[أنت تثير البغض والكراهية والحقد وتفتح الماضي لتثير النعرات] هذا القول سمعته من مناضلين - جنوبيين وشماليين - فإذا سمعته أخي المواطن فاعلم أنَّك تمشي صح ، وقد عجز قائلها عن مواجهة حجتك بالحجة .. فتناول أخطاء الماضي في دراسة الحاضر يمنع تكرارها في الحاضر والمستقبل .. فما الذي يُغضِب الغاضبون عندما نذكر حدث سيء أو تصرفات سيئة من الماضي مازالت موجودة اليوم بشكلها السابق أو بصورة أخرى ولكن بنفس المضمون السابق؟؟؟ مثلاً ؛ مازال الأخوة في يمن صنعاء يعاملوننا كفرع وهم الأصل !! هم المتفقهون بالدين ونحن شيوعيون !! هم الأُصلاء ونحن المُهجَّنون !! هم رجال القبائل ونحن عيال التنبل !! وهذه العقلية الاستحمارية باسم الدين ليست وليدة اليوم بل هي مسيرة تاريخية متوارثة ..
وهنا أُذكركم بفتوى الامام المتوكل اسماعيل [ارشاد السامع في جواز اخذ مال الشوافع] وفي الفتوى يقول بكفر أرض المشرق ولو أسلم أهلها فيظلون في حكم الكافر حتى يغادرون أرض الكفر !!! يعني حتى لودخلنا دينهم ولم نغادر الأرض الجنوبية يجب علينا دفع الجزية التي يدفعها الكفار .. ولذلك عندما دخل الحسن بن القاسم تعز في 1638 ألزمهم بالجزية بدعوى أنَّها أرض كفر لأنَّهم انتزعوها من الكفار "العثمانيين" ، وكذلك فعل في الجنوب أبنه أحمد بن الحسن في 1665 ..
وفي حرب 1994 يتذكر الناس فتوى الديلمي فقط , بينما الحقيقة أنها كانت مئات الفتاوى لكنَّها غير معلنة ، فلايوجد عالم دين يمني إلَّا زار أكثر من معسكر واسمع الجنود ماهو أشد من فتوى الديلمي .. ونفس اللهجة دندنت بها منابر المساجد حينها .. واليوم هناك صيغة جديدة وعصرية لنفس المضمون جاءت على لسان الشيخ عبدالمجيد الزنداني في موضعين ،، الأول ذكرناه في مقال سابق بعنوان "إنها الحرب وقبائل صنعاء استعدت لكم" وهي عبارة عن بيان مؤتمر قبائل وشيوخ دين صنعاء وخلاصته "حماية الإسلام وحماية اليمن" .. والموضع الثاني في مقابلة تلفزيونية تعليقاً على مايحدث في دماج وفحوى الفتوى (إذا عجزت الدولة أو تراخت عن القيام بواجب حماية أرواح الناس في دماج فهذا لايسقط الواجب الشرعي عن الشعب ) .. والمفهوم العام لكلامه إذا كان الرئيس هادي نجح في تحويل الجيش من قوة بيد عصابة - يعني بيدهم - إلى جيش بيد الشعب فسوف نستخدم الجيش الرديف "القبائل والمجاهدين" ومايجوز في صعدة يجوز في الجنوب !!!
وفي رأيي الشخصي أن اعظم انجازات الربيع العربي أنَّه كشف لنا رجال الدين المرتزقة .. فقد اسقطوا مهابة الدين بتكذيب وتكفير وتخوين بعضهم البعض ، ووسم بعضهم البعض بأنَّهم علماء السلطان وأبواق أمريكا ،، ليس في اليمن وحدها بل في كل الدول العربية .. حتى جعلوا الدين مطيَّة يركبونها متى اقتضت حاجتهم ويوجهونه بالاتجاه الذي يحلوا لهم .. ولولا هذا المآل الذي أوصلوا أنفسهم إليه ما جرؤت على نقدهم فقد تعلمت أن لحوم العلماء مسمومة ، بل أصبحت رؤيتهم للدين غير رؤيتنا ،، فنحن نعتبره دستور حياة كريمة لكل الكون - بشر وحيوانات - وهم يعتبرونه وسيلة تسلُّط ومصدر رزق .. وهذا مايدفعنا للقول أن الإيمان والحكمة قدَّما لجوء سياسي في بريطانيا .. ولو كان الهدف من توظيف الدين بهذه الطريقة تعزيز الجبهة الداخلية في يمن مطلع فقط ، كنت قلت هذا شأنهم ودينهم ، وماكنت اعطيت الموضوع كل هذا الاهتمام .. لكن الهدف الخفي الذي استشعرته هو اختراق الجبهة الداخلية الجنوبية لتحقيق هدفين كالتالي :-
