من مايو عام 1990 حتى ابريل 1994م يسجل التاريخ مدى زمني يبلغ اربعة اعوام ، هي مرحلة زمنية اراد خلالها اصحاب " عودة الفرع الى الاصل " تدشين ابتلاعهم للجنوب العربي - سلميا احيانا واحيانا اخرى بالقتل والاغتيال لكوادر الجنوب - عن طريق تعميم نموذجهم "الاصل " على " الفرع " بحيث يشمل هذا التعميم كل ماله علاقة مباشرة بحياة انسان الجنوب ...لقد ارتأى هؤلاء ان يكون الجانب الاجتماعي في الجنوب هو المدخل الاول لهذا التعميم ، اعتقادا منهم ان هذا الجانب يمثل المنطقة الرخوة عند شعب الجنوب كونه قد ظلم في مرحلة ما بعد 67م ، وبالتالي خلخلة هذا الجانب – كما اعتقدوا - ستجعل من السهولة تعميم نموذجهم " الجاهلي " والتجهيلي " على الجنوب وشعبه كخطوة اولى في طريقهم لابتلاعه بأكمله وجعله مجرد تابع لهم وملحق " بأنظمتهم واعرافهم وتقاليدهم وبتركيبتهم وبنيتهم القبلية وتداعياتها في مختلف المجالات " مثلما تم اخضاع بعض مكوناتهم البشرية والمكانية – تعز واب ومناطق الزرانيق مثلا - بالإكراه والقوة في يوم ما . ويتذكر من عاش تلك الفترة التي اعقبت مايسمى " قيام الوحدة اليمنية "الى عام 94م ، كيف انتعشت في الجنوب قيم التفاخر بالقبيلة والانتساب اليها بالحق او بالباطل..
وتمجيد اسوأ ما في القبيلة من اعراف بالية عفى عليها الزمن ...بل وعودة البعض الى البحث عن الأصول القبلية لهذه الاسرة او تلك ....كما ازدهرت في الوسط الاجتماعي الجنوبي ايضا عدد من المفاهيم البالية والاعراف الجاهلية كتلك التي تمجد مظاهر حمل السلاح الفردي والاحتكام الى العرف بدل القضاء المدني والشرعي وتعالي البعض على البعض الآخر وغير ذلك من مظاهر وسلوكيات وقيم غادرها شعب الجنوب في معظمه منذ زمن بعيد . لقد بذل اصحاب نظرية عودة الفرع الى الاصل "الشي الكثير لتدمير هذا الجانب الاجتماعي في الجنوب وبطرق واساليب شتى ...كي يتماشى الواقع الجديد في الجنوب ويتكيّف مع واقع اصحاب النظرية ....الاّ ان استجابة معظم سكان الجنوب يومها لم تكن بتلك الصورة التي ارادها هؤلاء ، ربما شكّل وجود سلطة الدولة الجنوبية يومها حاجزا ومانعا حدّ من تعميم ما أرادوه للجنوب من تدمير في هذا الجانب خاصة وان سيادة الدولة الجنوبية ظلت قائمة من خلال جيشها وعملتها وانظمتها وقوانينها التي احتفظ الجنوبيون بها مثلما احتفظ الشمال بما لديه حتى بعد ما سمي باتفاقية الوحدة ....
