بعد مضي اربعة اشهر على بدء اعمال مؤتمر حوار صنعاء اصبحت القضية الجنوبية على المحك سيما وان الاسابيع المقبلة ستشهد شد وجذب بين اعضاء فريق الحكم الرشيد حول شكل الدولة التي سيتم ادارة شؤون البلاد وفقاً لأسسها وعلى ضوء ذلك ستتحدد العلاقة بين الشمال والجنوب تلك العلاقة التي من المفروض ان تكون ناصية الحل للقضية الجنوبية وعصارة جهود المتحاورين والجديد في الامر ان رئيس مؤتمر حوار صنعاء (رئيس الجمهورية) ما زال هو ومطبخهُ السياسي في حيره من امرهم فتارةً يقررون الموافقة على قرار الاعتذار للجنوب ، وتارةً اخرى يقررون رفض قرار الاعتذار وكان آخر ما توصلوا اليه وفقاً لما تداولته وسائل الاعلام ان رئيس الجمهورية يرفض الاعتذار للجنوب بسبب الالتزامات المالية المترتبة على ذلك ، ويتضح من ذلك ان الحيرة لم يكن من بين اسبابها اختيار الصيغة والكلمات التي ستكون اقل وقعاً عند وصولها الى مسامع الجنوبيين ، كما يتضح ان الاعتذار من وجهة نظرهم لم يتعدى شكل الاعتذار القبلي (التهجير)الذي بموجبه يقوم المعتذر بذبح ثورين او اكثر وتقديم مبالغ مالية ..الخ تلك الطقوس المقيتة التي سار عليه نظام الحكم في الشمال طيلة اكثر من ثلاثة عقود مضت. لكن في تقديري انا كاتب تلك الاحرف واعتقد ان غالبية الجنوبيين يشاطرونني الرأي في ان الاعتذار للجنوب ليس بالأمر السهل ولم يكن الجنوبيين على استعداد لقبول الاعتذار بمجرد ان يصعد احد المعتذرين على منبر خطاب ويقول (عفواً ايها الجنوبيين) ، وكان الاحرى على الرئيس ومطبخهُ ان يدركوا ان الالتزامات المالية المترتبة عن الاعتذار حتى وان وافقوا عليها لم تكن قادرة على احداث اي تحول في مواقف تلك المليونيات الجنوبية لان الشق الحقوقي من القضية الجنوبية لم يكن إلا جزء صغير ومطلب يكاد ان يكون هامشي في ملف القضية الجنوبية لأنها قضية سياسية اكثر منها حقوقية ،ومن اجل ان يكون تفكيرهم اكثر ميول للمنطق وأكثر جدية ومبني على ارادة سياسية عندما يدرسون قرار الاعتذار للجنوب عليهم ان يسألوا انفسهم عدد من الاسئلة هي على النحو التالي : علام سيتم الاعتذار ؟ هل على الوحدة الذي اُقحم الجنوبيين فيها وتحولت الى ضم وإلحاق ؟ ام على احتلال الشمال للجنوب عسكرياً وتدمير كل مقدراته ؟ ام على ما تعرض له ابناء الجنوب من ممارسات احتلاليه خلال العقدين التي لحقت الاحتلال ؟ هل سيكون الاعتذار عن الممارسات القمعية السابقة التي ارتكبها صالح وأركان نظامه ام الحالية التي ارتكبها ازلام النظام الحالي(المحتلون الجدد) التي كان اخرها مجزرة ساحة الحرية في 21 ابريل 2013م واغتيالات القيادات الجنوبية التي كان آخرها اغتيال نائب رئيس الحراك في الضالع الشهيد محمد فضل جباري 11/7/2013م ؟ ما هو مضمون ذلك الاعتذار ؟ بعبارة اخرى هل سيكون اعتذار عملي على ضوئه سيتم رد الاعتبار للجنوبيين وذلك بالسماح لهم بتقرير مصيرهم لأنفسهم وتعويضهم مادياً على كل ما حل بهم ؟ ام ان الاعتذار سيكون شكلي تتطلبه المرحلة كتهيئة للخوض في غمار وضع الحلول للقضية الجنوبية وتمرير اوراق سياسية ؟ ما قيمة ذلك الاعتذار بالنسبة للجنوبيين ؟ سيبقى الاعتذار خالي من اي قيمة اذا ما تم تحميل النظام السابق كل ما ارتكب من جرائم بحق الجنوبيين وبالتالي تقديم الوعود بفتح صفحة جديدة(وهذا المتوقع) والعكس سيصبح ذي قيمة اذا اعترفت كل القيادات الشمالية في النظام السابق والحالي بتحمل المسئولية كاملة والاعتراف بأنهم جميعهم ساهموا باحتلال الجنوب كما ان الاعتذار يجب ان يعيد الجنوبيين الى وضعهم الندي مع الشمال مثلما كان قبل 22مايو 1990م يسمح لهم بإعادة دراسة قرار الوحدة وشكلها بحرية تامة وعلى العكس سيفقد الاعتذار قيمته اذا ظل الشماليين يفرضون حلولهم ورؤاهم على الجنوبيين تماماً مثلما يحدث (في كذبة مؤتمر حوار صنعاء ) . من الذي سيقدم الاعتذار ؟ هل ازلام النظام السابق ؟ ام الحالي ؟ ام الجنرالات التي اجتاحت الجنوب ؟ ام جميعهم ؟ وهل اعتذارهم سيتم التعامل معه قانونياً على انه اعتراف في كل ما اقترفوه وبالتالي يسمح ملاحقتهم قضائياً ؟ ما الذي يتغير في الامر اذا رفض الجنوبيين ذلك الاعتذار ؟ بعبارة اخرى هل سيصاغ الاعتذار بعناية ليكون محل قبول لدى غالبية الجنوبيين على الاقل ؟ ام ان الامر لا يهم مدى قبول الاعتذار لدى المعتذر لهم ؟ان كان كذلك فهذا يدل ان الشمالي لا يزال يتحدث بلغة المنتصر للمهزوم . ولكن مجريات الاحداث وما يدور في ما يسمى بمؤتمر الحوار تؤكد بما لا يدع مجال للشك ان الاعتذار للجنوب سيكون مجرد اعتذار شكلي لا يحمل اي معنى ولا يحوي اي قيمة وغير نابع من قناعات القوى والمكونات السياسية الشمالية فأي اعتذار للجنوب مهما نمقت كلماته ومهما تباكى المتباكين سيظل الاعتذار للجنوب مجرد ورقة سياسية وتسويق سياسي يبطن عكس ما يظهر لان ما يبطنوه كل الشماليين تجلى بوضوح في مواقف كل الرؤى التي قدمتها كل المكونات الشمالية من القضية الجنوبية(المقدمة لمؤتمر الحوار) فجميعها ابت ان تعترف باحتلال الشمال للجنوب وجميعها سعت لان تسوق فكرة مفادها ان ما حدث في الجنوب لم يكن له من الخصوصية شيء بل ان ما حدث في الجنوب حدث في كل محافظات الشمال وبهذا فلسان حال كل تلك القوى تقول ان الاعتذار يجب ان يكون للشعب اليمني كاملاً وتلك هي هوايتهم المفضلة المتمثلة في خلط الاوراق التي تمكنهم من الاستمرار في السير بطريق الخداع والتنصل والمغالطات ولن يكن الاعتذار ببعيد عن تلك الطريق ، كما ان ان الارادة السياسية لم تتوفر بعد تلك الارادة التي تشمل فيما تشمل المصداقية والطرح المنطقي الذي يسير بتناغم مع ما يحدث في الواقع الذي يصبح معه التعامل بما يحدث في الجنوب من غليان ورفض شعبي على انه حقيقة يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار قبل الخوض بأية حلول . وبالتالي فان الاعتذار للجنوب اي كان بالتأكيد سترفضه مليونيات الجنوب بصوت واحد (اعتذاركم مرفوض) لان ذلك الاعتذار سيكون شبيه باعتذار جورج دبليو بوش لشعب العراق وسيكون رد الجنوبيين شبيه برد مرتضى الزيدي (صاحب اشهر حذاء) ويجب ان يدرك كل الشماليين ان شعب الجنوب شعب حي يأبى ان يموت ويأبى ان يخنع لذا فمجرد الاعتذار هو مرفوض طالما والجنوب يرزح تحت نير احتلال المعتذر وحتى بعد تحقيق الاستقلال سيظل موضوع قبول الاعتذار خاضع لوجهات نظر ، فإذا كان الشعب الكويتي رفض قبول اعتذار كل الحكومات التي تلت حكم البعثيين في العراق على الرغم من ان تلك الحكومات لم يكن لها ناقة ولا جمل في ما صنعه نظام صدام في الكويت وعلى الرغم من نيل الكويت استقلالها منذ عقدين ونيف .وذلك لان الحرية لا تقدر بثمن لذا فالشعوب التي صودرت وانتهكت حريتها ولو لدقائق لا يمكن تعويضها بأي ثمن كما لا يمكن اختزالها بمجرد اعتذار. بقلم / امين علي حسن الجحافي المقال خاص ب (عدن الغد) بصحيفتيه الالكترونية والورقية