الصحة: إصابة 21 مواطنًا جراء استهداف العدوان مصنع اسمنت باجل    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    ثلاثة مكاسب حققها الانتقالي للجنوب    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    القسام توقع قوة صهيونية بين قتيل وجريح بكمين مركب في خانيونس    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يستحضر الماضي : يرتبك الحاضر.. والمستقبل يبتعد !
نشر في حياة عدن يوم 25 - 12 - 2012

الماضي.. كل ماضي في حياة الأفراد والجماعات والأقوام والشعوب، هو ذلك الجزء الأصيل الذي لا يمكن شطبه أو إسقاطه من سجل الحاضر المعاش، أو المستقبل القريب المنتظر، فهو حلقة مفصلية هامة في سلسلة مترابطة ومتتالية، بل ومتداخلة في كثير من الجوانب والأبعاد الحياتيه، متصلة ببعضها وأن بدت أحياناً غير كذلك، وفي عملية متفاعلة دوماً، إيجابية أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى ومؤثرة على بعضها البعض وفي كل الأحيان، وفي إطار شامل وأوسع يجمعها، هو ساحة التاريخ الحي الذي صنع ماضيا أو يصنع حاضراً، أو ذلك الذي يراد صناعته لاحقاً، وعبر طريق معقد وطويل، وتتحكم به ظروف المكان والزمان – الذاتية والموضوعية – وأدواتهما المتاحه، وبدرجة الإستيعاب والقدرات الكامنة على الإستفادة من هذه الأدوات وإستخدامها الإستخدام الجيد والأمثل والمؤثر لصالح عملية النهوض والصعود ومنعاً للإنحدار أو المراوحة أو حتى الزوال والسقوط ، ولنا في تاريخ الحضارات المندثره وإنهيار الإمبراطوريات شاهداً على ذلك، وبما يجعل ثمن الحياة والتطور أقل تكلفة وأسهل سيراً وأكثر مناعة وبهجة، وجعل الطريق ممهداً وآمناً للاجيال القادمه، وبما يمنع عنها مخاطر الانزلاق في متاهات ومصائب من سبقوها، أو أن تجد نفسها وهي حاملة على أكتافها إرثاً مريراً ليس من صناعتها ولا يد لها فيه ومحاصرة بتبعاته الرهيبة، وبأثقال فوق طاقتها، تحول دون نهوضها المطلوب وتعيق من سرعة حركتها نحو المستقبل – الذي تهيء نفسها له وتعمل من أجله وسيكون ملكها وحدها دون من سبقوها –

غير أن تجربة الشعوب وفي كل مكان وزمان، وعبر مراحل التاريخ المختلفه وبشهادته وبتأكيد من حقائقه غير القابلة للتشكيك، والمعمدة من التجربة الإنسانيه المُعاشة اليوم والتي تصل إلى درجة اليقين، تثبت لنا بأن الحياة قد فرضت عبر إيقاعها الخاص كل ألوانها – السارة وغير السارة – على الإنسان، ولم تمنحه ما يريد منها فقط، بل أذاقته مُكرهاً كل أشكال القهر والحرمان وجعلت من الحروب والدمار أحد عناوينها البارزة في مسار حياته، ولم يستثنى شعب من الشعوب من كل ذلك، ولم نسمع بأن شعباً من شعوب الأرض قد عاش سعيداً ولم ينل ما نالته كل البشريه، فشعب كهذا لا يوجد على أرضنا وربما قد يكون عائشاً في كوكبً أخر!!!.

غير أن الشعوب تتعلم من مآسيها وأحزانها وفواجعها الكبرى، ومن حطام الدمار وحرائقه المشتعلة، ومن رائحة الدخان المنبعث من الأجساد المحترقه ومن لون الدماء المُنسكبة بغزارة عبر مراحل حياتها الخاصه بها، أو تلك التي عاشتها وعايشتها أو كانت شاهدة عليها، ولم تتعلم ذلك من على مقاعد الدراسة في الجامعات والأكاديميات أو من أمهات الكتب، فتعليم كهذا أصبح ( قزماً ) أمام تعليم الحزن وتجربة الفاجعه ولغة الدمار، ويصبح تعليماً غير ذي جدوى بمقاييس التجربة الحية للإنسانية...

