خرج الاعتذار للجنوب عن حرب 1994 بعد انتظار طويل ، وكما توقعه اغلب الجنوبيين "هزيلاً مفرغاً من مضمونه السياسي والأخلاقي". وكنت أفضِّل تجاهله كما لم يكن ، لأنَّه مجرد كلام مصيره النسيان ، لا يحمل روح الاعتذار (أن يكون ملموس وواقع على الأرض) . ولكنَّي أخطأت التقدير ، فالنظم الهزيل أخفى في طياته أهداف أكبر من الاعتذار بكثير . فلو أنَّه يهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية على حد وصفهم ، لكان أحتوى على الحد الأدنى من الصفات الأخلاقية للاعتذار التي منها :-
- الاعتذار فور الشعور بالخطأ ،، أو عند ظهور الآثار السلبية للخطأ ، وهذا لم يحدث . فالضغوط الإلزامية التي مارسها رعاة المبادرة الخليجية لإصدار الاعتذار تنفي الاعتراف بالخطأ والشعور بالندم !!!
- عند الاعتذار يجب أن ينقل المُعتذِر شعوره بالأسف للمُعتذَر له ، ويكون النقل بتعابير الوجه وبعمق الكلمات المنطوقة والمكتوبة والمنقولة عبر الوسطاء ، وهذا لم يحدث . لأنَّ الاعتذار المنشور غلب عليه الركة والتكلف الاحتيالي وظهر بين سطوره الترصد والاستعداد !!!
- عدم الخوض في القضية التي تم الخطأ فيها ، أو تبرير الخطأ قبل الاعتذار بزمن , وبعده إلى الأبد ، وهذا لم يحدث . بل حدث العكس !! فمازال تبرير الخطأ قائم ، بل والتلميح بأن الاعتذار مجاملة للدول الراعية للحوار !!!
وعليه فانعدام الحد الأدنى من الصفات الأخلاقية للاعتذار في اطار الوطن الواحد كما ذكروا في البيان ، والانعدام الكلي للشروط الأساسية لاعتذار دولة عن ممارسات إحتلالية لدولة أخرى كما يصفها البعض ، يعني إن هذا البيان لم يكُتب للاعتذار ، بل كتب لأهداف أخرى .
وبدراسة محايدة لبيان الاعتذار وما ترتب عنه حتى اليوم ، يمكننا القول أن الأهداف الخفية منه تتمحور حول النقاط التالية :-
* مطلب دولي من المشرفين على المبادرة الخليجية ، لخلق انجازات منها الاعتذار في حالة فشل الحوار . * مطلب يمني يهدف إلى توحيد الجبهة الداخلية "اليمن الشمالي" . * مطلب يمني يهدف إلى اغراق الجنوبيين بمزيد من اسباب الاختلاف ، وتشتيت الجبهة الداخلية الجنوبية . * مطلب الجنوبيين المشاركين في الحوار لضمان مخرج مشرف لهم ، بعد أن فشلوا في تحقيق المخرج المشرف من خلال كسب تأييد الجنوبيين لمشروعهم الجديد "استعادة الدولة" * مطلب الحزب الاشتراكي يهدف إلى تقاسم المسئولية عن حرب 1994 مع شريكيه "المؤتمر والإصلاح" . وتعزيز قوة الحزب وتمكنه من التمثيل الجنوبي دولياً .
والخلاصة أنَّ ردود الافعال الأولية تشير إلى إنَّ الاعتذار حقق كامل اهدافه بكفاءة (1) حقق رضاء ومباركة رعاة المبادرة الخليجية (2) قدم المخرج المشرف للجنوبيين المشاركين في الحوار الأعور (3) فرَّق الجنوبيين ، بين مستفيد مرحب بالاعتذار ، ومتضرر رافض له ، وفتح لهم باب الجدال ، واشغلهم عن العمل الحقيقي (4) نجح في ترميم الجبهة الداخلية في اليمن الشمالي ، وحصد ترحيب جماعي بما فيهم جماعة الحوثي ، وخلق هدف يوحدهم اسمه "الاعتذار للجنوب" وهو الاسم الرديف للهدف المقدس "حماية الوحدة" كما حدث في 1994 (5) عاد الحزب الاشتراكي إلى الشراكة المعلنة لحماية للوحدة ، وسيفعِّل دوره في تمزيق الشارع الجنوبي المطالب بالاستقلال .
وخلاصة الخلاصة أنَّ هذا الاعتذار عملية تكتيكية في منظومة استراتيجية , هدفها استمرار السيطرة على الجنوب ونهبه . فإذا كان هذا واقع الحال ، فماذا يجب على قيادات الجنوب عمله ؟؟؟ طبعاً سيقول الجميع "وحدة الصف الجنوبي" ولن يقولوا كيف يتم توحيد !!! لأنهم مشغولون بكتابة بيانات "رفض الاعتذار" الذي حقق أهدافه وهم لا يعلمون .