الاغتيالات السياسية في شطري اليمن قبل الوحدة وبعدها دائماً حاضرة وكأنها جزء أساسي من برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي , وفي اليمن الجنوبي سابقاََ كانت هناك جماعات صاحبة خبرة و دور كبير في لعبة تصفية الخصوم ومنذ أول يوم للاستقلال . حادثة تفجير طائرة الدبلوماسيين اليمنيين في اليمن الديمقراطي (جنوب اليمن سابقاً) في 30 ابريل 1973م كانت من أبشع الجرائم والاغتيالات السياسية التي عرفها الجنوب بعد الاستقلال و جأت بعد سلسلة من التصفيات الجسدية التي طالت الكثير من الكوادر الجنوبية ممن كانوا يُعرفون بالنخبة البعض منهم هاجر واخرين هربوا من بطش المناضلين والبعض الأخر لم يهرب من الجنوب أثناء تلك الفترة السوداء, ولم يهابوا الموت رغم التهديدات التي تلقوها من بعض الذين كانوا يسمون أنفسهم بالمناضلين والثوريين وهم في الأساس من متسلقي جدران ثورة أكتوبر من الجهلة الدمويين , الذين وصلوا إلى مراكز قيادية في جنوب اليمن بفضل سياسة الغدر و التصفية الجسدية للخصم المثقف المتعلم الوطني والقوي سياسياً وعلمياً, او عن طريق إخفائه عن الوجود دون أي اثر يذكر , أو سجن الخصم أو المعارض وتطبيق سياسة الابتزاز معه او نفيه إلى خارج البلاد ومن ضمن تلك المرحلة السوداء من تاريخ الاغتيالات في الجنوب كانت هناك أسماء داخل البلد ترعب الجهلة ممن يسمون أنفسهم ثوار ومناضلين وكان لابد من التخلص من تلك الأسماء دفعة واحدة . وتم تشكيل قائمة بالأسماء المطلوب تصفيتها عن طريق دعوتها إلى رحلة داخلية على متن طائرة تحت ذريعة التعرف على معالم البلاد , وقد ارتبطت أسماء نخبة الطائرة الدبلوماسية مع بعض الكوادر القليلة النزيهة الأخرى بالسعي لبناء دولة القانون وإصلاح البلاد من الداخل والخارج وفق دراسات ونماذج سبقت اليمن الديمقراطي آنذاك ونجحت وهو ما أخاف تلك العقليات الدموية الجاهلة بنقل تلك التجارب إلى البلاد لتطويرها . وقررت تصفيتها جماعياً وصدر قرار سري بتصفيتهم وتم ذلك في ابريل 1973 واغتالت يد الغدر قائمة الوطنيين وصفوة المجتمع الجنوبي وحكمائه من الدبلوماسيين والمثقفين والأدباء مثل, محمد صالح عولقي , ونور الدين قاسم وعبد الباري قاسم , وسيف أحمد صالح الضالعي و محمد ناصر محمد, عبد القادر أحمد ناصر ألسلامي و فضل أحمد ناصر ألسلامي ومحمد عبد الولي الأديب اليمني الكبير, قائمة الأسماء تضم (22 ) من الدبلوماسيين والمثقفين مع طاقم الطائرة , نخبة من الكوادر الذين لو كتب لهم العيش لكان حال الجنوب اليوم في مصاف الدول المتقدمة .
الحقيقة الكافية لجريمة طائرة الدبلوماسيين لم تظهر حتى يومنا هذا , رغم أن القضية واضحة جدا ومتعمده على أساس ضرب النهج الوطني والتصحيحي وضرب مسار الدولة الديمقراطي من اجل إبقاء السلطة في أيدي طبقة جاهلة حاقدة تسعى للسلطة و لمصالحها الشخصية ودون منافس .