كما أنها تتعلم كذلك من نتائج أزماتها المتعددة، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والدينية وغيرها والتي كانت سبباً مباشراً أو غير مباشر في صراعاتها وصداماتها وتشاحناتها وإنقساماتها الداخلية، وتجعل منها جميعاً مدرسة للحكمة وفلسفة لتنويرالعقول وتطهير النفوس، ومنطلقاً نحو الآفاق الرحبة والمستقبل المزدهر لكل أبنائها، وتنتصر في كل ذلك لقيم الحرية والعدالة والمساواه والكرامة الإنسانية، وتنتشر معها وعبرها مثل التسامح والأحترام لحقوق الأخر وخصوصياته الثقافية والفكرية والإجتماعية ولكل خياراته السياسية ومعتقداته الدينية، في ظل سيادة مطلقة للقانون الذي يحمي ويصون حقوق المواطنة، بأعتبارها جوهر وأساس البناء الذي يقوم عليه المجتمع وتجسده بحزم عدالة الدولة بكل أركانها، والشاملة لكل مفاصل الحياة العامة للمواطن ووفقاً لدستورها الذي صاغته الإرادة الشعبية الحره، ويمثل العقد الإجتماعي بينها وبين مواطنيها المتساوون في الحقوق والواجبات والفرص المتكافئه، وهو ما يوحدهم ويجعلهم ينهضون دون خوف من شبح الماضي ويفكرون بصفة إبداعيه مشتركه في مستقبلهم، ولا يجبرهم شيئاً على التفكير بماضيهم المثير للأحقاد والإنتقام، وهم بذلك يدفنون كل شكل من أشكال العصبية التي لا تستقيم الحياة الطبيعية المزدهرة بوجودها وتحت أي عنوان كان، ويؤَمِنون المستقبل الذي يريدونه لأنفسهم وللأجيال من بعدهم وبمحض إرادتهم الحره, وهم بذلك أيضاً يغلقون الأبواب في وجه من يريدون الإرتزاق على حساب الماضي, أو أن يعيشون على – وظيفة نبش القبور – لأن ذلك يتعارض مع العمل من أجل المستقبل, الذي يعني ببساطة الحياة والبناء معاً، ولا يأخذون من الماضي غير عبره ودروسه المستفاده، والتي تمنحهم قواعد جديدة للإنطلاق نحو المستقبل المزدهر والآمن، وقد وصلوا إلى كل ذلك عبر كفاحهم الشاق والمثابر وليس بالشعارات والأمنيات والبيانات المكرورة والكلام المرسل، ولا بخلط الأوراق أو اللهث خلف الأضواء إشباعاً للذات المنتفخة بالوهم، سعياً وراء التكسب بشقيه السياسي والمادي وعلى حساب القضايا الكبرى ونبلها ومشروعيتها التاريخية، كما يفعل بعضنا اليوم وبكل أسف وحسرة على مثل هكذا سلوك...



* * * * *



وهذا ما يجعلنا نسأل أنفسنا هنا وفي ظل الظروف التي نعيشها اليوم، وعلى ضوء من تجربتنا وخبرتنا الخاصة التي عشناها واقعاً في الجنوب خلال المرحلة، أو المراحل السابقة التي مر بها شعبنا، وهو إلى أي مدى كنا قد وقفنا وبمسئولية وبصورة جدية أمام ماضينا وعبر محطاته المختلفة ؟! وهل أستخلصنا منها الدروس والعبر المحفزة على التحرر من جوانبه السلبية والأستفادة منها وتوظيفها في صالح النهوض والتقدم والتطور اللاحق ونحن متحدون وبأيادي متشابكة وبأقدام ثابتة غير مرتعشة في طريق السير نحو المستقبل المشترك وعلى نحو يُكسبنا المناعة اللازمة ويُحصننا من شر الوقوع في براثن الإنتكاسة المميتة التي قد ترتد بنا وبقوة غير متوقعة إلى الخلف، وإلى مربعات التشرذم والإنقسامات والعصبيات القبلية والمناطقية والحزبية المدمرة وغيرها؟!

