إستيفائا و إستيعابا لبعض التساؤلات الواجبة و الملزمة و التي تتعلق ببعض المسائل التي لم نتناولها و لم نشر إليها و ذلك نظرا لتناقضاتها و إشكاليتها الموضوعية و المنطقية من وجهة نظرنا و لذلك التناقض الذي تحتمله لم نقاربها و لم نتطرق إليها كباقي القضايا و المواقف و الإشكاليات و فضلنا ان نعرج عليها في "سفر اصحاحنا الثاني و الثلاثون" و هو السفر ما قبل الأخير في سلسلة "سفر الإصحاح الجنوبي" . و هما مسألتين هامتين وجب توضيحهما و سبرهما و نحن على مشارف الانتهاء من سبر مجلدات اسفار اصحاحنا الجنوبية الثلاثة و الثلاثون سفرا و إصحاحا .. وأما المسألة الأولى فتتعلق بتطبيق "النظام و القانون" و الذي كان مرتبطا بالنواحي التي تتدخل في أدق تفاصيل الحياة العامة للشعب في الجنوب.. وأما المسألة الثانية فتتعلق بحقيقة "الظروف الاقتصادية و المعيشية للجنوبيين" في كل المراحل و المنعطفات التي مرت بالمجتمع في الجنوب . و في تقديري ان المجتمع في الجنوب و الحياة العامة بصفة عامة لم تكن تدار وتحكم بسيادة النظام و القانون بقدر ما كان يحكمها و يدير شئونها "إرهاب الدولة" .. و شاع الخلط و الالتباس السلطوي الرسمي مع الخلط و الالتباس الأهلي المجتمعي في فهم حقيقة النظام و القانون و سيادته و سادت ثقافة الخوف من النظام و القانون لدى الشعب و ترسخ فهم ذلك الخوف احتراما و هيبة لدى السلطة الحاكمة الاستبدادية . و لا يختلف الواقع والحال فيما يختص بالوضع الحقيقي للجانب الاقتصادي والمعيشي فقد كان في حقيقته جزء لا يتجزا من السياسة الأمنية العامة للنظام المتغطرس و الذي لا توجد البتة في حساباته ما يدعوه لإيجاد الحلول و المعالجات الاقتصادية و المعيشية للمواطن الذي كان يعاني من انعدام و جود الوضع المعيشي الأمثل و الصحيح و كل احتياجاته و متطلبات لا تخرج عن نطاق دائرة "التعاونيات التجارية التموينية الحكومية" . وليس هذا فحسب بل وان كل الاحتياجات المعدومة في السوق المحلية و انعدام المعالجات الممكنة لتلبية حاجيات و متطلبات الشعب كانت تندرج في إطار ايدلوجيا مقيتة و متجمدة فكريا و عقليا و عمليا وتتمترس خلف شعارات وطنية فارغة المحتوى و المضمون و بأسم محاربة الاقتصاد الرأسمالي و اربابه من اقطاب البرجوازية و الرجعية المتخلفة و بينما كان الشعب يأكل صنفا واحدا و يلبس لونا واحدا و محرما عليه ان يخالف القوانين الصارمة و التي لم تكن لتسود لولا القمع و التنكيل لمن يخالفها . و بل ومن الشواهد التاريخية على قمع و استبداد و غطرسة النظام السياسي في مرحلة من المراحل انه اخرج الشعب لكي يطالبه بتخفيض الرواتب و الأجور و في الحقيقة ان الخوف من اخرج الشعب عن بكرة أبيه في واحدة من تجليات "الكوميديا السياسية السوداء في جنوباليمن" وما أكثرها .. و لا تساويها سوادا إلا حادثة "الانتفاضة الشعبية" و محاكمات "نقد الذات" في الإدارات والقطاعات الحكومية والتي طالت فئات الموظفين و اصحاب الدخل المحدود . ومن المشاهد التي لا تقل تجسيدا للقمع و إرهاب الدولة حادثة إحراق رداء النساء "الشياذر" و الذي احرقته النساء في ذلك الوقت تعبيرا عن التزام المجتمع باشتراكيته و تقدميته .. و هي حادثة تدلل على طبيعة الانغلاق الفكري و الثقافي و إنفصامه عن هويته و ثقافته و محافظته على عاداته و تقاليده و قد انطلت على الجنوبيين كسابقاتها من الحوادث المشينة التي نالت من حريته و حقوقه و كرامته . وفي تقديرنا ان الوضع العام لم ينفك صلة بالوضع الاقتصادي و المعيشي في الجنوب و في كل الفترات و التحولات السياسية التي مرت به و بشعبه و في الحقيقة ان السبب في ذلك يعود إلى عدم وجود البرنامج السياسي و الاقتصادي الذي يلبي طموحات و تطلعات الشعب .. واضافة لحالة الانعدام السياسية كانت الآثار و التبعات الكارثية للصراعات السياسية بين اقطاب النظام السياسي السبب الرئيس في تدهور الوضع العام و الذي أثر بطبيعة الحال على كل مناحي الحياة العامة للجنوبيين في السجن الكبير الذي كان يظنه الشعب دولة و المسمى مجازا باليمن الديمقراطي .