لو سألني أحدكم ماهي أصعب اللحظات في حياتي لعرف من إجابتي بأنها تلك اللحظات التي تدفعني كإنسان لرثاء إنسان عزيز فقدناه في غفلة من هذا الزمن، فما بالكم لو كان الرثاء في إنسان يعجز قاموس الكلمات من الوفاء بحقه...إنسان عرفته عن قرب فكان خير مثال للتضحية والوفاء والإخلاص. إنه الحاج صالح باقيس أحد أبرز وأشجع قادة القطاع الفدائي في الجبهة القومية والذي غادر دنيانا الكئيبة قبل أيام مخلفاًورائه تاريخاً نضالياً تليداً. البداية كانت من خلال تعرفي عليه في بداية عام 1966 م وذلك عندما تم تكليفي للالتقاء به باعتباره قائداً للقطاع الفدائي – أنذاك- وبصدد تلقي تعليمات القيادة منه حول العمليات الفدائية المفترض بي تنفيذها. وبالفعل جاءني الرفيق المناضل إسماعيل زريقي وابلغني بأن مقابلة المناضل الراحل باقيس ستكون في مطعم باندنج بالتواهي وفي الموعد المحدد توجهت إلى المكان وفي تمام الساعة السادسة والنصف وبحسب الموعد جاء المناضل (باقيس) وجلس بجانبي وفتح حواراً معي لم يستغرق سوى بضع دقائق تقريباً أبلغني خلالها بالمهمة التي تم تكليفي بانجازها في منطقة التواهي التي كنت مسئولاً عن القطاع الفدائي فيها آنذاك. ومن هنا تكررت اللقاءات والمواعيد بيني وبين الفقيد الراحل صالح باقيس والذي عرفته باسمه التنظيمي (الحاج باقيس) وكنت خلال تلك اللقاءات أتلقى منه تفاصيل ومعدات عمل بعض العمليات سواء التي نفذتها مع رفاق أخرين أو معه شخصياً وكانت فرصة لتعرفي عليه وبشكل أكبر. في واقع الأمر ومع إني اشعر بان رحيل الفقيد شكل خسارة كبيرة ليس على أهله فحسب وإنما على الوطن باعتباره كان مناضلاً وقائداً عسكرياً وسياسياً وفدائياً مثقفاً كان لي شرف مشاركته في بعض العمليات الفدائية ضد الاحتلال ... إلا إن مايزيد من شعوري بالألم والغصة هو تذكري بأن أمثال هذا المناضل لم يكن يهمهم سوى الشعب والوطن وهو الأمر الذي جعلهم يكرسون وقتهم وحياتهم في سبيل التحرر من الاحتلال ونيل الاستقلال لبناء وطن قادر على أن يلم جميع ابنائه ليعيشوا بسلام وأمن ورفاء دون أي منغصات تحت سقفه.
الحقيقة الاكثر مرارة في حياتنا ايضاً هي تلك اللحظات التي نفقد فيها مثل اولئك الرجال الشجعان والمناضلين البواسل بدون أن يجدوا أي رعاية أو اهتمام يذكر من الدولة المفترض بهاأن تكون أول المبادرين للإهتمام بابنائها من المناضلين الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وقدموا قرابين حتى نال الوطن استقلاله وحريته. وفي الأخير وفي خاتمة سطور الرثاء هذه بالدعاء للمولى عز وجل بأن يتغمد روح فقيدنا الراحل (الحاج باقيس) بواسع مغفرته وان يسكنه فسيح جناته ويلهم جميع أهله وذويه الصبر والسلوان...مؤكداً لهم بأن الفقيد حتى لو كان قد رحل عنا جسداً فأن ارائه وأفكاره ومبادئه مازالت وستظل باقية في نفوسنا ابداً...بل ويجب أن تظل نبراساً يهتدي بها أبناءه والأجيال القادمة من بعده. (وأن لله وأن اليه راجعون) span style=\"color: #800000\"*الصورة للحاج باقيس