عبثية هذا المحتل الغاشم لم تتوقف عند حد أو سقف فشراهته بالتلذذ بأوجاعنا تزداد اتساعاً كلما أرتفع صراخنا من الألم ، لأن صراخنا يعني الرفض المُطلق لوجوده ، لذا فالصراخ في وجهه مما يفعله فينا يُعد بحسب عقليته المُستبدَّة جُرم كبير يستوجب منه مضاعفة العقاب لنا والذي تتبدَّى صوره البشعة بشكل المذابح والقتل والاعتقال والملاحقة للناشطين والتنكيد بحياة كل الجنوبيين داخل أرضهم ليستشعروا أن جميعهم مستهدفين طالما غالبيتهم تطالب وبإصرار باستعادة دولتهم الجنوبية الكاملة السيادة على أراضيها . لقد أخذ بلاء هذا المحتل يكتسح كل أرجاء الجنوب لينال كل جنوبي نصيبه من هذا البلاء المتعدد الصنوف عدا أولئك القلة المرتهنين أنفسهم للاحتلال فنصيبهم سيبقى مؤجَّل إلى حين نفاد الحاجة منهم ! .
المُهم والأهم الذي نحن بصدد توضيحه في هذه التناوله المستعجلة أن المحتل بلغ مرحلة حرجة جراء الرفض القاطع من قبل شعب الجنوب لمؤتمر الحوار من أصله ولِما تمخض عنه من هراء أقلمة الجنوب الواحد الغير قابل للقسمة الى اثنان .
ووجه الحرج لدى المُحتل أن ما جرَّبه عقب إعلانه للأقلمة من أساليب البطش والترهيب والوعيد لأبناء الجنوب لم يحقق له شيء من مآربه بقدر ما أستثار الوعي الجمعي الجنوبي الى درجة لا مثيل لها من العداء والكراهية للمحتلين ، فلقد فهم الشعب الجنوبي جيداً رسالة المحتل الموجهة له والتي موجز فحواها ( إما أن تقبلوا بالعيش تحت عبوديتنا وإلا اقتلعناكم من أرضكم ) ومثل هذه الرسالة لا توجه إلى شعب من قبل محتل مهما ملك من قوة وجبروت لأن الشعب الذي يمتلك أرض وهوية وتاريخ متوغِّل في القدم لا تزيده مثل هذه الرسائل الاستفزازية إلا تصلباً وتشامخاً واستعدادا للتضحية من اجل استرجاع أرضه التي هي أصلاً عنوان كرامته ومن دونها لا يكون لوجوده أي معنى .
أن المحتل اليمني يدرك ذلك جيداً ولكن ولعه الشديد بالمغانم التي أستحوذ عليها في الجنوب بالقوّة جعله يلجأ الى اتباع جملة من الأساليب المخادعة والمتوِّهة للوعي العام ليَنْشَد نحو مشكلات طارئة هي من صنع واخراج المحتل نفسه لعله يخلق تذبذباً في المواقف ويشُل من فاعلية الثورة الجنوبية ، والتي يراهن حتى الآن على احداث انشقاقات في صفوفها لإضعاف حيويتها وتثبيط همم الجماهير وبما يفسح المجال له لتمرير مشروعاته التي تستهدف تقسيم الجنوب واستبقائه كغنيمة تحت سيطرته .
إن القوى الاحتلالية كما يبدو لم تستفد من تجاربها الفاشلة في التعاطي مع الشعب الجنوبي الذي أثبت طيلة السنوات الماضية من ثورته بأنه على درجة من الوعي والثبات تجاه حقه المشروع في استرجاع وطنه ، وهذا يعني جليا ًوبكل بساطة بأن على المحتل أن يتخلى عن أساليبه المتخلفة التي عفى عليها الزمن ، وليعلم أن الأقلمة للجنوب تعد واحدة من ذات هذه الأساليب الغبية والمرفوضة قطعاً من شعب ليس له من سبيل أو خيار إلا استعادة وطنه ودولته وقد مهِر ذلك بقوافل من الشهداء .
إنه الخيار القدر والرجوع عنه هو المستحيل بذاته ، فالجنوب موشَّم في ذاكرة أبناءه وصور الشهداء لا تبارح مخيلاتهم ، وكل مغرياتكم أيُّها الغزاة موضعها صفر على شمال الشهيد رقم واحد .