ثم أتت مرحلة اخرى يسجلها التاريخ الجنوبي بانها من ابشع واقذر ما تعرض له الجنوب وشعبه في تاريخهم الحديث والمعاصر...تبتدي هذه المرحلة بعد اجتياح الجنوب عام 94م من قبل جحافل " السبئيين الجدد " ومناصريهم من ذوي العقلية السبئية – دولة سبأ قامت على فكرة العنف والحرب ، الصوفي احمد الاعتراف المنيع ص235- ولاتزال تداعيات هذه المرحلة السبئية الجديدة قائمة الى اليوم ...خلال هذه المرحلة خلى الجو لأصحاب نظرية "عودة الفرع الى الاصل" , بعد ان حققوا انتصارهم المزعوم على جيش الجنوب وطرد قادته الى خارج الحدود ....هنا كشروا عن انيابهم ...وارادوا اخضاع الجنوب وشعبه بالقوة والاكراه ...وتعميم مالديهم من سلوكيات وتصرفات وحتى سبل تفكير ومدارك ومفاهيم لتشمل كافة نواحي حياة شعب الجنوب , ارادوا لهذا الشعب ان " يتأقلم " ويتكيّف مع الوضع الجديد الذي جلبوه هم معهم بعد انتصارهم المزعوم ودخولهم لمدينة عدن – عاصمة الجنوب - كفاتحين جدد في 7/7/ 94م .....وكان عليهم ان يستكملوا أولا ما بدأوه من تدمير قبل الحرب ...كان الجانب الاجتماعي ايضا هنا هو الضحية لهذا الاكراه والتعميم فجعلوا مما سمي لديهم " مصلحة شئون القبائل " مرتكزا لهم في الجنوب – وكرا – لتنفيذ مبتغاهم في تعميم نموذجهم الجاهلي المتخلف , وكان شيئا اشبه بالفانتازيا حين قرروا ان يجعلوا لعدن مايسمونه " عاقل حارة " ...هذا المسمى الذي يحيلنا الى عصور الجهل والتخلف والانغلاق والهمجية ....وكان لهم ما رادوا في اول مدينة عربية على مستوى الجزيرة العربية عرفت مظاهر التمدن والتحديث ..!! وتتابعت على الجنوب سلوكيات الاكراه والاجبار بشتى الوسائل القهرية كي يتقبل ويتكيف ويتأقلم شعبه مع ما اراد هؤلاء السبئيون الجدد تعميمه على ارض الجنوب .....وهنا لن اطيل في شرح وتوصيف ماحل بالجنوب وشعبه من قبل هؤلاء لتطويعه كي يتأقلم مع ماهو قادم من هناك من قيم وسلوكيات ...الخ ، ولكن ما هو بحاجة الى الاشارة والتذكير هنا هو ان كل محاولاتهم لكي " يتأقلم " شعبنا الجنوبي مع ما قد جلبوه الينا قد باءت بالفشل ، فشلا تؤكده الاحداث التي جرت على امتداد الارض الجنوبية منذ عام 1994م وصولا الى انبثاق الثورة الجماهيرية الجنوبية العارمة وتأطيرها في مكونات سياسية منذ عام 2007م ترفض وجود الغازي المحتل للجنوب وادواته وسياساته وتطالب بالتحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية . هذا الانبثاق الثوري الجنوبي يعبر بحد ذاته عن تجليات الرفض الجنوبي لما ارادوه له من تأقلم وتكيّف ... واليوم يتوهم الواهمون – على مستوى اليمن وخارجها – انه بات بالأماكن حلحلة مشاكل اليمن البالغة التعقيد من خلال كتابة بنود فقرات على ورق مصقول اسموها " مخرجات الحوار الوطني اليمني " او من خلال رسم خريطة على الورق اسموها خريطة " الأقاليم اليمنية " مدّعين زورا وكذبا ان حل قضية شعب الجنوب تمر عبر هذه المخرجات و منها " الأقلمة " ...!!! ان ابسط انسان له معرفة ودراية بسيطة باليمن واحوالها وتركيباتها المعقدة يستغرب الى أي مدى ذهب الوهم والخيال بهؤلاء " الفهمانين جدا" الى ان يتصوروا انهم قد انجزوا حلا سحريا لليمن يخرجها من واقعها الحقيقي الرابضة فيه الى واقع آخر " متخيل وحالم "..!!! ومن حقه ان يستغرب !!! اما شعبا – كشعب الجنوب - عاش تجربة حياة مع بشر آخرين لمدة تزيد عن العشرين عاما وذاق مرارة هذه التجربة وعرف خلالها مالم يكن يعرفه عن انواع الكذب واصناف المكر الخداع واساليب الغش والتزوير والفهلوة السياسية ....و....و....الخ ، وخبر هؤلاء خبرة بامتياز ، فلن تنطلي عليه قصة الحل السحري لليمن المتمثل في ما يسمى "مخرجات الحوار الوطني او الاقلمة وتوابعها " حتى وان كانت هذه المخرجات باخراج اقليمي ودولي ...ومثلما افشل شعب الجنوب ماارادوه له من " تأقلم " وتكيّف مع مستجدات ما أسموه " وحدة الدم "بالأمس القريب ، سيفشل ما يريدونه له اليوم او غدا من " اقلمة " !!!! وان جاءت بضغط وتهديد دولي ...فإرادة الشعوب تتكسر عندها هراوات الدول وتتبدد تهديداتها واوهامها ...!!!