حين يتجه نظام سياسي ما عمدًا إلى تجهيل شعب من الشعوب وضرب العملية التعليمية التي هي عماد التقدم والتطور؛ كما حصل في حالة نظام صالح إزاء شعب جنوب اليمن على مدى عقدين من الزمن – وكما أيضًا إزاء شمال اليمن - فلا بدّ للمجتمع أن يُبرز أدواته المضادة للحفاظ على أجياله ومستقبل أبنائه. دون هذه الأدوات المقاوِمة, وأدوات المقاوَمة السلمية الأخرى, التي يُفترض ويتوجب أن تنبع من أوساط المجتمع فإن الحالة ستغرق ب قصدية التجهيل من قبل النظام, والاستسلام من قبل المستهدفين والنتيجة جهل وتجهيل ظلماته فوق بعض وتراكمات بأمسّ ما تكون إلى تدارك حتمي وسريع, ومشروع استراتيجي من هذا النوع لا بد وأنه بحاجة إلى مثابرة واجتهاد وصبر على المدى البعيد؛ والمحوري في الأمر: يجب البدء من الآن. هذه النقطة هي التي يتوجب القيام بها والاشتغال عليها قدر ما أمكن, من قِبَل [على سبيل المثال]: الحراك الجنوبي والقوى الأخرى إلى جانبه – تلك المثقفة والشابة والمتنورة. وميدان التعليم أهم ميدان بل هو الجذر الحقيقي للتغيير. ودون الانتصار للتعليم ومن الآن, فلا نتوقع إلا مزيدًا من الانحدار.
ولما كان من المؤكد أن الثقة في السياسيين معدومة؛ ذلك ما شاهدناه وعايشناه وما زلنا, فعلى المثقفين وقادة المجتمع المدني القيام بالواجب ومحاصرة هذا الفراغ القاتل الذي يجب أن يُملأ بالمعرفة. ولا أغفل أهمية ودور المسجد في واقعنا والذي سيلعب دورًا إيجابيًا إن تم ضبط إيقاع رسالته النبيلة.. ولذلك أتمنى كثيرًا من هذه المنظومة التي قوامها كل إنسان – رجلًا كان أو امرأة - مستنير مثقف ويستشعر مسئوليته أن يقوم بما هو قادر على القيام به من أجل الوطن والإنسان.
وهذا الرأي لا يعني الجنوب دون الشمال. إنه يعني كل اليمن أيضًا. فقط وددت إرسال ذلك إلى من يهمه الأمر في الجنوب من واقع ما وجدته صباح اليوم في كلية الآداب بعدن لدى مراقبتي امتحانات دور الإعادة, ولن أتحدث هنا عن الذي حدث ومزيجه وكنتُ فيه مراقبًا؛ شاهد عيان.. لم تكن هناك مشكلة شغب, بل كانت أم المشاكل؛ حيث الألم يحز في الروح والعقل وتعجز معه اللغة عن التعبير. كذلك ليس المعني في الأمر هذا دون ذاك, بل يشمل كل من يستطيع فعل شيء ذي قيمة؛ من كامل قوى المجتمع. الرسالة هي: تداركوا التعليم.. انقذوا التعليم.. في جنوب اليمن في شماله في شرقه في غربه؛ المهم والأهم والذي يفوق كل أهمية: أنْ تداركوا التعليم وانتشلوه يا أنتم, يا نحن. ستنتصر إرادة الشعب اليمني – هنا وهناك – إن كان الانتصار أولًا في ميدان التعليم, وإن كان الانتصار ضد الجهل والتجهيل والأمية وضد من يصطاد في هذه المياه الأسوأ من عكرة. ولن نكون صادقين في انتقاد نظام علي عبدالله صالح – السيئ والبشع جدًا – ما لم نصدق أولًا في النضال من أجل التعليم من أجل العلم والمعرفة.
ولي متابعة الكتابة في هذا الشأن ولي إصرار أتمنى معه تحقيق قصص نجاح؛ والأهم: الاستمرارية. وإن تضافرت الجهود, فلا شك أننا سننجح ولو بقدر قد لا يكون كبيرًا؛ وسيكون كبيرًا مع المستقبل مع التراكم.