كتبتُ مقالاً تم نشره في صحيفة عدن الغد الالكترونية في 20يوليو 2013م بعنوان(عفواً اعتذاركم مرفوض ياريس) كان حينها موضوع الاعتذار للجنوب محل دراسة وتمحيص في اروقة صنع القرار تلك الاروقة التي ظلت بين التردد والحيرة وبين الرفض والموافقة فتارة يستوقفها صيغة الاعتذار وأخرى مايترتب على ذلك الاعتذار من التزامات مالية وأكدت ايما تأكيد ان الاعتذار للجنوب لم يكن بالأمر السهل ولم يكن الجنوبيين على استعداد لقبول الاعتذار بمجرد ان يصعد احد المعتذرين على منبر خطاب ويقول (عفواً ايها الجنوبيين) ، وأكدت ان الاحرى على الرئيس ومطبخهُ ان يدركوا ان الالتزامات المالية المترتبة عن الاعتذار حتى وان وافقوا عليها لم تكن قادرة على احداث اي تحول في مواقف تلك المليونيات الجنوبية لان الشق الحقوقي من القضية الجنوبية لم يكن إلا جزء صغير ومطلب يكاد ان يكون هامشي في ملف القضية الجنوبية لأنها قضية سياسية اكثر منها حقوقية . وها هي اليوم حكومة الوفاق ممثلة برئيسها (الباسندوه) تتبنى موضوع الاعتذار للجنوب ، ولكم كان هزلياً عندما صعد ذلك الباسندوه على منصة ما سمي بمؤتمر الحوار ليتلوا بنبرته الخطابية عبارات ذلك الاعتذار الهزلي الخالي من المصداقية والإرادة السياسية والذي لا يمكن ان يرقى الى مستوى الورقة السياسية التي يفترض ان تهيئ اجواء مناسبة للمصالحة واستمرار الحوار بين الشمال والجنوب بل مثل استمرار للسير في الحلقة المفرغة الهادفة للمغالطة والمراوغة التي عهدناها من حكومات صنعاء المتعاقبة وها كم ما حواه ذلكم الاعتذار:
1 عمد على خلط الاوراق من خلال تحديده للمعتذر لهم (ابناء المحافظات الجنوبية والشرقية ومحافظة صعدة وحرف سفيان والمناطق الاخرى المتضررة من حرب صيف 1994م وحروب صعده الست وكل المتضررين من الصراعات السياسية السابقة ) وبهذا الخلط انما يهدف الى الهروب من اعطاء الجنوب خصوصية ،أي ان الاعتذار لكل اليمنيين في الشمال والجنوب على حد سواء ،كما نسي او تناسى الاقصاء والتهميش ونهب الممتلكات وووالخ الذي تعرض لها الجنوب من قبل الشمال طيلة العقدين التي تلت اجتياح الجنوب عسكرياً.
2 واستمر في خلط الاوراق بل وعمد على مساواة الجلاد بالضحية عندما اعتبر السلطة السابقة مسئولة على كل ما جرى والسلطات السابقة تعني احزاب الائتلاف الثلاثي قبل حرب 1994م (المؤتمر الاصلاح الاشتراكي) ولكن الحقيقة ان حزبي المؤتمر والإصلاح الشماليين هما من شنتا الحرب على الجنوب اما الحزب الاشتراكي الجنوبي(انذاك) وقيادته فهما مجني عليهم كأي جنوبيين ومن غير المعقول ان يتحمل المسئولية .
وعزز ذلك قبول الحزب الاشتراكي الشمالي( حالياً )الاعتذار كأحد المكونات المشاركة في حوار صنعاء .. والحقيقة المغيبة ان يعتذر باسندوة نيابة عن كل شمالي اشترك او ساهم في اجتياح الجنوب ونهب مقدراته وثرواته وممتلكات مواطنيه وإقصاء وسحل وسجن وعذب وصادر ..الخ ما تعرض اليه الجنوبيين في العقدين التي تلت الاجتياح.
3 في آخر عبارة من عبارات الاعتذار دعاء للتصدي لكل من يحاول المساس بالوحدة الوطنية وبهذا يؤكد استمرار نظرة الشمالي الاستعلائية التي لازالت محشوة بنشوة الانتصار هذا من ناحية ومن ناحية اخرى تؤكد تلك العبارة على عدم وجود تغير في مفردات الخطاب السياسي الشمالي الذي عمد منذ 1990م على تأليب الشماليين ضد الجنوبيين تحت شعار الحفاظ على الوحدة على اعتبار ان الشماليين كلهم وحدويين والجنوبيين كلهم انفصاليين.
4 الاعتذار لم يدين الفتاوى الدينية التحريضية ضد الجنوب ابان حرب 1994م تلك الفتاوى التي اعتبرت كل ما هو جنوبي فيد لأبناء الشمال وأجازت حتى قتل المستضعفين في الجنوب.
وبهذا اتوجه لسؤال الجنوبيين هل ستقبلون اعتذار كهذا ؟ وها انذا اكرر ان على الشماليين ان يدركوا ان شعب الجنوب شعب حي يأبى ان يموت ويأبى ان يخنع لذا فمجرد الاعتذار هو مرفوض طالما والجنوب يرزح تحت نير احتلال المعتذر وحتى بعد تحقيق الاستقلال سيظل موضوع قبول الاعتذار خاضع لوجهات نظر ، فإذا كان الشعب الكويتي رفض قبول اعتذار كل الحكومات التي تلت حكم البعثيين في العراق على الرغم من ان تلك الحكومات لم يكن لها ناقة ولا جمل في ما صنعه نظام صدام في الكويت وعلى الرغم من نيل الكويت استقلالها منذ عقدين ونيف .وذلك لان الحرية لا تقدر بثمن لذا فالشعوب التي صودرت وانتهكت حريتها ولو لدقائق لا يمكن تعويضها بأي ثمن كما لا يمكن اختزالها بمجرد اعتذار.