وقبل هذا وذاك، هل الجميع متفقون على تشخيص هذا الماضي وتحديد علله وأمراضه المتعددة وعبر رصد دقيق وموضوعي لأعراضها ومظاهرها السابقة وما أفضت إليه من نتائج سلبية لاحقه وعلى أكثر من صعيد في حياة المجتمع؟!

ومن أين يبدأ مثل هذا التشخيص أو التقييم وعند أي نقطة ينتهي؟!

وهل يتم التعامل مع ماضينا هذا المراد تقييمه وتصويب مساره وتصحيح اخطائه بصفته مرحلة ممتده - تبدأ بكذا وتنتهي عند كذا - أو أن يتم تجزئته إلى محطات ووفقاً لظروف وأسباب وخصائص كل محطة من هذه المحطات؟!

وبأعتقادي أن النجاح في الإجابه على هذه التساؤلات وغيرها يتطلب وقبل كل شيء أن يستوعب الجميع إستيعابا عميقاً ومسئولاً المضمون الجامع والمشترك فيما يراد الوصول إليه: تاريخياً ووطنياً وسياسياً وبأبعاده الثلاثه: ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، لان مثل هكذا ربط بين هذه الحلقات والدوائر – على ما فيها من تداخل – من شأنه أن يمكننا من تحديد مكامن القوة والضعف وأن نفهم وعلى وجه أقرب إلى الصواب والدقه مصادر وحجم المشكلات والمعضلات التي تعترض طريقنا وكيف يمكننا التغلب عليها وبأقل تكلفة ممكنة، وتمنحنا كذلك فرصة للنظرة الموضوعية للأمور وفرز وتمييز الذاتي والموضوعي منها، وإلى أي مدى قد وصل التشابك والتداخل فيما بينها حتى لا تختلط علينا الأوراق والمفاهيم ونتوه بعد ذلك مجبرين في طريق البحث عن محطة الإنطلاق نحو المستقبل الذي ينبغي أن ينتصر له الجميع، وهو ما يستحق منا التضحية من أجله وبأشكال مختلفة، ويستدعي منا الإقدام على بعض الخطوات التي أراها ضرورية، ومنها على سبيل المثال ما يلي:-



( 1 )

الإتفاق على آلية وطنية من شأنها بناء و إستعادة الثقه بين مختلف القوى الجنوبية الحريصة على المشاركة الفاعلة والمسئوله في إنقاذ الشعب من وضعه المأساوي الذي يعيشه اليوم وبكل مرارة وألم، لا يحتمل التصدع القائم في الصف الوطني، والإضطلاع بدورها في بناء الجنوب الجديد مستقبلاً، عبر خطوات وإجراءات ملموسة تساهم في إزالة الحواجز المانعة للتقارب فيما بينها وتمد جسور التواصل والتفاهم والتعاون الإيجابي، وعلى قاعدة الوضوح والمصارحة والندية الوطنية بين مختلف الأطراف وعبر تصور محدد لتحقيق هذه الغاية، بصفتها عملية سياسية - وطنية وبما يجعل الجميع يقفون على أرضية واحدة، أو متقاربة في أسوأ الأحوال..



( 2 )

تقديم التنازلات المتبادلة التي تؤكد حسن النوايا وتقدم البراهين على أن مثل هذه التنازلات ذات طابع ملموس، ولها أثارها الفاعلة في مجرى البحث عن الطريق المشترك الواحد الذي ينشده الجميع، وليس مجرد تنازلات ((على الهواء)) أو شكلية وربما قد تكون قائمة على الأدعاء بالتنازل عن أمور وأشياء لا يملك مقدمها منها شيئاً، أو ليس له أهلية أو حقاً يُخوله تقديم مثل هكذا تنازل، أكانت هذه التنازلات سياسية أم غير ذلك، بصفة مؤقتة كانت أو مرحليه، والتنازل عادة ما يرفع صاحبه إلى الأعلى وليس العكس بل ويعطيه قيمة مضافه، لأن من يتنازل طوعاً من أجل قضية كبيرة ونبيلة لا يمكن إلا أن يكون كبيراً ونبيلاً في نفس الوقت..



( 3 )

إطلاق حملة وطنية توعوية شاملة، أو ما يشابهها لنشر قيم المحبة والتسامح على النطاق المحلي و بدرجة رئيسيه في ((المديريات والمحافظات)) وعلى أن تأخذ طابع الحوار المجتمعي في هذا المستوى، أما على المستوى المركزي فنعتقد أن الأنسب أن يتبع أسلوب الندوات والمحاضرات والمناظرات، بهدف تعريف المواطنين بأهمية ذلك وبما يجعلهم يستوعبون مضمون مبدأ التسامح وبمفهومه الأشمل والأعمق، المؤدي عند تحققه إلى إغلاق أبواب الثأر والإنتقام ونوايا التربص بالأخر وإنتظار الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك، من خلال تبصيرهم بخطورة هذه الأفعال التي يفرزها الماضي، وبما يضمن إزالة الأسباب والمبررات الباعثة على ذلك، ويمهد الطريق أمامهم ويجعلهم يتقبلون الأمر نفسياً وبروح وطنية وبرغبة أكيده للتخلص من هذا الارث المدمر، ويهيئهم للإنتقال إلى الخطوة التالية والأكثر أهمية، وهي المصالحة الوطنية – التاريخية الشاملة..
فحملة تنويرية مثل هذه يمكن لها أن تحقق الكثير إذا ما توافرت لها عوامل النجاح المطلوبة وأنخرط في التهيئة لها والعمل بمضمونها كل الهيئات والفعاليات الوطنية والإجتماعية وضمن خطة واضحة الأهداف والأبعاد، يشترك المتخصصون وأساتذة الجامعات والشخصيات الإجتماعية والمبدعون في المجالات المختلفة.. فخلف كل قرار إجتماعي إيجابي نافع تقف خلفه نفسية إجتماعية متصالحة مع النفس ومتسامحة مع الأخر..



( 4 )

نسيان الماضي بمفهومه السلبي وتركه بعيداً خلف أسوار الحاضر، كتجسيد حي لحالة التسامح الوطني وعدم العودة إليه ما بين وقت وأخر، أو أن يتذكر هذا الطرف أو ذلك بما أقدم عليه من تسامح أو التهديد بالتراجع عنه بهدف الإبتزاز أو تحقيق مكاسب من نوع ما، فبالنهاية سيخسر الجميع، وسنبقى ندور في حلقة مفرغه تشدنا إلى الخلف كل ما حاولنا التقدم خطوة إيجابية إلى الأمام..

( 5 )

التعويض العادل والمنصف والمُرضي لكل من يستحقه، بسبب ما الحقه هذا الماضي بالمجتمع ولو بدرجات ونسب متفاوته، أكان ذلك الذي يستحق التعويض فرداً أم جماعه أو فئة إجتماعية أو حتى منطقة ما من مناطق الجنوب، وأن يتم ذلك على أساس من التوافق ووفقاً لآليات وضوابط ومعايير يُتفق عليها كذلك، وبشروط وضمانات واضحة ومحددة ينبغي توافرها لتحقيق مثل هذه الأهداف والغايات النبيلة، وأن يكون ذلك جزءاً لا يتجزأ من وثيقة خاصة ومعنية بهذا الأمر وفي إطار الملف الوطني العام المتعلق بعملية التصالح والتسامح الذي ستتم معالجته في إطار رؤية أوسع وأشمل – مؤتمر للمصالحة والحوار الجنوبي – الجنوبي العام – كمحطة تاريخية مفصلية هامة يتوقف على نجاحها الكثير، وهو ما سبق وأن طرحنا تصورنا حوله في موضوع سابق نشر تحت عنوان (( مؤتمر للمصالحة.. وحوار جنوبي - أولاً - )) وقد مهدنا لذلك أيضاً بموضوع نشر قبله تحت عنوان ((للحوار قواعد .. وللإختلافات إدارة))



( 6 )

