تباينت تصريحات مسئولي الدول الكبرى في الآونة الأخيرة، حول اعتزام الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية القيام بأعمال عسكرية في سوريا، سواء تحت مظلة الأممالمتحدة أو خارجها ردًّا على استخدام نظام الأسد السلاح الكيميائي ضد المدنيين العزل.
ويرى البعض أن الضربة العسكرية ستكون مشابهة لقصف كوسوفو في عام 1999، وذلك بعد أن كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "كبار مساعدي أوباما العسكريين والمدنيين تدارسوا العملية العسكرية في كوسوفو لاحتمالية شن عمل مماثل في سوريا".
وفي هذا الإطار كتب "روبرت كابلان" كبير المحللين الجيوسياسيين على موقع ستراتفور للاستشارات الأمنية الأمريكية مقالة بعنوان "سوريا وحدود المقارنة"، أبرز خلالها أوجه الاختلافات العميقة بين الحالة السورية وحالة كوسوفا عام 1999، لاحتمالية توجيه ضربة عسكرية أمريكية-أوروبية ضد استبداد نظام الأسد.
سبعة اختلافات رئيسية
ذكر الكاتب أن هناك الكثير من خطط الحرب التي لا تكاد تدرك خطورة نتائجها، ويرجع ذلك إلى أن كل حرب لها ظروفها الخاصة، التي تجعلها تختلف عن أية حروب سبقت، ولكن في الوقت ذاته يمكن الاستفادة من بعض هذه الحروب السابقة، كل على حدة.
وقد كان واحدًا من الافتراضات الخاطئة عن حرب الخليج الثانية (الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003) قبل أن تبدأ كما أشار الكاتب أنها ستكون مثل حرب الخليج الأولى (الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990)، ولكن في واقع الأمر فإن حرب الخليج الثانية اختلفت إلى حد كبير عن الأولى، ولهذا السبب أثار قلقَ الكاتب مقارنةُ وسائل الإعلام الحديثة للعمليات العسكرية المحتملة في سوريا بأخرى تمت في كوسوفو عام 1999.
وقد ألقت المقالة الضوء على تباينات عدة، للبرهنة على اختلاف الحالة السورية عن الكوسوفية، والتي تتمثل فيما يلي:
أولا: الديموجرافيا: يبلغ عدد سكان سوريا عشرة أضعاف حجم سكان كوسوفو في عام 1999، وكل شيء في سوريا أوسع نطاقًا من حالة كوسوفو، بما في ذلك استخدام الوسائل العسكرية وصعوبة ذلك.
ثانيًا: الموقف الأمني: كان هناك عنف دائم ومستمر في كوسوفا على يد الزعيم الصربي سلوبودانميلوسيفيتش، ولكن بالرغم من العنف المنتشر في كوسوفا آنذاك، فإن سوريا تشهد حالة من العنف على نطاق أوسع، حيث إن سوريا تشهد حربًا أهلية عاصفة، كما أن سقوط ميلوسيفيتش خفض من انتشار المخاطر والفوضى، على عكس الحالة السورية، فبشار الأسد ما زال يرأس حكم البلاد.
ثالثًا: تأثير الأوضاع على البلدان المجاورة: يعتبر امتداد العنف إلى البلدان والأقاليم المجاورة كان أقل في الحالة الكوسوفية باعتبارها تقع في جنوب دول البلقان، بينما انتشار الفوضى والحرب الطائفية في سوريا يهدد استقرار المنطقة بأسرها، بامتداد حالة عدم الاستقرار إلى البلدان المجاورة.
رابعًا: المساس بمصالح الولاياتالمتحدة: على الرغم من أن جيش تحرير كوسوفو كان على علاقة ببعض العناصر الإجرامية، إلا أنه لا يشكل تهديدًا لمصالح الولاياتالمتحدة، كما تشكل العناصر الجهادية في سوريا مخاطر على مصالحها، كما أن وصول الجيش الكوسوفي الحر إلى السلطة كان يشكل مخاطر أقل على بقاء بيل كلينتون في السلطة، بينما مجيء نظام سني جهادي في سوريا سيهدد بقاء الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة أوباما.
خامسًا: مخاطر الأسلحة الكيميائية: لم تكن الأسلحة الكيميائية منتشرة في جميع أراضي كوسوفو مثلما يوجد في الحالة السورية، فضلا عن الدعم العسكري واللوجيستي للمعارضة السورية لمحاولة موازنة القوة مع نظام الأسد.
