راقبها وهي تقف أمام البحر ، تراقبه وقد أخذت أمواجه ترقص على أنغام صمتها اليتيم ، أنفاسها تلعب مع النسيم الذي أسكره عبير شعرها الطويل ، نهض ، تقدم بخطى وئيدة ، وقف بجانبها ، رأى عينيها الواسعتين تعانقان البحر بحنان ، تدغدغانه برموشهما الرقيقة ، وهو يقذف الزبد من شدة الضحك سألها : أتحبين البحر ؟! أوقد صوتها الذي نهض من فراش الصمت كل جوارحه ، وهو يقول : بل أعشقه! أخذ يستنشق النسيم الذي تزيّن بأنفاسها ، ثم قال :
_ أتدرين ؟! . . منذ صغري وأنا أسأل نفسي ، ماذا وراء هذا البحر؟ أجابت بلا مبالاة : وماذا وراء هذا البحر غير اليابسة؟! _ هذا في نظر علماء البحر والجغرافيا! _ وفي نظرك ! . . ماذا وراء هذا البحر؟! _ حلمي! _ حلمك؟! _ أجل! . . أنت لديك حلم ، وكل إنسان لديه حلم! ثم أشار بإصبعه مستطرداً : وهناك خلف هذا البحر يكمن حلم كل إنسان . _ وما هو حلمك الذي يختبىء وراء البحر؟!
ابتسم وقال : حديقة صغيرة مُحاطة بأزهار من مختلف الألوان ، يتوسطها منزل صغير متواضع ، على ثلاث غرف وصالة ، غرفة لنا ، وغرفة لمرام ، وغرفة لمنير! أشرقت من فمها الرقيق ابتسامة ساحرة ، كسحر عدن ، وقالت : إنه مجرد حلم . أجابها في حماس : ويمكن أن يكون حقيقة! _ كيف؟! _ إذا سبحت إلى هناك فأنا متأكد من أنني سأجد حلمي!! اختبأ ثغرها وراء كفها وهي تطلق ضحكة كزقزقة العصافير ، دون أن تعلم أن هذه العصافير قد عششت في فؤاده . قال لها مبتسماً : أتظنين أني أمزح؟! _ بل أظن أنك مجنون! _ حسناً! . . سأثبت لك أنني جاد!
ركض ، قفز ، اخترق جسده مياه البحر ، وخلفه صرخاتها تدعوه للرجوع ، لم يعبأ ، البحر يبرز أنيابه يزمجر في وجهه ، لم يعبأ بل واصل يسبح . . ويسبح . . ويسبح ، الأمواج تلطم جسده الضئيل بعنف ، وهو يسبح ، الآلام تغرز أنيابها في عضلاته .
وهو يسبح ، الليل يعصب عينيه ، لكن وجهها أضاء طريقه ، الإرهاق والتعب قيداه ، اختنق . كاد يفقد وعيه . . لكن فجأة استجابت خياشيمه لنداء العبير ! إنه يعرف هذا العبير ! إنه عبير أزهار حديقته ! حطّم قيود الإرهاق ، واصل سباحته ، وهو يرى حلمه يتجلّى أمام ناظريه ، سابق الريح ، هاهو يصل ! لكنه لم يستطع أن يدخل حديقته ، لأنه رأى لوحاً قائماً أمامه كُتب عليه : ملكية خاصة لصاحبها (....)_ مشروع بناء فندق .