أن يكون التصالح المطلوب قيامه والإقدام عليه بين أبناء الجنوب، بصيغة أشمل وأوسع وأكثر إستيعاباً وتفهماً لمتطلبات المرحلة القادمه، بصفته محطة تاريخية لا مفر منها، وكحلقة مفصلية هامة وضرورية على طريق المستقبل وبأن يكون معتمداً ومستنداً من حيث المبدأ على هذه الخطوات الآنفة الذكر وغيرها، ذات الطابع الإجرائي المُمَهِدة لنجاح التصالح ومن زواياه وأبعاده المختلفة، وأن يتم التعامل مع حركة التصالح والتسامح القائمة كقاعدة وطنية حقيقية ومسئوله، للإنطلاق والبناء عليها والاستفادة من نتائجها الإيجابية وعلى أكثر من صعيد، وهي التي لمسنا فوائدها العديده والمؤثره على نهوض الحراك السلمي الجنوبي وتقدمه ورسوخه على الأرض وبشموله الفاعل لكل مناطق ومحافظات الجنوب.. فقد كان لإنطلاقتها الأولى من جمعية ردفان بعدن وفي يوم 13 يناير 2006م وبحضور تلك الكوكبة الرائعة من أبناء الجنوب ممن مكنتهم الظروف من الحضور والمشاركه لدليل واضح على قناعتهم بهذه الخطوة ذات المغزى التاريخي ورغبة أكيدة وصادقة منهم على تجاوز الأثار الأليمة التي الحقتها بعض الأحداث المأساوية في تجربتنا الجنوبية، بل لقد عُمِدَ يوم 13 يناير الذي أصبح يوماً للتصالح والتسامح الجنوبي – الجنوبي - بدماء جنوبية زكية وبأرواح طاهرة لشباب الجنوب حين اغتالتهم قوات نظام (الإحتلال الوحدوي) في أكثر من ساحة جنوبية حين كانوا يحيون ذكرى هذا اليوم، وتحديداً في ساحة الحرية بخورمكسر وفي المكلا والضالع وفي ساحة الهاشمي بمدينة الشيخ عثمان و في زنجبار بمحافظة أبين وغيرها، وهي رسالة واضحة وعبر عنوانها الدموي هذا: لن نسمح لكم أيها الجنوبيون ابداً بأن تتسامحوا أو تتصالحوا حتى نبقى نحن هنا سادة لهذه الأرض وأنتم عبيداً لنا ؟!



( 7 )

هناك من الناس من سيبقى على حاله وغير مستعداً للإنخراط في هذه العملية الوطنية النبيلة وتحت ذرائع مختلفة – لأن درجة الإنشداد إلى الماضي أقوى لديهم من جاذبية الإنحياز للمستقبل – وقد يكون السكوت وعدم الإفصاح عن موقفه تعبيراً عن ذلك، فالبعض لن يغادرهم الماضي وبهذا المعنى تحديداً، حتى يغادرون هم الحياة إلى العالم الأخر، وهذا ما ينبغي تفهمه جيداً والعمل على محاصرة ردود فعله السلبية إن كان هناك شيئاً من ذلك حتى ولو كان محدوداً ولا يتجاوز حدود التهديد بالكلام، وعبر لغة الإقناع وتبصيره بطريق الصواب والصبر عليه، لأن الجهل والعصبية أحياناً تحجب الرؤية الصائبة والنافعة على صاحبها، ويبقى ثابتاً في المكان الذي يتحرك منه ويتركه غيره إلى مكان أخر و ساحة أخرى أكثر نفعاً وفائدة لهم وللمجتمع..

غير أن الوصول إلى تحقيق هذه التسوية السياسية والتاريخية والإجتماعية الشاملة وعلى هذا النحو الذي ننشده، يتطلب بالضروره مجموعه من الخطوات المهمه التي من شأنها توفير الأدوات والإجراءات اللازمه وتمهد الأرضية الصالحة والصلبة التى ستقف عليها مثل هذه التسوية وتجعل منها قاعده آمنة للتحرك إلى الأمام، ومن بين هذه الخطوات التي نراها مناسبةً لهكذا توجه ما يلي :-



