قامت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بزيارة مفاجئة لصنعاء يوم الثلاثاء 8 فبراير 2011م أي قبل يومين فقط من الجمعة التي تنحّى فيها الرئيس المصري حسني مبارك وقامت ليلتها ثورة 11 فبراير 2011م من مدينة تعز ، الثورة التي لم تكتمل بسبب تصديرها من ساحة (الحرية) إلى ساحة ( التغرير ) حيث تمت هناك عملية تغريرها ومن ثم عسكرتها أحمرياً وأخوانياً وصولاً إلى إجهاضها سعوياً وأمريكياً .. الزيارة كانت الأولى من نوعها لرئيس الدبلوماسية في واشنطن منذ زيارة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر لليمن عام 1990م ، وفي ذلك تعبير واضح عن حجم القلق الذي كان يسود المشهد العربي العام واليمني على نحو خاص ، ولعل في التاريخين والزيارتين لوزيري خارجية الدولة العظمى دلالة خاصة لمرحلتين خطيرتين ، فالعام 90م كان تاريخاً مفصلياً لاتزال آثاره تُلقي بظلالها القاتمة حتى اللحظة ، ولاشك أيضاً أن 2011 م تاريخ مفصلي يرتبط جوهرياً بماحدث عام 90 م (الوحدة) و عام 94م (الحرب) ولاتزال آثاره تتوالى تباعاً .
يومها أي يوم زيارة كلينتون لصنعاء والتي استغرقت بضع ساعات ، قالت سفارة واشنطن بصنعاء أن الوزيرة الأمريكية تحمل رسالة (صداقة طويلة المدى) ، الصداقة طويلة المدى قصُر مداها بعد ذلك حينما باتت الطائرات دون طيارين تقلع وتهبط من وإلى مواقع عسكرية يمنية ، وسيقصر مداها أكثر حينما يصدر قرار مجلس الأمن رقم 2140 الذي بموجبه تختصر واشنطن عبر حاكمية مجلس الأمن الدولي الكثير من الجهد السياسي الذي كان يستغرق لمصلحة الجهد الأمني ، وهو القرار الوصائي الذي رحبت به القوى السياسية اليمنية التقليدية أكثر من زعيمها ومعلمها الرئيس علي عبد الله صالح نفسه ، والذي يأتي في حالة فراغ الساحة السياسية اليمنية من أي شكل من أشكال (الشرعية) .
، كان الرئيس صالح قد قلع العداد الرئاسي وأمعن في المضي نحو توريث الحكم لابنه أحمد حالماً بأن تحكم الأسرة الصالحية اليمن مدى الحياة حسبما كان متداولاً كما توقف عن الحوار مع معارضيه الذين كان يأتي بهم لدار الرئاسة وقت يشاء حتى في مناسبة تنصيبه رئيساً 17/ 7 ليقطعوا معه (التورتة) ، وسيأتي يوم لاحق يهددون فيه صالح بدخول غرف نومه دون أن يفعلوا ، كلينتون كانت مدركة لأهمية تقريب المسافة وإعادة توجيه الأزمة بين صالح وخصومه السياسيين ، وكانوا حينها تكتل ( اللقاء المشترك ) كعربة يجرها حصان حميد الأحمر ( الأخواني) وراءه دون هوادة والذي سينضم إليه في وقت لاحق علي محسن الأحمر كثور هائج يريد مسابقة الحصان والعربة والعربان في آن معاً ، على أن كيلنتون كانت معنية أكثر بما هو أهم وما يتعين الحفاظ عليه وهو ملف ( القاعدة ) تحاشياً لانفراط عقده وتساقط أوراقه بين صالح ودولته الفاشلة وأجهزة مخابراته غير المنضبطة ونظامه السياسي المنفلت وأيضاً معارضته غير المعارضة مما قد يفشل الاستراتيجية الأمريكية التي مضت في هذا السياق منذ مابعد أحداث سبتمبر 2001م .
كلينتون التي التقت الرئيس علي عبد الله صالح آنذاك التقت خصومه الافتراضيين ( اللقاء المشترك) ، استمعت لذاك وأنصتت لهؤلاء فما كان منها إلا أن سألتهم السؤال الكبير : ماهو برنامجكم البديل لحكم صالح ؟ .يُجمع المتابعون لتلك الزيارة عن كثب أن قيادات ( اللقاء المشترك ) فوجئوا بسؤال كلينتون وتلعثموا ولم يمتلكوا الجواب ، وذلك لسبب واحد بسيط هو أنه ليس لديهم برنامج بديل وجاهز للحكم عوضاً عن صالح الذي يريدون محاصصته في الحكم لا منازعته فيه .
كلينتون التي ضغطت أثناء زيارتها في اتجاه تجدد الحوار بين صالح ومناوئيه تحقق لها ذلك بكل مافيه من مصلحة أمريكية فيما بعد بشكل أيسر مع مكاسب إضافية منها التخلص من صالح نفسه كرئيس لليمن ، فقد جاءت ثورة 11 فبراير 2011م لتبدد كل الشكوك وتضع النقاط على الحروف وتحدث فرزاً ذتياً وموضوعياً استفاد منه الجميع إلا الثورة ، حدث ذلك بكلفة كبيرة زعموا أنهم يريدون تخفيفها لتكون النتيجة محاصصة صالح في الحكم لا منازعته فيه ، وإن كانت الثورة التي ركبوا موجتها قد أضافت لمعارضي صالح مكاسب لم يكونوا ليحلموا بها حيث أزاحت صالح من الرئاسة وأبعدت إبنه من الجيش على أن الطامة الكبرى على اليمن وطناً وشعباً وحراكاً وثورة كانت باستبدالهما بعلي محسن الأحمر في مؤسسة الرئاسة وحميد الأحمر في مؤسسة الحكومة كرئيسين شماليين فعليين لرئيسين جنوبيين لاحول لهما ولاقوة إلا ماشاء جمال بنعمر ، وشاءت الوصاية الدولية ، وأقرته العقوبات المحتملة التي وسّعت قائمتها الافتراضية لتشمل أي يمني فرداً كان أم مكوناً لايقول: ( آمين ) بعد كل قرار تقره اللجان الشكلية التي يصدر هادي قرارات جمهورية بتعيينها لتلصق بها مسؤولية افتراضية لمهام قام بها خبراء أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون وألمان وسواهم .
