«صفقة الكيماوي لتفادي الضربة العسكرية»، فكرة مفاجئة تفتقت عنها عبقرية حكومة الرئيس فلاديمير بوتين، وسارعت إلى تبنيها إدارة الرئيس باراك أوباما. وعلى الفور تعهّد بتنفيذها وليد المعلم، وهو في ضيافة الحليف الروسي. وعلى الرغم من المصاعب التقنية التي قد تمنع تنفيذ المبادرة في مهلة الأسبوع، وهو على كل حال يكاد ينتهي، سارع وزير الخارجية جون كيري الى القول إن النظام السوري يملك نحو ألف طن من العناصر الكيماوية المتعددة، ومن بينها غاز السارين وغاز الخردل وغاز الأعصاب.
وفي خطابه إلى الأمة أكد الرئيس أوباما أنه انتهى زمن التردد والترقب، وأنه لابد من ردع الرئيس بشار الأسد، ولكن لا يترتب علينا إطاحة دكتاتور جديد كما في العراق وأفغانستان وكوسوفو، المطلوب تقليص قدرة نظام الأسد على معاودة استخدام الكيماوي، لا أكثر.
لكن للأسف، فإن التحول الجذري في الموقف الأميركي، يضع مصداقية الرئيس وإدارته على المحك، بعد كل الوعود التي قطعها، والتهديدات التي أطلقها. وهناك أسئلة بديهية تطرح، ومنها:
- هل الحرب الموعودة إذا تمت، وهو احتمال عاد إلى المربع النظري، ستهدف فقط إلى التخلص من كميات «الكيماوي» ومنع إعادة استخدام هذه الوسيلة في حرب الإبادة، مع السماح الضمني باستخدام كل الوسائل الأخرى؟! - ما دامت إدارة أوباما لديها مثل هذه المعلومات عن السارين والخردل وغيرهما، لماذا انتظرت طيلة سنتين ونصف السنة لتوجيه إنذار إلى نظام الأسد، إنقاذا للأطفال وللسكان الأبرياء؟!
- التفاهم الضمني المفاجئ والمشروط مع روسيا بشأن صفقة الكيماوي، يأتي بعد نحو سنتين من الخلاف مع موسكو حول الحل المطروح في سوريا، فما الذي دفع واشنطن إلى الخضوع المستمر للابتزاز الروسي (الفيتو في مجلس الأمن)، تاركين قوات الأسد تصول وتجول، قتلا وتهجيرا وتدميرا، لا لشيء إلا لأن آلة القتل والإبادة كانت من النوع غير الكيماوي؟!
والآن، ما الذي سينجم عن الاحتمالين المتداخلين: تسليم المواد الكيماوية، ونكوث القيادة السورية بأية تعهدات تتعلق بالحل السلمي وانتقال السلطة، وبالتالي السعي إلى تبرير مجمل أعمالها السابقة واللاحقة؟
- هل صحيح أن إسرائيل ستكون المستفيد شبه الوحيد من تدمير المواد الكيماوية، تأمينا لسلامتها، فيما لا أحد يضمن للشعب السوري وللعرب جميعاً الحد الأدنى من الاستقرار بعد كل هذا الاستنفار النفسي والعملي استعدادا للحرب أو اللاحرب؟! الرئيس أوباما كان قد نقل نقطة الارتكاز الاستراتيجي (في التدخلات العسكرية أو غيرها) من الشرق الأوسط إلى العمق الآسيوي، والآن فهو يجد صعوبة في إقناع شعبه، وطبعاً إقناعنا، إذا كان للعرب في حسابته وزن، بأن المخاطر الكبرى تأتي مجددا من الشرق الأوسط. وخارج هذه المعادلة، هناك المعايير المزدوجة في النظرة إلى الإنسان وحقوقه، التي أصبحت سمة ملاصقة للإدارات الأميركية على اختلافها، فأية تهديدات عادية بالعنف أو بانتهاك حقوق في أوروبا أو أميركا، تهز الضمائر وتستدعي تحركات إنقاذية على الفور (فهي بالتالي جريمة لا تُغتفر)، أما «قتل شعب آمن» كما يجري الآن في سوريا وفي «عالمنا الثالث»، فهي «مسألة فيها نظر»، وتُقابل بعدم الاكتراث، إلا في حال تهددت مصالح الغرب بشكل أو بآخر!