مع كل شخص اتناقش معه حول قضية المهمشين في اليمن , يلقي اللوم دائماً على سلوكيات المهمشين أنفسهم الذين(على حسب رأي البعض) يتحملون مسؤولية تهميش المجتمع لهم . وكأن مجتمعنا ملائكة ودولتنا رشيدة! . أسباب وهمية فنتازية تدعو للضحك والسخرية على تبرير النظرة اللاإنسانية واللاأخلاقية من البعض لجزء من المجتمع .
قالوا عن المهمشين في بلدي أنهم يمارسون الجنس مع ذويهم بكل برود!! , يفعلون كل أنواع الفواحش ويرتكبون كل الجرائم التي تخطر ببالك! , نشروا في المجتمع أن المهمشين لايدفنون موتاهم بل يحرقونهم ويأكلونهم !!!. وبرهنوا على ذلك يأنهم لم يروا قط جنازة مهمش يمشي بها أهله !! .
المتحضر فينا يقول عليهم مش نظاف , ميتغسلوش !!! .
يلزمني حتى لا أطيل في الرد على هذه النقاط التافهة والتي لاتنم إلّا عن فكر مريض ومصاب بألف عاهة وعاهة , يلزمني أن أذكِّر كل من يؤمن بهذه الصفات التي ألصقناها في المهمشين كيف أشيع بعد حرب 94 أن الجنوبيين كفرة يمارسون كل أنواع الفواحش و الزنا مع ذويهم , ولايعرفون في حياتهم الا شرب الخمر , من يقتلهم يدخل الجنة بغير حساب وظل الشماليون يصدقون هذا الكلام لفترة طويلة ! .
كل من ينظر للمهمشين بدونية يعاني التهميش بداخلة , تجرحه ألف كلمة وكلمة قيلت من الخارج عنه وعن مستوى مدنيته , يشعر البعض منهم أنهم أبناء الله مقدسون , منزهون . يقوم على خدمتهم أناس آخرون خلقوا لذلك (أسموهم عبيد , أخدام , وضيعون ,مهمشون , سموهم ماشئتم) . لم يلتفت يوماً أحد منّا إلى قبحه وعهر فكره , لم يفكر مجتمعنا أن نظرتنا الدونية لبعضنا البعض تزيد من تخلفنا وتعيدنا آلاف السنين للوراء. إننا نعيش في زمن الجاهلية بإمتياز ولن أبالغ لو قلت أن أغلب مجتمعنا قد سافر فعلاً عبر الزمن لقرون الجاهلية والتخلف من خلال نظرته ورفض تعامله مع المهمشين في بلادنا .
ألم يسأل أحدكم كم يجلس المهمش يتردد على مصلحة الأحوال المدنية لكي يحصل على شهادة ميلاد لابنه ,بطاقة هوية له , أو جواز سفر لزوجته !.
الدولة لاتريد أن تمنحهم أبسط حقوقهم كمواطنين , لأنها أصلاً لاتعترف بهم مواطنين! . أنت لم تشاهد أي جنازة لمهمش لأنك منعت نفسك ياسيدي المثقف أن تختلط بهم !
الإدارات الحكومية ترفض خدمتهم دائماً , يمنع بشكل شبة رسمي من توظيفهم في القطاعات الخاصة والعامة . لاتوجد مدراس في مناطقهم كغيرهم من المواطنين .
لايجدون سوى مهنة عمال النظافة , وهذه المهنة على شرفها ووعي العالم بأهميتها . ألّا ان مجتمعي التعيس ينظر لها ولهم بالعار . لاتتبنى النقابات إحتجاجاتهم وإضراباتهم لغرض رفع الأجور الوضيعة (50 دولار شهرياً) ! التي يحصلون عليها وكأنها صدقة تتفضل بها الدولة البائسة .
تذكروا جيداً أيام الثورة عندما خرج الرئيس المخلوع وحكومته للعلاج لثلاثة أشهر لم يشعر أحد بغيابهم , وعندما أضرب عامل النظافة عن العمل لثلاثة أيام فقط أصبحت البلد قمامة كبيرة محتواها الزبالة ونحن !! .
هذه صرخة نطلقها من أجل مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات .