لقد ارتبطت فكرة الوحدة منذ ظهورها في الربع الأول من القرن المنصرم بنظرتها إلى الجنوب بوصفه غيمة ينبغي وضع اليد عليها . وظل ذلك التلازم للأسف متغيراً ثابتاً في النظر إلى الجنوب حتى اليوم . وقد أخذت تطورها السياسي عبر سياقات مختلفة بداءً بالقومية ثم الوطنية أي شعب يمني واحد وأخيرا الدينية التي ظهرت بعد حرب 94م ، وهي الآلية النشطة اليوم بعد أن تراجعت السياقات القومية والوطنية ، وهي سياقات لم تكن هدفها عند القوم سوى التمكن من الغنيمة ، وهو ما ابانته التجربة بالطبع . ومن يتابع اليوم ما يطرح في مؤتمر حوار صنعاء ، أو في سائطهم الإعلامية المختلفه يلاحظ بجلاء العلاقة بين تمسكهم بالوحدة ونزعة الكسب من ورائها ، لذا تعمل نخبهم السياسية والثقافية بكل ما اوتيت من قوة كي يبقى الجنوب ملحقاً بالشمال . وتبعاً لذلك لا يتعرضون عند تحليل أسباب فشل دولة الوحدة إلى السبب الحقيقي وهو خطأ الاطروحات الايديولوجية التي تجاهلت حقيقة إننا هويتين في الأصل لا هوية واحدة ، وهو طرح كان قد تجاهل حقائق الواقع الموضوعي على الأرض ، وعوضاً عنه يذهبون إلى أن سبب الفشل يرجع إلى النظام السياسي أو شكل الدولة ( الاندماجية ) أي فشل سياسي بالجملة ، مع أن الفشل فشل بنيوي . كل ذلك يرافقه توجه نحو تفكيك الجنوب جغرافياً واجتماعياً وإلحاقه بالشمال لإنهاء هويته بوصفه الخيار الامثل لضمان وضع اليد ؛ يأتي ذلك من خلال مشاريع الأقاليم المتعددة التي يزخروف عليها القول .
إن الثابت عندهم اليوم هو الرفض التام لخيار استعادة الدولة الجنوبية ، وكذا ممانعتهم لأي توجه يعطي للإرادة الجنوبية حقها في إبدى خيارها إزاء المشاريع المطروحة ، ويمتد ذلك حتى إلى خيار فيدارلية جنوب شمال الذي يتمسك بعض الجنوبيين في مؤتمر الحوار مع انه خيار يرفضه شعب الجنوب . فهم لا يرون في مثل تلك المشاريع سوى أطروحات تتعارض وتوجههم نحو الجنوب بوصفه غنيمة . ولا أدلها من تشبثهم المبالغ بالوحدة اليوم ، وكذا حديثهم الدائم عن الثروة والتوزيع العادل لها ، ويزيد بعضهم بتوزيعها حسب السكان ، ولكنهم لا يهتمون البتة عن الكلفة الكبيرة التي تتحملها مناطق الجنوب المنتجة للثروة والمامول منها غداً ، سواءً أكانت المعاناة بشرية أم بيئية بسبب الفساد في تلك الصناعة . وكل تلك المؤشرات في الواقع ما هي إلا سقطات لها مغزاها من حيث رؤيتهم للجنوب بوصفه منطقة غنيمة .
وفي سياق الدفاع عن خياراتهم المأزومة يعمدون إلى ترويج مجموعة من الأطروحات ، كالإدعاء بأن الوحدة حقيقة تاريخية ويجب أن تبقى مع انها طرح أيديولوجية في الأصل ، وجاء ما يؤكد ذلك حتى على لسان د. ياسين نعمان مؤخراً حين قال لا الجنوب جزاءً من الشمال ولا الشمال جزاءً من الجنوب ، بل كل منهما كيان جيوسياسي مستقل . إضافة إلى إثارة فزاعات لا أصل لها كالقول بأن استعادة الدولة الجنوبية سيتسبب في إعادة التوترات والحروب بين الجانبين ، مع أن الجميع يعرف بأن سبب التوترت كانت مشاريع الوحدة التي وظفها أبناء جنوب الشمال في الجنوب ؛ كي يتمكنوا من انتزاع السلطة من قوى شمال الشمال عبر ما سمي بالجبهة الوطنية وقتئذٍ ، وهي صراعات شمالية شمالية بأمتياز . وكذا العمل على تضخيم بعض المشاريع الصغيرة التي لا تشكل اكثر من ظاهرة إعلامية ، كالحضرمة والعدننه مع علمهم بحقيقة وزنهم الهش على الأرض ، والإدعاء زيفاً بان مجتمع الجنوب ممزقاً من حيث بنائه الاجتماعي ، و هو لا يستطيع البقاء آمناً ومستقراً إلا تحت مظلة الوحدة . والسعي نحو التهوين مما حدث في الجنوب ، من خلال الإدعاء بأن ماحدث للجنوب حدث مثله في مناطق أخرى من الشمال مع يقينهم بعدم تماثل تلك المقارنة ، إلا انهم متمسكون بها بهدف احتوى الوعي بثنائية الهوية الذي تكشف للجنوبيين في سياق الممارسات السياسية والاجتماعية ، بل و يتعمدون تشويه ذلك الوعي من خلال تصويرهم له بأنه مجرد مزاج ، مع أنه وعي أصيل .
تلك هي أدواتهم الثقافية الموظفة في مقارعة خيار شعب الجنوب بهدف تأليب الداخل والتأثير على الرأي الخارجي بهدف تحقيق الاصطفاف خلف خياراتهم ، وكذا خلط الاوراق كي لا يتبين الآخرون مدى الانسداد السياسي والاجتماعي بين الجنوب والشمال وما ارتبط به من وعي ، حتى يبقى الجنوب مُلحقاً بهم وتحت عباءتهم . وخطورة تلك التخريجات هو اقترانها بزهو القوة كما يبدو ، وهو زهو كان قد حذر منه الرئيس هادي في أول خطاب له في مؤتمر حوار صنعاء . فهل بعد ذلك من متعظ ؟