تحليل يسلط الضوء على الأخطاء التي ارتكبت بحق الحكومة الشرعية وخلال سير الحرب ضد الحوثيين ما هي أبرز الأخطاء التي وقعت خلال الحرب اليمنية؟ لماذا جرى التخلي عن قيادات الشرعية الأقوياء وإزاحتهم؟ كيف أثر ضعف الشرعية دبلوماسيا وعسكريا على سير الحرب؟ هل يمكن أن يراجع الجميع أخطاءهم ويصححوا المسار؟ معركة بلا قيادة! (عدن الغد) القسم السياسي:
يلج اليمن العام السادس للحرب دون أن يكون هناك أي بوادر تشير إلى حسم قادم، أو أي أمل يلوح في الأفق، بل على العكس تماماً، فإن الأوضاع تسير نحو مزيد من التعقيد. ويعتقد مراقبون أن الأوضاع لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من التعقيد والسوء، لولا وقوع الأطراف القائمة على الحرب في كثير من الأخطاء التي أضعفت موقفهم في الحرب. ولعل أبرز تلك الأطراف التي تضررت من الحرب، جبهة التحالف العربي والشرعية اليمنية، التي يبدو أنها أكثر الاطراف تضرراً من استمرارية الحرب. فإذا تم استثناء المليشيات الحوثية، التي لا يمكن أن تعيش في بيئة سلام، أو استقرار، وتقتات دوماً على الحروب والأزمات، منذ تأسيس الجماعة المسلحة، فإن بقية الأطراف المقابلة تعيش في وضع لا تحسد عليه. حيث تبدو الشرعية اليمنية منعزلة ومجرد ديكور لكيان معترف به دولياً؛ فقط للإبقاء على مسمى وصفة "الدولة اليمنية"، للحصول على رسميات وأذونات وشرعنة تدخلات الدول الأخرى والمنظمات. بمعنى أن تواجد الدولة اليمنية بات بروتوكولياً، أكثر منه واقعياً على الأرض، خاصة في ظل خسارة الشرعية للكثير من أراضيها لصالح مكونات أخرى غير مليشيات الحوثي، خاصة في جنوب البلاد. بينما يبرز التحالف العربي كأحد أبرز الخاسرين من استمرار وإطالة الحرب؛ وذلك عطفاً على التهديدات التي تطال أراضيه، والضغوطات الدولية للتخلي عن الحرب في اليمن، مقابل تقوية شوكة خصومه المتمثلين في المليشيات الحوثية، وتعاظم قوتهم ومعداتهم وأسلحتهم العابرة للحدود. فما الذي أوصل حال التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، ومن وراءها الحكومة اليمنية إلى هذا المستوى؟. أخطاء الحرب الحرب عبارة عن نشاط عسكري بحت، لكن ثمة جوانب ترتبط مباشرةً بالفعل العسكري، لا تقل أهمية عن المعارك الميدانية، بل أحياناً قد تكون هذه الجوانب أولوية وأساسية في تحقيق أي نصر. فهناك مثلاً العمل السياسي والدبلوماسي، الذي يرافق العمل العسكري الميداني على الجبهات، كما أن هناك العمل الإعلام المواكب لأية أحداث أو إنجازات أو تقدم على الأرض، حتى الأنشطة الحقوقية والإنسانية، واقتناص هفوات العدو واستغلالها ضده، من بديهيات أية حرب. كل تلك الجوانب، ذات أولوية، وتستخدم بجلاء وبحرفية في الحروب، غير أن الأمر متفاوت بالنسبة لأطراف الصراع اليمني. وللأسف، فإن كل تلك الجوانب المشار إليها، ترجح فيها كفة المليشيات الحوثية، على حساب معسكري الشرعية اليمنية والتحالف العربي، حيث لم يقم الأخيران باستغلال واستثمار ما استثمره الحوثيون وتفوقوا فيه، بحسب محللين. حيث يشير كثير من