وردت مفردة “حزب” في القرآن الكريم ست مرات، و”أحزاب” تسع مرات، و”حزبه” مرة واحدة. جاءت بمعنى الطَّائفة أو الجماعة. هناك سورة قرآنية سمِّيت بسورة “الأحزاب”، وقصتها معروفة. وأتت التَّسمية بالإيجاب لقوله: “أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”(المجادلة: 22)، و”وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”(المائدة: 56). وأتت بالسِّلب أيضاً: “أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (المجادلة:19). مِن هنا نأتي على محاولة توظيف الدِّين في الشّأن السِّياسي، فمَن سمَّى جريدته “البلاغ” أتى بالآية الدَّالة عليها، ومَن سمَّاها “النَّذير” وضع الآية الدَّالة عليها شعاراً لها أيضاً، وهكذا. لكن ما هو أكثر إيغالاً في التَّوظيف هو إطلاق اسم الجلالة على حزب بكامله، ليكون اسمه الرَّسمي “حزب الله”، وأن يؤتى بالآية شعاراً “فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”! مع أن ليس مِن حق أحد مِن عباده، ولا مختلف الأديان والمذاهب، أن يحتكر هذه الاسم لحزبه، إلا إذا أراد أن يُقابل حزبه بما أشارت إليه الآية: “اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ”(سورة المجادلة، الآية، 19). فتخيل فظاعة التَّوظيف!
إذا لم أكن مخطئاً أن أول مَن اتخذ اسماً لحزبه «حزب الله» هو الشَّاعر محمود الزُّبيري (اغتيل 1965) باليمن، وذلك إبان الصِّراع بين الملكيين والجمهوريين عقب ثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962 اليمنية بصنعاء(كتاب المسبار). قال أحد المؤسسين في لحظة التعبير عن الحزب: «وفي الطَّريق … قال الزُّبيري: سنفجر لهم قنبلة عظيمة ستكون شديدة الوقع عليهم، سنعلن إنشاء حزب نسميه حزب الله، وهم سيقولون ونحن من حزب الله»( محمد الزبيري ومشروع حزب الله). وتأمل العبارة: “سنفجر لهم قنبلة عظيمة…”!
بمعنى أن مؤسسي حزب الله بلبنان لم يكن لهم السبق في التَّسمية، مع أن التَّسمية غدت مرتبطة بحزب الله اللبناني، الذي تأسس العام 1982، وهو حزب عقائدي يركن إلى فكرة ولاية الفقيه بنسختها الإيرانية، حتى أصبح اسم الحزب محتكراً للتابعية الإيرانية.
في أي مكان يُعلن عن حزب بهذا الاسم تجده، أو تتصور هكذا، أنه حزب إذا لم يكن ملحقاً بإيران فهو مؤيد لسياستها، وظل الاسم محصوراً بين الشِّيعة، بينما كانت بدايته سُنية متصلة بالإخوان المسلمين، وأن هناك جماعة كُردية عراقية سُنية برئاسة خالد البارزاني شكلت حزباً بهذا الاسم، لكنه غاب عن السَّاحة مِن فترة ليست قصيرة.
تشكل أكثر مِن حزب ومنظمة عراقية باسم “الله”، منها حزب الله، ومنها كتائب حزب الله، وعقيدة الكتائب هي عقيدة الدولة الإيرانية وحزب الله اللبناني نفسها «ولاية الفقيه»، ويتشددون فيها، واختارت الحركة أن تكون ولادة موقعها الإلكتروني الجديد في يوم «الغدير»، وهو اليوم الذي يعتقد الشِّيعة أن أعلن فيه النَّبي الوصية لعلي بن أبي طالب(اغتيل 40 ه)، في 18 من ذي الحجة العام 11 ه، خليفة مِن بعده.
لكن كلَّ تلك الأحزاب، التي اتخذت مِن اسم الجلالة عنواناً لها، اضمحلت أو أخذت بالاضمحلال، في الحالة العِراقية، إلى حزب الله اللبناني فوجوده على ما يبدو كان مختلفاً، وارتباطه بدولة ولاية الفقيه له خصوصيته أيضاً. إنها حَيرة مع هذه التَّسمية سواء أكان ذاك في الدِّكتاتورية أو الدِّيمقراطية. ففي الحالتين مَن باستطاعته حمل اسم مثل اسم الله، ويكون صادقاً في ما يدَّعي! من رشيد الخيون