بعض الاعلاميين والفنيين والمتتبعين، لم يتركوا أبناءنا يفرحون ويستمتعون بالتأهل إلى المونديال، وراحوا يستبقون الأحداث ويتجاوزون تثمين الإنجاز، ويتحدثون عن ضرورة تقديم وجه طيّب في المونديال والتأهل إلى الدور الثاني على الأقل، وكأننا كنّا نفعل ذلك كل مرة في مشاركاتنا الثلاث السابقة، مع العلم أن نفس الأشخاص كانوا إلى وقت قريب يعتبرون بأن منتخبنا ضعيف، ومدربه فاشل ولاعبوه ليسوا في المستوى ولا يمكننا التأهل إلى المونديال..
في أوج النشوة والفرحة راح البعض يتكهن بأننا سنلعب ثلاث مباريات في البرازيل ونعود إلى البلد، وحاولوا إحباط المعنويات وتعكير الأجواء بالحديث عن حجم المكافآت التي سينالها اللاعبون بعد التأهل، ومقارنتها بمستوى المعيشة عندنا رغم أنها لن تختلف عن المكافآت التي نالها اللاعبون عند تأهلهم إلى مونديال جنوب إفريقيا، والتي ستغطيها كلية المكافأة التي تمنحها "الفيفا" للمنتخبات المتأهلة إلى المونديال، ورغم أنها لن تصل حجم الأموال المنهوبة، ولا تلك التي يتم تبذيرها في عديد القطاعات..
الأمر قد يبدو طبيعيا وعاديا ومقبولا لو كنا في كل مرة نشارك في المونديال ونتأهل إلى الدور الثاني، وكان يمكن أن يكون طبيعيا وعاديا لو كانت ثقافتنا وتقاليدنا الاعلامية والاجتماعية هي مطالبة كل المسؤولين وممثلي مختلف القطاعات بضرورة التميّز والتألق في كل المجالات، أما أن نطالب ونشترط أن نكون في المستوى ولا نخيّب فقط في كرة القدم ومع المنتخب في المونديال، فهو أمر غريب ومحير في ظل تراجع كبير تشهده الكثير من المجالات دون أن يتحرك أحد، ويطالب بالمزيد من الحريات وتوفير الحاجيات والامكانات وتحقيق النتائج الطيبة في كل الرياضات، وفي النتاج الفلاحي والزراعي وإنجاز السكنات والطرقات والمطارات والمرافق الأخرى، ودون أن نلزم المسؤولين بتحقيق النتائج المناسبة لقدراتنا وطموحاتنا.
لا أحد فينا لا يأمل في تأهل منتخبنا إلى الدور الثاني في المونديال، ولا يأمل حتى في أن نفوز بكأس العالم ولكن الواقع والمنطق يقولان بأننا نملك منتخب المستقبل الذي سيمثلنا في العشر سنوات المقبلة، وليس منتخب مونديال البرازيل، ونملك مجموعة بدأت تتشكل وتستقر على هوية لعب سمحت لها بتسجيل الأهداف وتحقيق الانتصارات داخل وخارج الديار، واعتماد اللعب الهجومي الذي يرتكز على ركيزة دفاعية متينة تتحمّل كل الضغوطات ولا تتلقى الكثير من الأهداف..
صحيح أن هدية التأهل إلى المونديال لا يمكن أن تُرفض، وعلينا أن نرفع سقف طموحاتنا في الكرة وفي غير الكرة، ولكن علينا أن نعمل أكثر ونثمّن العمل المنجز عوض الحديث عن حجم المكافآت التي سينالها اللاعبون وضرورة التأهل إلى الدور الثاني، وعلينا أن نستثمر في الإنجاز كرويا ورياضيا واجتماعيا، ونستثمر في الهبّة الوطنية التي رافقت التأهل، وذلك التجاوب الشعبي الجماهيري الذي يتطلب منّا رد الجميل بالاعتناء بأبنائنا وخدمتهم، وتوفير ما يستحقونه من شروط الحياة الكريمة..
بعد التأهل إلى المونديال لا يجب أن تتوقف طموحاتنا وأهدافنا عند التأهل إلى الدور الثاني، بل إلى التواجد الدائم في المونديال وفي نهائيات كأس أمم افريقيا، وفي كل المحافل الرياضية الدولية للفوز بالميداليات والتتويج بالألقاب، كما يجب أن نرفع سقف طموحاتنا في مجالات أخرى لنصبح بلدا محترما بين الأمم في مستوى طموحات شعب يستحق أن يفرح كل مرة، وليس مرة واحدة كل أربع سنوات!! ** نقلا عن صحيفة الشروق الجزائرية .