هؤلاء المحللين إلى أن التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، وقع في أخطاء قاتلة لا تغفرها طبيعة الحروب، وهذه الأخطاء متعلقة بالأمور السياسية، وحتى العسكرية. ويعتقد المحللون أن الأخطاء هذه أضرت بموقف التحالف والشرعية اليمنية معاً، وأضعفتهما في مواجهة خصومهما، ليس فقط فيما يتعلق بالحوثيين، بل حتى غيرهم من الخصوم داخل اليمن. الاستغناء عن قيادات الشرعية يرى مراقبون أن واقع الحرب في اليمن أثبت أن أبرز الأخطاء الاستراتيجية التي وقع فيها التحالف والسعودية بالذات، ترتبط بشكل وثيق بعلاقتها بالحكومة الشرعية. فالرياض- بحسب مراقبين- يبدو أنها تعاملت مع الشرعية اليمنية كتابعٍ وليس كشريك، ونتيجة لهذه العلاقة غير المتكافئة، تسببت بأخطاء أثرت على سير الحرب وبمواقف كلا الطرفين، مقابل تقوية موقف بقية الخصوم. فمن الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها السعودية في حربها في اليمن إفساحها المجال للإزاحة بالكثير من قيادات الشرعية الأقوياء، ممن يصنفون ب"الصقور". حيث يعتقد كثير من المحللين، أن ثمة جهات صوّرت للمملكة أن من مصلحة الحرب إزاحة الرجال الأقوياء من سياسيي وقيادات الحكومة الشرعية، رغم أنهم كانوا "رأس الحربة" في وجه خصوم كلا الجانبين، التحالف والشرعية على السواء. وبغض النظر عن الانتقاد الذي أبدته هذه القيادات من صقور الشرعية، ضد ممارسات التحالف، والتي كانت غايتها تصويب أهداف التحالف في اليمن، وتقوية موقفه تجاه الحوثيين أو المليشيات الأخرى، إلا أن هذا الخطأ كان مؤثراً على جبهة التحالف والحكومة. فزمن الحرب ليس مشابهاً لأزمنة السلام والاستقرار، فالحرب تحتاج إلى صقور لحسمها وتقوية مواقف أصحابها، بينما عهود السلام بحاجة إلى حمائم لتعزيزها وترسيخ حسن النوايا التي تفتقر إليها أوقات الحروب. هذه الأخطاء، والاستغناءات تلو الاستغناءات، والتخلي المتكرر عن رجال الشرعية الأقوياء منذ الوهلة الأولى لتحرير مدينة عدن، ومحافظات الجنوب، ترك هذه المنطقة فريسةً سهلة للانتهازيين والوصوليين، بل وحتى البلاطجة الذين صعدوا على متن "الفراغ" وتبوأوا مناصب وباتوا قيادات، بينهم هم لا يستحقون أن يكونوا حتى جنوداً. لدرجة أن التحالف تخلص من قيادات وقفت ضد المليشيات الحوثية في الجنوب، وعاونت قوات التحالف ومهدت لها الطريق في عدن وباقي مدن المحافظاتالجنوبية. والأكثر أسفاً، أن طرق وأساليب التخلص والاستغناء والإزاحة اختلفت ما بين الإبعاد إلى أعلى، ومنحهم مناصب غير ميدانية، وإشغالهم بمهام سياسية غير عسكرية، وما بين التخلص منهم فعلياً وتصفيتهم. الوضع بعد ست سنوات بدأت الخرب عام 2015، بزخمٍ قوي، ألهب حماس اليمنيين في كل مكان، ودفعهم للتغني ببطولات التحالف ومعاركه وحتى بطياريه ممن يقودون مقاتلاته نحو أهداف المليشيات الحوثية. غير أنه وبعد ست سنوات من الحرب، انتكس الأمر، وبدا اليمنيون ينظرون للتحالف بغير تلك النظرة التي كانت بداية "عاصفة الحزم"، ولا مبالغة في الإشارة إلى أن هذا الشعور لم يكن