يحتفل الشعب المجري اليوم 15 مارس بالذكرى 165 للثورة التي قامت فى عام 1848م ضد الاحتلال النمساوي وهي مناسبة تاريخية جديرة بأن تسمى ذكرى لثورة الإنسان ضد الطغاة والمتجبرين على مدى التاريخ. فى بداية القرن التاسع عشر الميلادي كانت الامبراطورية النمساوية تحكم مناطق واسعة فى أوروبا الوسطى وكانت تباشر الحكم من فيينا ويعيش تحت سيطرتها ألمان ونمساويون، وسلوفان، وسلوفاك، وبولنديون، ومجريون، وكروات، وأوكران، ورومانيون، وصرب وإيطاليون وقوميات أخرى. ولكن الحركات الاحتجاجية العمالية التي قامت فى كل من فرنسا وألمانيا فى بداية عام 1848 م والتي أطاحت بملك فرنسا أثرت على شخصيات مجرية ذات مطالب قومية دعت الى انهاء النظام الملكي الاقطاعي فانفجرت الثورة كردة فعل لحكم آل هابسبورغ على المجر الذي دام لأكثر من 150 سنة. وإثر ذلك وفي بداية مارس 1848 م هاج الوضع في المجر حين قامت مجموعة من المحتجين المجريين بمظاهرات في مدينة بودابست تطالب بإستقلال المجر عن النمسا. وبعد تلك الاحتجاجات اندلع قتال دام عاماً ونصف بين قوات مجرية وبولاندية وألمانية و إيطالية من جهة والقوات النمساوية المعززة بقوات القوميات والجيش الكرواتي و القوات الروسية التي أرسلها القيصر قوامها 200 ألف جندي. ومن أشهرالشخصيات المجرية والتي قادت هذه الحرب من الناحية الفكرية الشاعر "شاندور باتوفي" والذي كان في التاسعة عشر من عمره حينما ظهرت أول قصيدة له في عام 1842. وفي العام 1846 أسس ناديا سياسياً، عرف باسم "جمعية العشرة". وقد تحول فيما بعد إلى حركة سياسية، قام أعضاؤها بتنظيم ثورة مارس عام 1848 التي بدأت حرب الاستقلال ضد النمسا. لقد ظل باتوفي ينتظر اندلاع الثورة لعدة سنوات صباح مساء، وكان يقول لأصدقائه: إني أحس بها آتية كما يحس الكلب بالزلزال. وفى شهر مارس من عام 1848 أسهم باتوفي بصورة فعالة في صياغة البيان الذي سمي بالاثنتي عشرة نقطة و يلخص مطالب الثوار في الدعوة إلى حرية الصحافة، والمساواة أمام القانون والقضاء على العبودية. ودعا في قصائده ومقالاته الحكومة والشعب إلى التأهب للقتال ضد الاحتلال النمساوي حتى النصر. وألف أشهر قصيدة مجرية على الاطلاق، و قرأها على الحشود المؤيدة للثورة أمام المتحف الوطني المجري يوم 15 مارس 1848 وكانت بعنوان نشيد الوطن: على قدميك يامجري، ياوطن حان الوقت، الآن أو أبداً نكون سجناء أم أحراراً؟ هذا السؤال.. فاختاروا الإجابة بإلٰه الهنغاريين نقسم.. نقسم أننا عبيدا لن نكون!
كنا عبيدا حتى الآن خسارة على أسلافنا عاشوا وماتوا أحرارا كعبيد الأرض.. لا يمكنهم الاستراحة بإلٰه الهنغاريين نقسم.. نقسم أننا عبيدا لن نكون!
رجل بلا قيمة هو من إذا لزم الأمر الآن لا يجرؤ على الموت حياته الخرقة البالية أغلى من شرف وعز الوطن.
السيف أكثر إشراقا من السلسلة تزين به اليد الرافعة لكننا فضلنا السلسلة هيا بنا.. معا سيفنا القديم سيكون الاسم المجري جميلًا مرة أخرى يستحق شهرته القديمة العظيمة والعار الذي صبغته عليه قرون الزمان سنغسلها. حيث تنقش قبورنا ينحني أحفادنا وبالصلاة المباركة يرتلون أقدس أسمائنا. بإلٰه الهنغاريين نقسم.. نقسم أننا عبيدا لن نكون! شارك باتوفي الثائر عام 1848 في الدفاع عن وطنه ليس كشاعر فقط وإنما كجندي فى القتال الذي دار بين القوات المجرية والقوات الروسية قرب مدينة "شاغاشفار" اختفى على إثرها الشاعر أثناء اندحار الجيش، ولم يعرف له مكان، فأصبح شهيدا للوطن. فشلت الثورة المجرية التي استمرت نحو عام ونصف، لكنها مهدت الطريق لإنهاء السيطرة النمساوية على حالة الإتحاد النمساوي-المجري وجعلت المجر أكثر استقلالا، حيث في عام 1867 اتفق المجريون والنمساويون على إعلان المجر مملكة ذات سيادة ضمن المملكة النمساوية – المجرية. لقد سميت تلك الثورات الاوروبية آنذاك بربيع الشعوب وهي نفس التسمية التي نستخدمها للدلالة على الثورات العربية والتي لها مطالب شبيهة بتلك التي طالب لها باتوفي ورفقاؤه قبل أكثر من قرن ونصف. بعد هذا السرد التاريخي القصير تقفز إلى الأذهان مجموعة من الأسئلة الحية: ماهو وجه التشابه بين ثورة الربيع المجري الأوروبي وبين ثورات الربيع العربي؟ هل كانت ثورة الربيع المجري عبثية كما يصور البعض اليوم االعربي؟ ابتدأت الثورة المجرية في 48، وحققت بغيتها واستقلالها في 67, أي بعد ما يقارب 20 عام. فهل تتحقق الغايات الكبرى بالتمني، وهل تنتزع الحقوق إلا بدماء الثوار وتضحياتهم؟ والأمر هنا لا يقتصر على العسكر، بل على الشعب كله الذي لبى نداء الوطن، وصدح بنشيد الحرية بصوت واحد، تقعقعت له جدران الزمان، وانحنى له التاريخ ليسجل على وجهه الشعب المجري الحر كلمته الأخيرة بالاستقلال. الإجابة على هذا الأسئلة بمثابة صرخات مدوية، وشعارات حمراء قانية تنادي وتنادي أن لا باب آخر للحرية والستقلال التام إلا الباب المضرج بالدماء كما قال أحمد شوقي: وللحرية الحمراء باب *** بكل يد مضرجة بدق! وبقراءة هذا المطابقة لملامح الثورة المجرية مع ثورات الربيع العربي نستطيع أن نقول: إن ثورات الربيع العربي ليست إلا تمهيدا للثورة الكبرى، لكنها تحتاج إلي باتوفي شاندور في كل قطر عربي! وفي اليمن لم نعدم باتوفي شاندورات اليمن، فهناك الزبيري، وعلي عبد المغني، والقردعي ووو لكننا اليوم بأمس الحاجة إلا باتوفي شاندور جديد يلهب حماس الشعب، ويشعل دماءه لتحرق الطغاة والبغاة والخونة والعملاء والمرتزقة في ثورة لا تبق ولا تذر منهم أحدا! فهلا تقدمنا لملء ذلك الفراغ؟ (الجزء التاريخي مقتضب من مقال للدكتور منيف عبدالفتاح المسني).