■■ في وقت السحر قبل فجر اليوم الثاني من شهر رمضان الكريم، رحل عن دنيانا إبراهيم يوسف نجم كرة القدم المصرية السابق وأحد أفضل من أنجبتهم الملاعب المصرية والإفريقية، وخاصة في مركز قلب الدفاع "الليبيرو". ■■ كان النجم الراحل الذي ودعته الكرة المصرية، أحد فناني الملاعب بمهاراته ورشاقته وأسلوبه الخاص ، وكان يتميز بالخفة والسرعة وإجادة ألعاب الهواء وكافة فنون الدفاع من رقابة وتغطية وإستخلاص الكرة دون عنف أو خشونة، بل بفن و"حرفنة" و"معلمة"، حيث كان من أصحاب المهارات الفائقة، وكان من مبتكري أداء "الليبيرو" العصري الذي يكون صمام أمان في الدفاع ويساهم في صناعة اللعب ، بل ويتقدم لمساندة الهجوم خاصة في الأوقات العصيبة ..وقد أعطاه كل ذلك ثقة وهدوء وتميزاً في الأداء الذي كان من خلاله صاحب بصمة تاريخية ترقى للمستوى العالمي.
■■ كان لإبراهيم بصمة كبيرة أيضا في البطولات والإنجازات العديدة التي أحرزها مع ناديه الزمالك والمنتخب المصري، ورغم ذلك لم يكن محظوظاً ، لإعتزاله المبكر وعمره أقل من 28 عاماً ،بسبب تكرار إصابته بمشاكل في الركبة والرباط الصليبي، ولولا ذلك ، لكان من الجيل الذي أحرز كأس أمم افريقيا بمصرعام 1986 والجيل المشارك في كأس العالم بإيطاليا عام 1990 .
■■ كان يوسف في قمة التوهج في منتصف الثمانينات ، ولكنه لم يكن محظوظاً بالتتويج بلقب أفضل لاعب في القارة الافريقية في مسابقة مجلة فرانس فوتبول عامي 1984 و1985، بل حصل على المركز الثاني خلف محمود الخطيب في المرة الأولى ، وفي المرة الثانية أعتقد أنه جاء خلف لاعب كاميروني هو دكتور ايبوجا – على ما أتذكر- وكان التصويت لمراسلي المجلة في العواصم الافريقية يتوقف على مشاهدتهم اللاعب مع فريقه خلال مباريات بطولة دوري الأبطال في وقت لم تصل فيه الفضائيات لإذاعة كافة المباريات ، ورغم عدم مشاركة الزمالك في العامين ، ورغم كونه مدافعاً ، فقد فرض إسمه ونافس بقوة على اللقب ، ولكن تكرار إصاباته حرمه من لقب كان يستحقه .
■■ بعد الإعتزال المبكر وبسبب عمله كضابط شرطة ، لم يركز يوسف في العمل التدريبي ، وإتجه للعمل الإداري الذي لم ينصفه ككابتن للزمالك ومنتخب مصر، فلم يزد دوره عن عضوية مجلس إدارة الزمالك أو اتحاد الكرة ، لأن منصب الرئيس يتطلب أموالاً ونفوذ وسلطة لم تكن للنجوم الكبار من أمثال ابراهيم يوسف ، الذي لا أدري أيضا لماذا تأخرت ترقيته لرتبة اللواء، المفروض أن يحصل عليها منذ عدة سنوات.
■■ على المستوى الشخصي عرفت إبراهيم يوسف عن قرب منذ بداية نجوميته، وأجريت معه عشرات اللقاءات ، ورافقته في العديد من الرحلات مع الزمالك والمنتخب المصري ، وتصادقنا.. وكان إنساناً جاداً وذو خلق ولاعباً مثقفاً وصاحب طموحات كبيرة يستحقها ولم يحققها، لا في الملاعب ولا بعد ذلك.. وبعد اعتزاله ، بقيت صداقتنا، وتزاملنا في التعليق على المباريات وكواليس العمل الإعلامي بالفضائيات، وفاجأني ذات مرة بأنه سيعتزل التعليق رغم نجاحه، مفضلاً العمل كمحلل في ستديوهات التحليل ، لا أذكر لقائي الشخصي الأخير معه، وكانت آخر لقاءاتنا منذ عدة شهور عبر الأثير في إحدى القنوات الفضائية، بصحبة المذيع الشهير مدحت شلبي، وتبادلنا خلال المداخلة الذكريات الطيبة وعلاقة الود والإحترام، رغم أننا كنا مختلفين تماماً في الرأي حول القضية المطروحة.
■■ لقبه المفضل كان الغزال ، وأطلق الإسم عليه المعلق الراحل أحمد عفت ، كما أسماه أستاذنا الراحل نجيب المستكاوي "تريزور" منسوباً ، لليبرو الفرنسي الشهير في أواخر السبعينات والثمانينات ، وشخصياً كنت أرى الغزال أفضل من المنسوب إليه!.
■■ رحم الله إبراهيم يوسف رحمة واسعة وأدخله جنة الرضوان .. اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، الله باعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقه من خطاياه كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم إغسله بالماء والثلج والبرد.. و" إنا لله وإنا إليه راجعون "