يأتي احتفالنا بالعيد االوطني 22مايو هذا العام في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة إلى الحد الذي أصبحت فيه أهداف الثورتين اليمنيتين (سبتمبر وأكتوبر) اللتين وضعتا هدف تحقيق الوحدة اليمنية كهدف رئيسي في خطر، والمشاريع التي قضت عليها الثورتان بدأت تطل برأسها مرة أخرى. ومع قرب الذكرى الثامنة والأربعين لثورة 26 سبتمبر التي فيها تم القضاء على الحكم الإمامي الكهنوتي وإقامة النظام الجمهوري تلوح في الأفق بوادر الحرب السابعة بعد ست سنوات من التمرد المسلح في شمال الشمال الذي يهدد النظام الجمهوري ويحاول إعادة إحياء المشروع الذي قضت عليه ثورة (26سبتمبر) قبل 48 عاماً، وفي الوقت الذي نحتفل فيه بالذكرى (47) لثورة 14أكتوبر التي قامت في سبيل إعادة الهوية اليمنية لجنوب الوطن المحتل ودفن مشروع (الجنوب العربي) نجد اليوم حراكاً متنامياً في جنوب الوطن ينادي صراحة وجهاراً نهاراً بالعودة بالوطن إلى ما قبل توحيد الشطرين ولا يقف عند هذا الحد بل إنه ينفي الهوية اليمنية عن أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية ويطالب بإعادة إحياء مشروع (الجنوب العربي) المندثر الذي قامت ثورة (أكتوبر) للقضاء عليه والذي لم يرتفع علمه قط بعد الثلاثين من نوفمبر يوم إعادة الهوية اليمنية للجنوب بعد محوها منه لأكثر من مئة وتسعة وثلاثين عاماً . ترى بعد نحو نصف قرن لماذا خرجت جموع في الشمال والجنوب حاملة مشاريع جاءت الثورات اليمنية للقضاء عليها؟ وكيف يمكن أن نحتفل بذكرى أعراسنا الثورية في الوقت الذي نجد فيه من يسعى بقوة لإفراغها من مضمونها وإلغائها وإبقائها مجرد ذكرى مع محو كافة الأهداف التي قامت الثورتان لتحقيقها؟ ليس غريباً أن نجد أن من وقف ضد هذه الثورات هم من المتضررين منها أو من الذين لم يكونوا يوماً مقتنعين بها ، لكن الغرابة أن نجد أبطالها ومفجريها يتخلون عنها ويطالبون بإحياء المشاريع التي قامت الثورتان للقضاء عليها. فعندما تصف قيادة الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان له السبق في إعادة الهوية اليمنية للجنوب وإلغاء السلطنات ممثلاً بالجبهة القومية, المظاهرات التي تخرج في عدد من المحافظات الجنوبية رافعة أعلام التشطير وأعلام الجنوب العربي و(براميل الشريجة) بأنها مظاهرات للدفاع عن ثورة (14أكتوبر) وضد الذين يحاولون إفراغها من مضمونها، فإن الحزب الاشتراكي – في هذه الحال – يضع نفسه في موضع مثير للشفقة والعطف إذا ما عدنا إلى سجله الحافل بالتناقضات والتحالفات المشبوهة منذ انتهاء حرب صيف 1994م سيئة الصيت. يجب ألا ينسى الحزب الاشتراكي اليمني أنه كان صاحب السبق ممثلاً بالجبهة القومية في دمج كافة سلطنات ومشيخات وإمارات ما كان يعرف بالجنوب العربي، وكان له الفضل في دفن مشروع الجنوب العربي وإعادة اسم اليمن إلى الجنوب المحتل بعد تحريره وصولاً إلى دوره المشهود والرئيسي في إعادة تحقيق الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م. وبالتالي فإن تنكره للثورة التي كان له نصيب الأسد في تحقيقها وتشجيعه لمن يحاولون إحياء المشاريع التي قضت عليها الثورة ، أمر يضاف إلى سجل تناقضاته وتحالفاته المشبوهة، وهو الذي فاجأ الجميع بالإعلان عن تحالفه مع التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) الذي قصم ظهره بفتاوى التكفير وإباحة الدماء والأموال وفتاوى التمترس الشهيرة التي أصدرها الشيخ الدكتور/ عبدالوهاب الديلمي أثناء حرب صيف 1994م- سيئة الصيت. اللافت للنظر أن الأخ علي سالم البيض الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني وأول وزير دفاع في أول حكومة قامت بعد الاستقلال على أنقاض مشروع الجنوب العربي، عمد إلى تجاهل ذكرى ثورة (14أكتوبر) في العام الماضي وهو الذي سبق له أن وجه خطابين ناريين إلى جماهير الحراك في ذكرى (21مايو) وهو اليوم الذي تم فيه إعلان الانفصال وذكرى (7 يوليو) يوم وضعت حرب صيف 1994م المشؤومة أوزارها. لاشك في أن مناضلاً كبيراً بحجم