في واحد من أهم القرارات الدراماتيكية بعيدة المدى في عهد ما بعد على عبدالله صالح، أمر رئيس اليمن الجديد عبدربه منصور هادي بإقالة عدد من كبار القادة العسكريين الموالين للنظام السابق أربعة محافظين و ثلاثة قادة عسكريين، ينتمي اثنان منهم إلى أسرة علي عبدالله صالح نفسه، طلب منهم مغادرة مناصبهم من قبل نائب الرئيس السابق، الذي يحاول قيادة اليمن بنجاح خلال الفترة الانتقالية في الوقت الذي يعمل فيه على حماية إدارته، حديثة العهد، من أعمال التخريب الداخلية
مهمتان يصعب تحقيقهما بالكامل، لكن في ظل التفويض و الدعم الذي حظي به من الشعب اليمني في فبراير الماضي، سيستخدم الرئيس هادي ذلك الدعم لصالحه
إقالات يوم الجمعة ما كانت لتلقى ذات الاهتمام الكبير، لو ان صالح قرر اخذ صفحة من كتيب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، و بقي بعيدا عن الأضواء و اخفي نفسه بعيدا في المنفى
لكن بسبب تكتيكات التفاوض المحبطة و الفعالة في الوقت ذاته، تمكن صالح ن انتزاع تنازلات هامة من خصومة – المعارضة اليمنية و دول مجلس التعاون الخليجي - قبل ان يتنحى عن الحكم، و ضمن ان تلبى طلباته و أفراد أسرته قبل ان يقدم للمجتمع الدولي أهم ما طالبوه به
احد تلك التنازلات ان يمنح صالح الحق في قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام من داخل اليمن، بالإضافة إلى الحصانة من الملاحقات القضائية على جرائم القتل التي ارتكبت ضد المتظاهرين السلميين
ان التسوية التي تمت تعادل السماح بمنح عضوية جنائية أمام لجنة الإفراج المبكر عن السجناء – عضوية قتل، لكن بالنسبة للولايات المتحدة و السعودية فان منح صالح مخرج يحفظ ماء وجهه، كان السبيل الوحيد لكي تبدأ البلاد رحلتها الطويلة و الشاقة نحو الأمام بعيدا عن الاضطرابات
و كما كان متوقع، فان جميع بنود التسوية سمحت في الأساس للرئيس السابق ان يستخدم مؤيديه في حزب المؤتمر، بالإضافة إلى أقربائه في الوزارات الأمنية، لإحباط إي قرارات لا يوافق عليها صالح
و في مارس الماضي انسحب أعضاء في حزب المؤتمر الشعبي العام من اجتماع للحكومة الانتقالية الجديدة بعد اختلاف في الرأي مع الطرف الأخر. و في ذلك الوقت تقريبا، قام صالح شخصيا بإجراء اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الجديد محمد باسندوه و هدده بإسقاط حكومته إذا لم يغير برلمانيو المعارضة طريقة تعاملهم. و كان رد فعل باسندوه ان اخبر هادي بان أوامره أما يتم تجاهلها من قبل بعض المرؤوسين او يضرب بها عرض الحائط من قبل الموالين لصالح الذين ما يزالوا متغلغلين في الوزارات
كان الوضع متوتر جدا و مرجح للانفجار إلى الحد الذي اصدر معه البيت الأبيض بيان يعبر فيه عن خيبة أمله و قلقه من بعض اللاعبين السياسيين في اليمن الذين يسعون عمدا إلى عرقلة العملية الانتقالية
ان ما تعنيه قرارات الجمعة ان هادي على مايبدو يشعر الان بشوفانية سياسية و أصبح مستعدا لاتخاذ مواقف حازمة للتخلص من بعض المأزق التي ما يزال صالح و أصدقائه و أفراد أسرته يصطنعوها داخل حكومة الوحدة الوطنية
ان قرار إقالة كل من اللواء محمد صالح الأحمر، قائد القوات الجوية الذي لا يحظى بشعبية و الذي ظل يقاوم دعوات الطيارين المنادية برحيله، و إقالة اللواء طارق صالح قائد الحرس الرئاسي، يبعث برسالة للعالم مفادها ان الرئيس هادي عازم على استغلال فترة حكمة القصيرة – شهر العسل – التي منحه جمهور الناخبين اليمنيين، في اتخاذ تلك الخطوة. و الأهم من ذلك ان سياسة العصا الغليظة التي اتخذها هادي، ستبرهن للشعب اليمني ان التغيير الذي خاطروا بحياتهم من اجله بدا يتحول إلى حقيقة تدريجيا
بالطبع فان أقرباء صالح المقالين لن يتغيرا بين عشية و ضحاها. احمد علي، نجل صالح، و ابن عمه يحيى ما يزالان في منصبيهما و لديهما صلاحيات كبيرة. و لن يكون بقائهما في السلطة أمر سئ على المدى القريب، و هذا ما يدركه هادي جيدا، لان إقالة جميع أقرباء صالح في نفس الوقت سيؤدي إلى المزيد من سفك الدماء من قبل القبائل و وحدات الجيش التي ما زال يحتفظ بها معسكر الرئيس السابق و بقوة – إقالة اللواء محمد صالح الأحمر أحدثت هذا النوع من رد الفعل، و يعتبر ذلك بسيطا. ان عامل الوقت مع الصبر أمر مهم، و من الحكمة ان يستمر هادي بنفس أسلوبه التدريجي في عملية هيكلة الجيش هادي و باسندوه و حكومة الوحدة الوطنية الجديدة يواجهون عدد من الأشخاص في اليمن. الذين كرسوا أنفسهم لإسقاطهم، بعض أولئك الأشخاص أعضاء في نفس الحكومة. و مع ذلك فان على القيادة اليمنية اليوم ان تدرك ان لديها حلفاء و أصدقاء في المجتمع الدولي يشجعون على نجاحهم. ان الدعم الذي يقدمه ملايين اليمنيين الذين يهتفون للتغييرات الوظيفية التي يجري الرئيس، أمر لا يضر القيادة الجديدة بقلم دانيال دي بتريس- ترجمة مهدي الحسني