بالأمس القريب كانت هناك مظاهرات تعم مدينة تعز تطالب بالكشف عن قتلة الرئيس ألحمدي , و لا ادري لماذا لا يطالب الجنوبيون بالكشف عن قتلة حادثة طائرة الدبلوماسيين التي تظل مربط الفرس لفك لغز حالة تأرجح الدولة الجنوبية وسيرها بعد ذلك على الشوك والدماء ووقف تطورها واتجاهاتها وتخبطها السياسي والاجتماعي وازدهار فترة الانقلابات وتطور ثقافة التصفيات الجسدية ..
كان من بين ضحايا طائرة الدبلوماسيين شخصيات نادرة جمعت بين العمل في السلك الدبلوماسي , والعمل الأدبي أمثال القائم بأعمال سفارة اليمن في بيروت ومؤسس صحيفة ( الطريق ) الشهيد محمد ناصر محمد , والشهيد الروائي والكاتب المسرحي الكبير والدبلوماسي محمد أحمد عبدالولي الذي انضم للسلك الدبلوماسي قائماً بأعمال سفارات الجمهورية العربية اليمنية في موسكو قبل الوحدة وفي نفس الوقت كان كاتباً بارزاً ومن عمالقة الأدب اليمني , وملك القصة القصيرة تحمل هموم بلاده وهموم أبناء مجتمعه وكان أكثر الكتاب جرأة في الحديث والكتابة عن ظلم الفوارق الطبقية والقهر الاجتماعي والسياسي وهي من الأسباب التي أدت إلى سجنه عدة مرات .
كما كتب محمد أحمد عبدالولي عن قضية المرأة التي تركها زوجها المهاجر وعن ثقافة المهجر ومعاناتها , والتي أبدع في تصويرها في كتاباته بسبب طفولته التي قضاها في أثيوبيا فهو من مواليد مدينة دبرهان الأثيوبية عن أب يمني وأم أثيوبية درس في مدارس الجالية اليمنية بأديس أبابا حيث كان والده من المهاجرين الذين انضموا إلى حركة الأحرار اليمنيين . .
أسس محمد أحمد عبدالولي أشكالا جديدة لفن الكتابة والتعبير عن ثقافة المهجر والوطن وانفرد بأسلوب أدبي نقي في كتابة القصة وأبدع بدون منافسة في كتابة وتنسيق القصة التي طورها عن تجربه وثقافة ودراسة , له عدة أعمال طبعت منها وترجمت بعض منها إلى الفرنسية والروسية والألمانية والإنكليزية , وهناك أبحاث تناولت أعمال محمد عبد الولي , ومن بينها البحث الذي قدمه الدكتور وهب روميه ( مشكلة الهجرة في أعمال محمد عبد الولي ) و وصف تسلل الكاتب فيه إلى العوامل النفسية لدى الشخصيات ، فضلاً عن تناوله لأثار الهجرة وأبعادها في كتابات الرائد الراحل وهو الوحيد الذي أشار إلى مهمة الزمن عند محمد عبد الولي في ترسيخ الواقع وتخليده ، لا تغييره وتبديله , لقد كان الأديب اليمني الراحل محمد عبد الولي من الكتاب البارزين على مستوى الأدب اليمني والعربي ومن أهم أعمالة وأجملها ;
بعد تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني قلة من الناس تعرف أن الجنرال و السياسي البارز رئيس فرنسا السابق شارل ديجول لم يتجه مباشرة لزيارة الجنود والضباط الذين قاوموا الاحتلال الألماني وحرروا فرنسا وسقط منهم الكثير بين قتيل وجريح , بل اتجه ديجول بعد التحرير إلى إتحاد الكتاب والأدباء الفرنسيين في باريس وجلس معهم وتحدث عن مستقبل الدولة الفرنسية وحينما سألوه لماذا لم تكن زيارته الأولى إلى صفوف المقاتلين من جنود وضباط الجيش الذين حرروا فرنسا, أجاب ديجول أن الجيش يحمي البلاد من الأعداء , لكن الأدباء والكتاب هم من ينشرون العلم والثقافة ويقودون عملية تطوير المجتمع .