محلياً، بل حتى عربياً وإسلامياً. ويبدو أن وقوع التحالف في العديد من الأخطاء السياسية، عبر التخلي عن تقوية موقف الشرعية اليمنية، باعتبارها الند الحقيقي والطبيعي للانقلاب الحوثي، ساهم في هذا التراجع. كما أن الأخطاء العسكرية الميدانية، كعدم مواصلة عملية السهم الذهبي نحو مناطق شمال اليمن، والتوقف عند حدود 1990، كان له أكبر الأثر في خلخلة وإضعاف موقف التحالف والشرعية معاً. وهذا الأمر منح الحوثيين فرصة التقاط الأنفاس، وربما ترتيب أوضاع تهريب الأسلحة وتأمينها للانقضاض مجدداً على مواقع الشرعية في الشمال، وحلم العودة إلى الجنوب، ولعل ما يحدث اليوم في مأرب وجبهات البيضاء وثرة والضالع خير دليل. حيث أصبح الحوثيون أقوى من ذي قبل، بل وعرفوا كيف يستفيدون من رجالاتهم الأقوياء، وتحالفوا مع رجال صالح ومضوا في استغلالهم هذا حتى تمكنوا تماماً، وتفرغوا للعودة إلى الحرب من جديد. فخ التصنيفات يرى محللون أن من الأسباب التي أدت بالتحالف إلى الوقوع في الأخطاء، التمترس خلف الانتماءات السياسية والحزبية للقيادات والشخصيات المشاركة في الحرب. حيث بدأت حرب الجنوبيينواليمنيين عموماً ضد المليشيات وهم على قلب رجل واحد، وما هي إلا أعوام قليلة حتى عصفت التصنيفات والانتماءات السياسة والحزبية بكل ذلك الاصطفاف ضد الانقلابيين. وظهرت الانتماءات الإخوانية والقطرية والتركية، والإيرانية والإماراتية، وحتى العفاشية والصينية، تبرز إلى السطح، وتعطي للمتهمين بها وصمة عار عند خصومهم؛ مما تسبب بإقصائهم، رغم حاجة المعركة لرجال أقوياء، ما دام هدفهم مقاومة المليشيات الحوثية. وتسببت هذه التصنيفات بما يصفه المراقبون بأنه "خلع أنياب الشرعية والتحالف معاً"، وتعريتهم أمام خصومهم الذين يبدو أنهم تكالبوا عليهم، واستغلوا هذا الخور والضعف في التشكيك بمرجعيات ومبادئ التحالف والشرعية معاً. والقضية هنا ليست مناطة بالشأن الحربي والعسكري، بل أنها متعلقة أيضاً بالقضايا الدبلوماسية والمحلية ذات العلاقة الخدمية بأمور الداخلية للمواطنين. فعلى المستوى الدولي والدبلوماسي، تبدو الشرعية مفتقرة لرجال أقوياء يشرحون مواقف الحكومة وينافحون عن انتهاكات وتصعيد الحوثي مؤخراً؛ وهو ما انعكس على تجاهل المجتمع الدولي للشرعية اليمنية في مشاوراته الأخيرة، وما يضر في النهاية بموقفها الدولي، فيما يتعلق بأي تسوية سياسية قادمة. الأمر الآخر متعلق بالخدمات ومهام الحكومة اليمنية داخلياً، ووجود وزراء ومسئولين أقل من مستوى المسئولية، وهو ما انعكس أيضاً على الوضع المعيشي والخدمي الذي يكابده المواطنون حالياً. مازال في الأمر متسع لم ينتهِ الأمر بعد، فبإمكان التحالف العربي تدارك الأخطاء التي وقع فيها، ومراجعة وإعادة النظر في سياسته وفي حلفاءه حتى. فما تبقى من معركة بحاجة إلى رجال أقوياء داخل اليمن وخارجها، على المستوى المحلي، عسكرياً وخدمياً ومعيشياً، وعلى المستوى الدولي، دبلوماسياً وسياسياً وإنسانياً، وكشف انتهاكات المليشيات الحوثية واستغلال عدوانهم المستمر في إدانتهم.