السيد/ فلاديمير بوتين، رئيس روسيا الاتحادية المحترم، صُدمت كثيرا، وغيري الكثير من أبناء الجنوب اليمني، من تصريحات سفيركم المحترم في صنعاء السيد سيرجي كوزلوف، الذي يظهر من خلالها أنه لم يفقد البصر فحسب، بل والبصيرة أيضا! فمن يقرأ تلك التصريحات المنشورة على معظم مواقع الصحف الإلكترونية يوم الإثنين الماضي الموافق 3 يونيو من العام الجاري، سيعتقد أن سفيركم هذا يعيش في إحدى فراديس الأرض وليس في اليمن! أو سيعتقد أن تلك التصريحات قد أدلى بها من خارج البلاد، وليس من مكتب المحافظة في مدينة عدن، وكأنها لسان حال المحافظ، مع علمنا المسبق بأنكم، كرئيس لروسيا الاتحادية، على علم ودراية كاملة أكثر من سفيركم كوزلوف، بما يدور من أحداث على الساحة اليمنية وفي مقدمتها مسألة القضية الجنوبية وأهميتها في مؤتمر "الحوار الوطني"، والمطالبة بفك ارتباط الجنوب عن الشمال اليمني.
سيدي الرئيس بوتين،
إن الدبلوماسية هي، كما يقولون، أن لا تكذب، وفي الوقت ذاته لا تقول فيه الحقيقة! لكن، ما قرأناه عن سفيركم في اليمن، قبل أيام في تصريحاته الأخيرة، هو الافتراء بعينه الذي حاول به السيد كوزلوف تغطية شمس الجنوب بمنخل ولم يفلح.إن العالم بمجمله يعيش ثورة المعلومات؛ بحيث أصبح من الصعب اخفاؤها، إلا عن سفيركم كوزلوف الذي كان ملكا أكثر من الملك نفسه عبر تصريحاته بشأن الجنوب اليمني وأخص بالذكر مدينة عدن. فإن كانت القضية الجنوبية غير ذات شأن في أجندة وسائل إعلامكم المختلفة، فإن هذا لا يعني عدم وجودها أو نفيها من الواقع، مع أن القضية الجنوبية بأسبابها وآثارها تأخذ حيزا لا بأس به على قناتكم بالعربية (روسيا اليوم).
سيدي الرئيس،
بغض النظر عن وجهات النظر المختلفة حول القضية الجنوبية فيما إذا كان شعب الجنوب سيختار إما الانفصال وإما الأقاليم أو الفيدرالية أو البقاء تحت مظلة الدولة المركزية كما هو عليه الحال اليوم أو غيرها، إلا أن سفيركم قد أبدى وجهات نظره نحو قضية شعب الجنوب وشكل الدولة القادم، مستبقا بذلك إرادة الشعب في تقرير مصيره، ناهيك عن اعتقاده بأن "مسألة المطالبة بالانفصال لا تعدو كونها "وهماً"، وأن مشاكل الجنوب اقتصادية ومطالب خدمية في المقام الاول، وأن الناس لا يريدون سوى بيت ووظيفة واستقرار" - وفقا لتصريحاته - وكأن شعب الجنوب بهائم في حظيرة لا يهمها سوى الأكل والنوم والجنس.
إن تفكيرا كهذا لدبلوماسي رفيع يمثل دولة عظمى مثل روسيا، وبهكذا تصريحات عفوية، وربما ساذجة، إنما يدل على عمى صاحبها بفقده البصر والبصيرة، فهل يستطيع السيد كوزلوف أن يفسر لنا أسباب خروج سبع مليونيات جماهيرية حاشدة في مسيرات سلمية، من كافة محافظات الجنوب، لتلتقي في مدينة عدن، كانت آخرها في 21 مايو من العام الجاري، وقد تناقلتها معظم وسائل الإعلام العربية والأجنبية؟ وهل هذه المليونيات الجماهيرية كانت تعبر عن "وهمٍ"، وعن مطالبة سخيفة كالكهرباء – مع أنها ضرورية - أو نظافة المدينة كما يعتقد كوزلوف؟
كان يفترض من سفيركم "الأعمى" أن يراعي مشاعر ملايين الجنوبيين الطامحين إلى فك ارتباطهم بانفصالهم عن الشمال اليمني واستعادة دولتهم المدنية سلميا، وقد عبروا عن ذلك في المسيرات المليونية السبع، وكذا ضمن مؤتمر "الحوار الوطني" - على الرغم من رفض شعب الجنوب للحوار - بينما هو – السفير - في زيارة لمحافظة عدن، ناهيك عن مقارنته الساذجة بين انطفاءات الكهرباء في كل من عدنوصنعاء، وهو يعلم علم اليقين، أن لا مقارنة تذكر بين مناخ صنعاء البارد شتاء والمعتدل صيفا مع مناخ المحافظات الجنوبية الساحلية المعتدل شتاء وشديد الحرارة، مع رطوبة عالية، صيفا! فهل يعي السفير الموقر ماذا يعني أن تنطفئ الكهرباء يوميا لساعات طوال في صيف الجنوب القائظ؟.
سيدي الرئيس بوتين،
اسمحوا لي أن أسألكم، من منكم في روسيا نفسها كان ليصدّق أن ينهار الاتحاد السوفييتي وتتفكك جمهورياته كافة بين عشية وضحاها في عام 1990م، حيث كان الانهيار، في زمن الاشتراكية، "وهماً" للجميع؟ تلك الجمهوريات السوفييتية لم تكن موحدة قبل الثورة الاشتراكية عام 1917م، وكذلك اليمن لم تكن أبدا موحدة في تاريخها السياسي قبل عام 1990م! إلا أن الجمهوريات السوفيييتية توحدت لسبعين سنة، ثم تفككت، منهية بذلك مرحلة زمنية تخللها الكثير من الأحداث التاريخية التي غيرت العالم. كذلك توحدت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية لأول مرة في التاريخ السياسي للمنطقة اليمنية، ثم فشلت هذه الوحدة بالحرب على الشريك الجنوبي، بعد أن رُفع شعار "الوحدة أو الموت" من القوى القبلية والدينية في الشمال، لتستولي على السلطة وبالتالي على ثروة الجنوب، وهي من تمتلك السلاح وتهيمن على الثروة، فسيطرت على كل الجنوب، أرضا وإنسانا عام 1994م، منهية بذلك حلم و"وهم" الوحدة. فما المانع إذاً، في أن تتفكك الدولتان من جديد سلميا، بمثل ما توحدتا عام 1990م؟
إن سفيركم كوزلوف، سيدي الرئيس، قد وضع العصا في عجلة التاريخ الاجتماعي، متجاوزا المنطق التاريخي في أسباب نشوء الدول وتوحدها، وكذا في أسباب تفككها، بوصفه المطالبة بالانفصال "وهماً"، متحديا بذلك إرادة الشعب الجنوبي الحر المطالب باستعادة كرامته المفقودة وهويته المسلوبة، والرافض للظلم والقهر والاستبداد والعيش في كنف دولة تتحكم فيها القبيلة المسلحة المتخلفة البعيدة عن مفهوم المدنية تحت مظلة رجال دين متشددين، فهل كان انهيار الاتحاد السوفييتي قبل تفكك جمهورياته "وهماً" أيضا، أم حقيقة تعكس إرادة الشعوب الطامحة إلى تحقيق أحلامها المشروعة؟