span style=\"font-size: medium;\"درجتُ على الاهتمام بقراءة التقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية في اليمن بالرغم من عدم ثقتي بالقدرة الكافية على قراءة مثل هكذا معيار فضلا عن تسييسه بصورة لا تخطئها عين ، ولكن قراءة مثل هذه التقارير تنطوي على أهمية بالغة كمؤشرات لشكل وطبيعة مراقبة الخارج والدولة العظمى تحديداً لخصوصياتنا الأيدلوجية التي باتت تمثل رأس حربة مع ظاهرة الإسلام فوبيا وما يسمى الحرب على الإرهاب ، أو بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر على حد تضليل بعض المضللين ، وإن كنت مقتنعاً بأنهم يعتبرون أيدلوجيتنا رأس حربة منذ بدأت فكرة صراع الحضارات ونزال الثقافات إلا أنها اليوم تخترق عالم السياسة إن لم تكن تحركه بالكامل إلى جانب رافعة الاقتصاد . التقرير السنوي الأمريكي والذي يحاولون صبغه بالعالمية حول الحريات الدينية وخاصة في اليمن لسنة 2011م والذي صدر الأسبوع الفائت عن الإدارة الأمريكية انتقد الحكومة اليمنية على عدم احترامها لحرية ممارسة المعتقدات بالنسبة للطوائف الدينية من خارج الدين الإسلامي ، و أشار التقرير بوضوح إلى مسألة اعتبار الإسلام مصدر التشريع وبالتالي فهو ينتقد هنا القانون والممارسة في آن معاً ، وما يتبادر إلى الذهن عند قراءة مثل هكذا انتقاد يعتقد أنه يتحدث عن سورية ولبنان أو العراق أو أي بلد عربي أو إسلامي متعدد الديانات فهو يترك المتن ويتحدث عن الهامش ، فمن المعروف أن اليمن لا تتضمن في تركيبتها السكانية سوى أقلية يهودية تراجعت أعدادها لتصبح بضع مئات ويقال 300 مواطن فقط ( أيضاً بحسب التقرير ذاته) ، ولكن التقرير يمضي موضحاً أنه يقصد اليهود ويقصد المسيحيين الأجانب والحال أن الأخيرين بحسب التقرير يقدرون ب 3000 مقيم أجنبي مؤقت مسيحي إضافة إلى40 هندوسياً في عدن وأنهم يعانون ممارسة شعائرهم الدينية على الرغم من وجود أربع كنائس في عدن ومعبد هندي ، وهؤلاء بالذات وفي كثير من البلدان الإسلامية تحكمهم قوانين خاصة بهم وهي وثيقة الصلة بالعُرف الدبلوماسي على اعتبار أن معظمهم دبلوماسيون وموظفو سفارات ومنظمات أجنبية وليس من المعقول أن يؤثر وجودهم على مادة الإسلام مصدر التشريع فهذه قضية وطنية صرفة . التقرير أشار على استحياء إلى علاقة السعودية بمحاربة الزيدية في صعدة وقال التقرير بأن "أتباع المذهب الزيدي في محافظة صعدة ظلوا يشعرون بأنهم هدف لكيانات حكومية أخرى نتيجة انتمائهم الطائفي" فضلا عن تجاهل هذا التقرير الدائم لمحاربة السعودية طويلة الأمد للشافعية ، كما أنه يبدو أن فرزاً صحيحاً للمكونات المتطرفة الوهابية والسلفية لم يتخلّق بعد حتى الآن ، ولذلك يحصل الخلط محلياً وخارجياً . أما بالنسبة لليهود الذي قال التقرير بأنه انشغل بهم كثيراً وأن ما تعرضوا له أدى إلى إعادة توطين عدد كبير منهم في أمريكا فليس بوسعي إلا أن أتحدث عنهم امتدادًا لمواقف سابقة تبنيتها بشأنهم معبراً عن رفض التمييز ضدهم وضد غيرهم لاسيما وأنهم أكثر من تمثلوا أسلوب المواطنة الصالحة سواءا لجهة انتمائهم الوطني الذي يؤكدونه قولاً وعملاً أكثر من بعض مشائخ الوهابية المرتبطين بالخارج وبالسعودية ومرتهنين لها ، أم لجهة التزامهم بالطابع المدني وتجنب السلاح بالرغم من أنهم من محترفي صناعة الجنابي والخناجر أو السلاح الأبيض ولا يمتشقونه وتعرضوا للقتل به وبغيره من الأسلحة