ينتمي أغلب المهاجرين في بقاع الأرض إلى بلدان العالم الثالث، الذين يدفعهم الفقر والبطالة إلى الهجرة صوب البلدان الغنية مثل الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والخليج العربي وتؤكد الإحصاءات أن هناك عشرات الملايين من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم من جيل الشباب ، و يعانون من الفقر والحاجة ، وتخلف أوضاعهم الصحية ، أو تأخرهم عن الزواج ، أو عجزهم عن تحمل مسؤولية أُسرهم وبالتالي يضطرون إلى الهجرة المؤلمة والإجبارية والتي أهم أسبابها ناتج عن السياسات الحكومية الخاطئة للدول النامية في التعامل مع مشكلة البطالة واعتمادها على سياسة القطاع الخاص لتوفير فرص العمل الجديدة , واليمن الذي يعتبر من دول العالم الثالث و تطحنه المشاكل السياسية والاقتصادية , تعتبر مشكلة البطالة من المشاكل المستفحلة في مجتمعه , بسبب الفساد الكبير في مؤسسات الدولة والاعتماد على سياسة توظيف قائمة على المحسوبية والروابط العائلية و إهمال الكفاءات ,. إذ ليس بغريب في اليمن أن تجد وزارات حكومية خُصصت لعائلات , ومنذ عشرات السنين محتلة وظائفها من قبل أبنائها , البعض منهم لا يحمل حتى شهادات الثانوية العامة وأحيانا تجد مدراء من هذه العائلات يحملون شهادات مزورة وبالكاد يجيدون قرأه حروف اللغة العربية ويعملون على منع توظيف إي شخص من خارج نطاق العائلة إلا بوساطة حتى وأن كان يحمل شهادات عليا وخبرة عمل , و يضعون شروطاً تعجيزية أمام المتقدم للوظيفة من خارج محيطهم , تدفعه في النهاية إلى التراجع والبحث عن وظيفة في القطاع الخاص أو إلى الهجرة , و وفقًا لتقرير حكومي رسمي فإن العشرات من الخريجين وأصحاب الكفاءات يغادرون اليمن سنويًا للبحث عن العمل , و أن نحو 30 ألف شخص من حملة المؤهلات الجامعية وحملة الشهادات العليا والمعاهد المتوسطة يعملون في دول الجوار وبعض الدول الأخرى , وهو ما يعتبر استنزاف لعقول اليمن ، والكارثة أن هناك تجاهل رسمي لخطر هذه الظاهرة التي يعتبرها البعض إيجابية و توفر عائدات مالية لخزينة الدولة من العملة الأجنبية , بينما تنفق الحكومة اليمنية ملايين الدولارات سنويا على الأجانب لسد ثغرة احتياجاتها من الكوادر وللقيام بالخدمات اللازمة , وسط أزمات سياسية، اجتماعية واقتصادية أغرقت اليمن في ثورات وصراعات دموية لا تريد أن تنتهي يعجز هذا الحيز عن التطرق لها جميعا .
إن تزايد هجرة الشباب اليمني في السنوات الأخيرة مرتبط بعدة أسباب وأهمها , الوضع الاقتصادي المتردي وتدني فرص العمل وانتشار المحسوبية وانعدام العدالة في توزيع فرص العمل, وتطبيق سياسة وظيفية بين الشباب قائمه على الانتماءات الأسرية والقبلية والطبقات الاجتماعية و الانتماءات الحزبية الضيقة , وكذلك الافتقار للمال و الخوف من المستقبل المجهول الذي ينتظر هذا الشعب المطحون في ظل وضع أمني متردي وضعف أداء الحكومة من الناحية الأمنية وسوء المعاملة والتميز العنصري وتطبيق قوانين عنصرية مجحفة متوارثة بحق فئة من الشعب والشباب , عوامل أدت في النهاية إلى خلق بيئة طاردة للعقول .
إن أخطر أنواع الهجرات هي هجرة العقول البشرية أو أصحاب الشهادات العليا، لان أصحابها هم من خيرة أبناء المجتمع وأكثرهم علما وتحضرا وثقافة , و في اليمن اخطر مشكلة وأهمها هي مشكلة البطالة وارتباطها بالفقر , والتي من خلالها تتفرع الكثير من المشكلات الأخرى وتؤدي بالشباب الى الانحراف السلوكي أو الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية أو إلى جماعات الجريمة المنظمة وأحيانا تدفع بالكثير منهم إلى السقوط في هاوية المشاكل النفسية .
نحن بحاجة إلى إجراء دراسة لاحتياجات سوق العمل اليمني حتى لا تتكدس شهادات الخريجين بلا منفعة , وكذلك إلى ضرورة إعداد خطة تنموية شاملة للحد من البطالة والهجرة لأن وضع الشباب اليمني والبطالة أصبح لا يطاق , ولست ادري أين هي كوادر علم الاقتصاد اليمني التي تدرك , أنّ عملية التنمية تقاس بعدة مؤشرات، منها الفقر ودخل الفرد , وتدرك أن وضع اليمن الاقتصادي والمعيشي كإرثي و يحتاج لخطة تنموية شاملة تشترك فيها كل من الحكومة والقطاع الخاص لأن سوق العمل في اليمن محدود ولا يكفي لتوليد فرص عمل دائمة لتشغيل الخريجين والعاطلين .
البطالة تدفع الشباب في اليمن إلى الهجرة لمن يقدر على ثمنها مالياً وأحيانا أخرى يدفع الشباب أرواحهم في سبيلها , ولكن الجزء الأكبر منهم يتعرض إلى الإضرار النفسية السيئة تجعل الكثير منهم يفتقد إلى تقدير الذات والشعور بالفشل والإحباط الأمر الذي ينعكس سلبياً حتى على العلاقة بالزوجة والأبناء ويؤدي إلى تفاقم المشاكل العائلية والكآبة التي تزداد معها نسبة الانتحار .