علي سالم البيض لا يتوقع منه أحد أن يتنازل عن تاريخ ثورة كان هو من أبرز مناضليها وهو الرجل الوطني الذي تخلى عن منصبه كأعلى مسئول في الجنوب في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية قبل أن يجور عليه الزمان كما جار على غيره وتلقي به التحالفات السياسية منفياً إلى الخارج تلاحقه تهمة الانفصال وهو الذي كان يوصف بالمناضل الوحدوي . ليس بإمكان الحزب الاشتراكي اليوم أن يستمر كثيراً في محاولة الإمساك بالعصا من الوسط وليس بإمكانه المراوغة كثيراً أو الغموض في مواقفه, وعليه تحديد موقفه من الثورة والجمهورية التي كان عاملاً رئيسياً في تحقيقها ومن مشروع الجنوب العربي الذي كان الاشتراكي العامل الرئيسي في انهياره ودفنه. إن الحزب الاشتراكي اليمني يدرك تمام الإدراك أن كثيراً مما يجري في الجنوب يخالف أدبياته ووثائقه وتاريخه، تماماً مثل ما يدرك أن كثيراً من المنضمين للحراك الجنوبي حديثاً لا يفكرون بمجرد إعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بل يتعدون ذلك إلى محاولة إعادة إحياء مشروع الجنوب العربي المندثر واستعادة السلطنات والمشيخات, وليس انضمام الشيخ طارق الفضلي عن ذلك ببعيد - وإن كان الفضلي قد أحرقته التناقضات شعبياً بعد هدنته الأخيرة مع السلطات الحكومية - ومع ذلك لا يستطيع الحزب الاشتراكي تفسير تناقضاته أو تواصل كبار قياداته مع الشيخ الفضلي الذي ينحى منحاً حاربه الحزب الاشتراكي طوال تاريخه . إننا نأمل ألا تعود الحرب مجدداً في شمال الشمال رغم علمنا بوجود تجار حرب مستفيدين من عودة واستمرار حرب صعدة كونها تعود عليها بالمصالح والامتيازات والميزانيات، إلا أننا نقر أن ما جرى في شمال الشمال وما يجري اليوم في الجنوب لا يمكن إعفاء السلطة من مسؤوليتها في إفرازه كواقع مؤسف ونقصد به الحراك في الجنوب والتمرد المسلح في شمال الشمال فجميعها جاءت كنتيجة متوقعة للسياسات الحكومية الخاطئة والتقصير في المعالجات والإهمال والتهميش حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه الآن. فالتقصير في معالجة الأخطاء والمظالم التي قامت بها القوى النافذة بعد حرب صيف 1994م وما رافقها من نهب للأراضي والثروات والسطو على الممتلكات العامة والخاصة وتسريح الآلاف من وظائفهم في القطاعين المدني والعسكري، وتجاهل كل الدعوات التي كانت تدعو إلى معالجة السلبيات، كل ذلك أدى إلى هذا التذمر الملموس اليوم في المحافظات الجنوبية والذي أوصل الأمر حد المطالبة بالانفصال وفك الارتباط بين شطري دولة الوحدة . كما أن التهميش التنموي الذي جرى في صعدة وتجاهل التمرد منذ خطواته الأولى حتى أصبح شيئاً ملموساً ومفروضاً بقوة الواقع، والتصرفات الخاطئة تجاه هذه القضية، وإحداها محاولة اختطاف المرجع الزيدي بدر الدين الحوثي بعد أن كانت الحرب الأولى قد انتهت، هي التي جعلت هذه الحرب تستمر وتستنزف كثيراً من قدرات الدولة، وهي التي جعلت النائب البرلماني عن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم يحيى الحوثي يتحول إلى واحد من ألد أعداء النظام بعد أن كان عضواً في لجنة الوساطة لإنهاء الحرب الأولى. وماتزال السلطات إلى اليوم - وللأسف الشديد - تمارس الأخطاء نفسها التي أنتجت الأزمات السابقة، فهي ماتزال تحتفل بيوم 7 يوليو الأسود الذي تم فيه تعزيز الانفصال في الوعي الشعبي بعد أن تم القضاء على الانفصال السياسي بالحسم العسكري، كما ماتزال السلطات إلى اليوم تلعب على الوتر المذهبي ظناً منها أنه سيكون عوناً لها في حربها ضد المتمردين بصعدة التي انتهت قريباً ، وماتزال قناة (الإيمان) الفضائية الحكومية تبث العديد من الحلقات التي تتناول المذهب الشيعي والزيدي بالتجريح والإساءة من قبل كبار المتشددين في المذهب السلفي، الأمر الذي يؤكد بأن السلطة لم تستفد من تجاربها السابقة وماتزال تعمل على إنتاج الأخطاء نفسها التي أنتجت الأزمات السابقة من قبل والتي مازلنا نعاني من أثرها إلى اليوم . span style=\"color: #333399\" *صحيفة الأمناء