليه في الفقرة الثانية من المقال – يجب مراعاة أحكامه. حيث نصت المادة (38) من قانون الجامعات وترادفها المادة (44) من اللائحة التنفيذية لذات القانون بأن يتم اصدار قرار التعيين من رئيس الجامعة لعضو هيئة التدريس وهيئة التدريس المساعدة بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص يليه مجلس الكلية ثم المجلس الأكاديمي وأخيراً موافقة مجلس الجامعة . فهذه النصوص قد تعطلت نتيجة الممارسات السياسية الطويلة التي فُرضت كواقع على الجامعة وتتم إدارتها بموجب ذلك مما أدى إلى تجريد الأقسام العلمية من أحد أهم مهامها المتمثل في الأخذ برأيها في التعيين، فالقسم هو الذي يقوم بتحديد احتياجه للكادر الأكاديمي من عدمه باعتبار هذا الرأي إجراء شكلي وجوبي وفي حالة تجاوزه يجعل من قرار التعيين باطلاً وقابلاً للطعن فيه بالإلغاء. لذلك ينبغي أن تعمل الجامعة على تصحيح الأوضاع المخالفة وتلتزم تطبيق القانون وتفعيل نصوصه المعطلة لضمان مشروعية قراراتها واستقرار الحقوق والمراكز القانونية المكتسبة لمن تصدر القرارات لصالحهم. كما نرى أهمية تطبيق نظرية سحب القرارات الإدارية غير المشروعة في جامعة عدن لتتمكن سلطتها الإدارية من إصلاح قراراتها المخالفة للقانون كي يستقيم الوضع فيها وتعود للصداره العلمية مجدداً بعد أن كانت الصرح التعليمي الأول في شبه الجزيرة العربية.