جماعة الحوثي / أنصار الله أحد المكونات التي قد تشملهم عقوبات لو استمروا في حالة رفض حقيقي لا شكلي لمقررات الوصاية الدولية التي أقرت وثيقة الحوار الوطني رغم أنف الجميع وبرضا بعضهم والتفويض لهادي رغم أنف الجميع وبرضا بعضهم والفيدرالية بستة أقاليم رغم أنف الجميع وبرضا بعضهم وبدماء الشهيد أحمد شرف الدين، وجاء دور الدستور ليمرر ماسبق بذات الطريقة .
قبل مرور كل ماسبق ذكره كانت قد مرت المبادرة الخليجية برغم الرفض الشعبي ووفقا لها تم تمرير استفتاء شعبي لهادي يسميه بعض المطبلين انتخابات رئاسية ، فكيف تكون انتخابات أو حتى استفتاء وقد مرت بنظام انتخابي يقول معارضو صالح ومؤيدو هادي أنه نظام مختل لايحقق إرادة شعبية ، وقوائم ناخبين يقولون أنها مزورة وملعوب بها ؟!ّ ، ثم كيف نفسر حصول هادي على مايربو عن سبعة ملايين صوت وفي ظل مقاطعة الحراك الجنوبي والحوثيين ومعظم المستقلين ؟! .
وأما بعد مرور كل ماسبق ذكره فقد مر يوم 21 فبراير 2014م كآخر يوم لولاية هادي وكأنه يوم عادي لا انتهى فيه شيء ولا استجد شيء آخر ، ودون إعلان رسمي عن صفة هادي بعده وبأية شرعية ؟!
السؤال الكبير : ماهو برنامج الحوثي ؟
على غرار سؤال هيلاري كلينتون لمعارضي صالح جاء هذا السؤال ( الكبير) الذي وجهته القائمة بأعمال السفارة الأمريكية بصنعاء كارين ساساهارا خلال مؤتمر صحفي عقدته قبل أسبوع ونيف ، وبعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2140 .. ماهو برنامج الحوثي؟
وعلى عكس اللقاء المشترك المحكوم أخوانياً / إصلاحياً الذي لم يُجب على سؤال كلينتون سيأتي الجواب على السؤال الكبير ل كارين ساساهارا ومن ورائها حكومة بلادها وقيادتها في البيت الأبيض من صعدة على لسان زعيم أنصار الله / الحوثيين السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي ، ففي كلمته المتلفزة بمناسبة أربعينية الشهيد أحمد شرف الدين يأتي برنامج الحوثي مسروداً بطريقة جامعة ولغة مانعة . يتفوق الحوثي في خطابه السياسي بموازاة تفوقه الميداني في مقابل انحسار مناوئيه المحليين ميدانيا وتقشر جلودهم سياسيا ، إضافة إلى تدهور حالة مناوئه الإقليمي (المملكة) التي خاضت الحرب السادسة على صعدة بصورة مباشرة والتي خسرتها بمعية أدواتها المحليين / الأخوان بعد أن أخفقوا في الانتصار خلال خمس حروب صعداوية خلت ، وهاهي الرياض اليوم تتبرأ من الأخوان بوصفهم جماعة (إرهابية ) وليس وهابية ، وهانحن نستمع إلى شتائم بالجملة لقادة سعوديين (يحكمون من غرف الإنعاش) على حد وصف أخوان اليمن .
ولئن كانت السعودية تحكم من غرف إنعاش متطورة وباذخة فإن أخوان اليمن يحكمون من غرف إنعاش مهترئة لم تصلح لإعادة الحياة للرئيس صالح بعد حادث النهدين فكيف لها أن تصلح لإنقاذ الموتى السريريين الذين وجبت بحقهم (رصاصة الرحمة) وليس دعوتهم لفك الارتباط بتنظيم الأخوان الدولي – كما يذهب البعض- وهي دعوة أضع أمامها أكثر من علامة استفهام وتعجب ؟؟؟؟!!!!.
اختيار الحوثي للمناسبة بحد ذاته رسالة بالغة وقد لفت إلى مكانة الشهيد شرف الدين سياسيا وروحياً كمضاد لقوى الفساد والظلام محددا أبعاد اغتياله التي تجيب على أسئلة كثيرة ، كما أنه كان من المهم تزامن الكلمة مع متغيرات محلية وإقليمية ودولية تبدأ بانهيار امبراطورية آل الأحمر في عقر دارهم وتمر بخسائر الأخوان في معاركهم الميدانية مع مسلحي الحوثي فضلا عن خسائرهم السياسية التي لايبدو أنها ستتوقف ، مروراً بقرار مجلس الأمن الوصائي ، وصولاً إلى مايحدث في سورية من تغيرات وفي أوكرانيا من تهيؤات ، وليس انتهاءًا بقائمة الإرهاب السعودية التي شملت الأخوان والحوثيين وجماعات أخرى ضمن تصنيف ينمّ عن سُعار سعودي دال على اقتراب أفول المملكة التي قامت على الجماجم المذبوحة ولا تريد لأي جمجمة حية أن تفكر .