الهدف الأول ؛ التغرير بالمتحمسين الجنوبيين وإرسالهم إلى دماج .. فلم نسمع عن مساجد في محافظات شمالية تجند الشباب للقتال في دماج كما هو حاصل في الجنوب وكأنَّ الجهاد مكتوب علينا فقط .. ولم نسمع أنَّ أُسود الشرى في تنظيم القاعدة التابع لهم أعلن الجهاد في دماج .. المهم في الأمر ماهو الهدف من التغرير بشباب الجنوب؟؟ الهدف هو عودتهم بإحدى حالتين ،، الحالة الأولى [قتلى] وهذا يثخن في البيت الجنوبي ويخلق الألم في كل قرية .. ويؤدي بالتالي إلى التهيُّب من أي قتال آخر ولو كان قتالاً مشرفاً كحماية الأرواح والأعراض والأموال .. الحالة الثانية [ولاء لهم وبراء منَّا] أي يعودون بأيدي ملطخة بالدماء وهم في حالة من الولاء المطلق لشيوخ دين صنعاء ونفور من أهلهم ، والجاهل الذي يتذوق القتل لايعيش بدونه .. ملاحظة هذا الهدف نجحوا فيه حتى الآن .. الهدف الثاني ؛ تمزيق الصف الجنوبي وإعادة انتاج الانقسام الافقي والعمودي الذي حدث في 1994 .. وفي رأيي أنَّ ظروف 1994 غير ظروف اليوم ، وبالتالي فبلوغ هذا الهدف مستحيل .. والجنوبيون الذين قاتلوا معهم في 1994 وحسموا المعركة حينها لن ينخدعوا اليوم بفتوى دينية ،، ولابشعارات وحدوية وطنية ،، والحالة الانتقامية الجنوبية التي كانت الدافع الرئيسي انتهت .. واقصى مايمكنهم تحقيقه هو استحمار فئة قليلة باسم الدين تستخدمها في اغراق الجنوبيين بدماء بعضهم ، وليس من أجل حماية الوحدة ..
وبرغم كل ماذكرناه من تحضيرات عدائية باسم الدين إلَّا إننا مازلنا نتوسم الخير في عقلاء الشمال في تفهُّم الوضع القائم - تفهماً إسلامياً إنسانياً أخلاقياً - فيعترفون بالحقيقة التي أصبح العالم اليوم يعرفها ، وهي ؛ أن الانفصالي المتسلط المارق هو الذي تآمر على الوحدة بين 1990-1994 وهو سلطة صنعاء ، وبعد الحرب اسقط المواطنة المتساوية ، وطبق استراتيجية الاستعباد التي كان من وسائلها التهميش والإقصاء والإذلال للجنوبيين بصفة عامة .. فإذا تفهَّموا الواقع أمكنهم النظر إلى المطلب الجنوبي - فك الارتباط - كحل وليس كمشكلة تستوجب القتال .. فإذا كانت فدرالية الاقليمين أو الخمسة حلول للحفاظ على الوحدة السياسية ، ففك الارتباط هو الحل الأمثل للحفاظ على ماتبقى من الوحدة الشعبية وإعادة تنميتها .. فإذا جعلنا الحفاظ على الوحدة الشعبية هدفاً مقدساً شمالاً وجنوباً فقد نستعيد الروح الوحدوية التي كانت قبل 22 مايو 1990 ،، وحينها يصبح أمر إعادة الوحدة السياسية تحصيل حاصل ولن يكونوا بحاجة للحرب وسفك الدماء ..
وفي الختام أُذكِّركم بكلام الشيخ زايد بن سلطان يرحمه الله ، عندما قال للجنوبيين والشماليين في 1989 : إننا في الامارات لم نتوحد وحدة اندماجية حتى اليوم بعد عشرين سنة من الاتحاد ،، فلماذا تقفزون إليها ؟؟ فأنصحكم بالتدرج كبداية صحيحة لعمل تاريخي ينتهي بالنجاح ، كالبدء بالكونفدرالية أو الفدرالية ويتم خلالها تحضير الدولتين إلى وحدة اندماجية تبقى بإذن الله ، أما القفز إلى الوحدة الاندماجية فهو مغامرة عواقبها غير مضمونة .. انتهى كلامه يرحمه الله .. وقد صدق حدسه . فقد سقطت الوحدة بسبب مغامرة الأغبياء ونوايا الخبثاء .. واليوم نسأل هل آن الأوان لإعمال العقل وتقديم الوحدة الشعبية على الوحدة السياسية ؟؟ شعبان متآخيان في دولتين أو متناحران في دولة واحدة ؟؟؟ وهل ستعود الحكمة اليمانية ليفهم الناس أن فك الارتباط حل وليس مشكلة .. الله أعلم