سادسًا: موقف القوى الكبرى: لم تكن كوسوفو تتمتع بتأييد قوي من روسيا، فقد كانت غارقة في فوضى نظام بوريس يلتسين، بينما فلاديمير بوتين -الرئيس الروسى الحالي- على علاقة قوية بنظام الأسد، ويبذل كل ما في وسعه لمنع هجوم الولاياتالمتحدة على سوريا، كما أن بويتن يمكن أن يتعاون مع إيران –الحليف الاستراتيجي للنظام السوري- للتخفيف من نظام العقوبات المفروض عليها. فضلا عن أن الاستراتيجية الروسية المعادية للولايات المتحدة أصبحت أكثر انتشارًا في جميع أنحاء العالم في الوقت الراهن أكثر منها في عهد يلتسين.
سابعًا: موقف إيران: لم تشارك إيران في حرب كوسوفا، في الوقت الذي تدعم فيه طهران نظام الأسد بالأسلحة، فسقوط نظام الأسد سيعد خسارة لها، وإن كانت النتيجة ذاتها لا تمثل أهمية للولايات المتحدة، مما سيجعل إيران تزيد من مسار برنامجها النووي.
اختلاف تأثيرات الحربين
بينما كان لحرب كوسوفو خطر كبير على المدنيين الصرب بسبب الغارات الجوية، فإن المدنيين السوريين عانوا من كافة أشكال العنف والدمار على مدى العامين الماضيين حتى اللحظة الراهنة، لذا فإن الإشكالية التي تطرح نفسها أن استخدام الغارات الجوية سيؤثر على عدد أكبر من السكان السوريين سواء الموالية أو المعارضة لنظام الأسد.
وقد كانت بداية الاحتجاجات في كوسوفو -التي تطورت إلى حد التدخل الدولي- للحد من التأثير الجغرافي لصربيا على كوسوفو، وكذلك اصطناع أعمال الشغب للإطاحة بميلوسيفيتش، وبالفعل سقط نظامه في عام 2000 نتيجة بعض الأحداث الناجمة عن تلك الحرب، وبذلك سقط آخر حزب شيوعي حاكم في أوروبا، حتى وإن كان اعتمد على الفاشية القومية في آخر سنوات حكمه، ومن ثم أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا بمساعدة الولاياتالمتحدة ضد روسيا.
وبينما لم ينتج عن إسقاط نظام ميلوسيفيتش أية آثار سلبية على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية؛ فإن سقوط نظام الأسد سيعتبر بمثابة مركز قوة للجهاديين في بلاد الشام مثلما سيطرت طالبان على أفغانستان في أواخر التسعينيات حتى عام 2001.
وذكر الكاتب إن إدارة أوباما تدرس بدقة عواقب القيام بأية أعمال عسكرية في سوريا لتجنب مزيد من الفوضى من قبل الجهاديين في سوريا، فبينما أدى سقوط ميلوسيفيتش لوضع حد للتطهير العرقي، ففي المقابل سيزداد العنف الطائفي في سوريا بسقوط الأسد، حيث ستزداد قوة الأغلبية السنية، وسيقابل ذلك إضعاف الطائفة العلوية واضطهادها من قبل الأغلبية.
وبالنظر إلى التاريخ يرى كابلان أن أوباما يواجه مشكلة أكبر من تلك التي واجهها بيل كلينتون في كوسوفو، حتى وإن استخدم الخيار العسكري عن طريق الغارات الجوية ضد نظام الأسد. ويضيف: يجب الأخذ في الاعتبار أنه عند تدخل الولاياتالمتحدة في كوسوفو، لم تكن الولاياتالمتحدة قد شاركت في أي حرب لمدة ربع قرن، لذا فإن الأمريكيين لم يرفضوا التدخل ولم يضجروا من الحرب. بينما يشارك الجيش الأمريكي منذ أكثر من عقد في حروب دموية، لذا يرفض الرأي العام الأمريكي أي تدخل عسكري، كما يشكل التدخل في سوريا تحديًا أكبر لإدارة أوباما.
وعلى الرغم من أن إدارة أوباما تعاملت بصورة مقبولة مع عدة أمور في الشرق الأوسط، منها سحب قوات الجيش الأمريكي من أفغانستان والعراق، وتجنب المواجهات في عدة أماكن أخرى تشهد فوضى التغيير في المنطقة، فإن سوريا تمثل اختبارًا لقوة الولاياتالمتحدة في المنطقة، وفرض نفوذها، خاصة في ظل تحالف روسيا والصين وإيران مع نظام الأسد، ورفضهم أي تدخل من قبل مجلس الأمن.
واختتم كابلان المقالة مؤكدًا على ضرورة اللجوء إلى الدبلوماسية بعد فتح حوار مع القوى الكبرى (روسيا والصين) وإيران، لكنه في الوقت ذاته، أشار إلى صعوبة القيام بذلك في ظل التوترات التي يشهدها المجتمع الدولي وصراع المصالح. عن/ المركزالاقليمي للدراسات الاستراتيجية