ولا تزال حادثة قتل الأستاذ ماشا يعيش ماثلة وحاضرة ، فيما يتبنى مشائخ المذاهب الدخيلة على البلاد سلاح التكفير ضد الخصوم وحتى ضد من لا يخاصمهم ، ولا يتورعوا عن استخدام أية وسيلة عند إعلان الجهاد الابتدائي . أحسب أننا خسرنا بتهجير اليهود ولم نكسب فلطالما كان تنوع النسيج الاجتماعي عامل منعة وقوة ولم يكن لدينا سوى هذه الطائفة غير المسلمة الوحيدة الضاربة أصولها في القدم والتي بالرغم من معاناتها حافظت على قيم اجتماعية يمنية أصيلة ، وحتى الذين هاجروا إلى إسرائيل لاتزال تقارير صحفية تتحدث عنهم كما لو كانوا يقيمون في عمران . في المقابل وفي الضفة الأخرى الواسعة هناك (خُسران مبين) .. أقصد في الطيف الإسلامي الذي كان محكوماً بأغلبية متميزة منقسمة بين شوافع وزيود .. الخسارة تكمن في أنهما تعرضتا للاضطهاد بل للإزاحة التدريجية منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي ليأتي الوافد الجديد الغريب الممتشق لسلاح التكفير والطارد لأدوات التفكير على العكس تماماً من الشوافع والزيود ليزعزع حالة الوئام الديني التي امتازت بها اليمن منذ مئات السنين . السؤال الذي يطرح نفسه .. هل لا يزال المجتمع اليمني في عمومه أو أغلبيته شافعي – زيدي أم أنّ كليهما قد فقدا جوهرهما وأصبحا مسخاً ؟! .. إن كثيراً من الشواهد اليوم تقول بأننا فقدنا تركيبتنا الشافعية الزيدية وأصبحت شيئاً من الماضي بعد الحرب الممنهجة والمدروسة ضد تلك التوليفة الأنموذجية إسلامياً ، وفي التقرير يحاول الأمريكان الهروب من هذه الحقيقة بالإشارة إلى أن الزيود يبلغون ما نسبته 45% من السكان فيما تعود نسبة ال 55 % للمذهب السني ولم يُقل الشافعي ، وهذه هي الحقيقة المُرّة إذ لم يكن لدينا في اليمن سوى مذهباً سنياً أشعرياً واحداً هو الشافعية ، ثم حصل ما حصل ليس بسبب التلاقح الثقافي أو الحرية الدينية والمذهبية وحق الناس في اختيار وتبديل مذاهبهم ( فهذا حق مشروع أؤيده تأييداً مطلقاً) ولكن بسبب البترودلار ، ومحاولة السعودية الوهابية جعل اليمن تابعة لها في كل شيء بما في ذلك الدين والمذهب اعتقاداً منهم بأن اليمنيين عبيدٌ لهم ، ولا بد أن يكونوا على دين ملوكهم . اليوم وفي خضم الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن التي تريد التخلص من هذا الارتهان وهذه العبودية ويريد العبيد الحقيقيون (كلنا نعرفهم) حرفها عن مسارها حتى لا يتم الانعتاق .يدور جدل حول شكل الدولة المستقبلية بعد استعادة القرار الوطني المختطف سعودياً وأحمرياً ولا يخرج هذا الجدل عن النطاق الذي تحدثتُ عنه في السطور السابقة .. شخصياً .. أقف في صف بناء دولة تحترم الحريات وفي مقدمها الحرية الدينية ولتكن علمانية ولكن مقتضى الحال أن شكل نظام الحكم والدستور والقوانين النافذة ينبغي أن تكون معبرة تماماً عن عقد اجتماعي يتوافق عليه اليمنيون ولا تفرضه فئة محلية ولا قوة خارجية ، ودون ذلك فإن الاضطهاد سيبقى قائماً لأننا بسلاح العلمانية -إن اعتمدناه- والذي يمثل أقلية في المجتمع سنضرب المجتمع ونضطهده ونلزمه بما لا يؤمن ويرغب ، وهذا هو جوهر الخلاف الذي دار في الآونة الأخيرة عندما تحدث الشيخ الزنداني عن رفض الدولة المدنية ، والذي لم يؤمن بها – على التحقيق- الأمر الذي يرفضه ويخشى من تبعاته قطاع ليبرالي وكذلك من الإسلاميين اليساريين لاسيما المنخرطين في الثورة والذين يتوقون لتغيير يشمل هذه الجزئية ، وأحسب أن النظرية الإسلامية مرنة إلى حد بعيد بحيث تستوعب نظاماً مدنياً أقرب ما يكون إلى الدولة الليبرالية الحديثة ، ويمكن بتحفيز مبدأ الاجتهاد بلوغ نظرية إسلامية للحكم خاصة في اليمن لو تم إعمال العقل . في اعتقادي أن هذا الجدل سيستمر بل وسيزداد حدة بعد انتصار الثورة الشبابية السلمية التي تدعو إلى دولة مدنية ( رفضاً لعسكرة الحياة ورغبة في الديمقراطية) ولم يقولوا دولة علمانية ، وكلنا نعلم أن المدنية متضمنة في تركيا العلمانية المحكومة من خلال حزب إسلامي منتخب ، ومتضمنة أيضاً في دول غير علمانية ، كما أن العسكرة متضمنة في كلا النموذجين ، فالفروق لم تتضح والهدف لم يتبلور بعد لدينا أو يُراد له أن يبقى كذلك ، ولسوف يستمر هذا الجدل على أنه قد يتحول إلى صراع حقيقي إذا ما لاحظنا ما يتمتع به المتشددون الإسلامويون والذين ليس لهم علاقة بالزيدية والشافعية ولا الإسماعيلية في اليمن من مساحة شعبية أفقية لا يمكن نكرانها ، وهذه المساحة بفعل سياسي وبواجهة دينية ، وعليه فإن تعثر الثورة حالياً أو الانشغال ببلوغ استحقاقاتها الأساسية المعطلة لأسباب لا يعلمها إلا الراسخون في الارتهان للسفارات لا يُلغي استمرار الجدل في هذا الشأن لأن الخلاص من خلال عمليات عصف ذهني ومراجعات مبكرة عليه أن يبقى في اطّراد وسيضاف إلى الهدف الثوري الذي تحقق –برأيي- بامتياز والمتمثل في الفرز الذاتي والموضوعي على عديد جبهات ومواقف وحتى على مستوى الأفراد فأطال الثورة من جهة – أي نعم- لكنه سيُقصر من عمر المرحلة الانتقالية بكل تأكيد . علينا إذاً أن نفكر فعلاً في شكل الدولة المطلوبة القادمة وماهيتها بحيث تستوعبنا بحق ، فنحن بالتأكيد بحاجة ملحة لدولة تمثلنا لا أن نستنسخ تجارب الآخرين ، وهذا ما ينطبق مع مفهوم الثورة لا أن يقول لنا أحدهم نريد دولة علمانية أو دولة إسلامية أو دولة مدنية دون أن يحدد لنا مفهومها أو أن يقال لنا على طريقة تركيا أو على طريقة إيران وغيرها ، فالحاجة أكثر إلحاحاً لتكوين رؤية خاصة بنا لصورة الدولة الجامعة لنسيجنا الاجتماعي الحقيقي لا التلفيقي ، كما أن الثائر في الميدان الذي يخرج بصدره العاري يُكمله الثائر المثقف الخلّاق وهو يصوغ الخطوط العريضة للمستقبل على مبدأ (تعدد أدوار ووحدة هدف) ، وكلنا نتابع إرهاصات الثورة في تونس ومصر اللتين حققتا هدف إسقاط النظام في وقت قياسي . إذاً .. لتكن - دولتنا الآتية بلا ريب - شيئاً جديداً مبتكراً ليس له من إسم في القاموس السياسي المعاصر .. ولتكن دولة (علمادين) .. عوضاً عن الدولة الماضوية لجماعة ( بن لا دين ) .. المهم أن تكون دولة عصرية لكل اليمنيين . span style=\"color: rgb(153, 51, 0);\"عن اليقين .. توقفت صحيفة اليقين لعدة أسابيع ، بالرغم من أهمية المرحلة إلا أن العذر يُلتمس لصاحبها غير المرتبط – وفق ظنوني- بمكنة السلطة والمعارضة ويحاول رئيس تحريرها أن ينأى بنفسه عنهما بوصفهما وجهان لعملة واحدة .. عندما سألتُ المصلح عبد الله عن توقف اليقين أجاب بأنها تتعرض لهجوم السلطة وشكوك المعارضة وظنون الأصدقاء ، وهاهي اليوم تستأنف الصدور فأما السلطة فنعرفها ولا ننتظر منها تغييراً في الموقف والأداء ، وأما أنا كصديق فألتزم الموعد مع عمود (ظنون) دون إبطاء أو تأخير أو تردد ، فهاكم ظنوني ، وأما المعارضة فعليها الآن وليس غداً أن تقطع الشك باليقين . [email protected]