أولا:-
أن يتفق ويقر الجميع وبطوعية وقناعة (( القوى والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والهيئات الإجتماعية والمهنية المختلفة )) بأن الحراك الجنوبي وبكل فصائله ومسمياته هو الرافعة التاريخية الرئيسية الجديدة لأنقاذ الجنوب، وهو الوعاء الوطني والسياسي الذي ينبغي أن يستوعب الجميع ليشمل بمظلته كل ألوان الطيف والقوى الجنوبية : السياسية والإجتماعية وبمكوناتها وتعبيراتها المختلفة وكما هي قائمة، وبحجمها وبقدراتها التي تحدد موقعها في العملية الوطنية – السياسية الجنوبية التي ينبغي أن يجسدها الحراك في هذه المرحلة وبدعم وتأييداً منها، أكان ذلك عبر تواجدها في الأطر الحراكية وأنشطتها المختلفة أو عبر هيئاتها التنظيمية وإعلامها ونشاطها المستقل، ووفقاً للآليات الديمقراطية الحقيقية والشفافة القائمة على أسس وقواعد وضوابط حاكمة يتفق عليها، يتمكن بموجبها الجميع من لعب أدوارهم دون عوائق وأن يأخذ كل مكون مكانته الطبيعيه التي يستحقها ووفقا للمبادئ الديمقراطية التي لا بد من إعتمادها داخل أطر وهيئات الحراك المختلفة، ومن الأدنى حتى أعلى هيئة حراكيه، على أن يكون ذلك مستنداً بالأساس على وحدة الحراك الشاملة التي لا بد من الوصول إليها ولو بالحد الأدنى وبالصيغة المناسبه الملبية لتحقيق هذه الخطوة الهامة، كشرط حاسم يؤهله للقيام بهذا الدور وتأديته على أكمل وجه بصفته المعبر عن موقف الجنوبيين الموحد والحامل السياسي لقضيتهم والمجسد لإرادتهم النضالية المستجيبه لمهام وطبيعة وتعقيدات هذه المرحلة الإستثنائية، فخطوة كهذه أصبحت ضرورية للغاية لا تحتمل التأخير حتى نضمن الإنتصار للقضية، فإلى هنا وكفى إهداراً للوقت وضياعاً للجهود والإمكانيات، وحان الوقت لوقف نزيف الدم وصيانة الأرواح الطاهرة، عبر التصدي الفاعل والموحد الذي يصون ويحمي صفوف الحراك من بطش وإرهاب أجهزة القتل والقمع التي تستغل حالة التشظي والتشرذم القائمة اليوم وبكل أسف..



ثانياً:-


ولأن الأمر ليس بهذه السهولة والبساطة، قياساً إلى حالة إنعدام الثقه أو ضعفها في أحسن الأحوال والتي تحكم العلاقات السائدة بين المكونات والأحزاب والتيارات المختلفة من جهة، وبين فصائل الحراك نفسها من جهة أخرى، فإن الضرورة الوطنية تقتضي من الجميع وحسب ما نعتقده ونتصوره ونقترحه هنا، ضرورة الإقدام على ما يلي :-



( أ ) - أن يتم التوافق والتوقيع على ورقة سياسية منظمة للعمل والتعاون والتفاهم والتنسيق المستمر والملزم لكل من وافق وأقر طوعاً على البند أولاً المتضمن الإعتراف بالحراك الجنوبي كحامل سياسي ووعاء وطني عام لكل أبناء الجنوب، يتعهد بموجبه الموقعون بأن تكون الأولوية المطلقة في عمل أحزابهم وتياراتهم ومختلف تعبيراتهم وتكويناتهم السياسية والإجتماعية للعمل الوطني الذي يضع الجنوب أولاً، والجنوب فوق الجميع وقبل الجميع وبعد الجميع، أي أن يكون النشاط السياسي لكل هذه القوى مكرساً لخدمة القضيه الجنوبية وليس العكس، وبمعني أوضح وأدق ألا يتحول الجنوب وقضيته الوطنية العادلة الكبرى إلى شعار يستغله البعض أو الكل لخدمة الأهداف الحزبية والسياسية والفئوية الضيقه، وأن يكون ميدان العمل الوطني العام هو بوابة النجاح للعمل السياسي لهذه القوى أو تلك وليس العكس، فبقدر النجاح في العمل الوطني الخالص لصالح القضية الجنوبية، يتحدد موقع ومكانة هذه القوى مجتمعة في المرحلة التالية لإنتصار القضية، وسيكون الشعب بحسه الملموس ووعيه الحاضر وبخبراته التاريخية وذكائه المتقد هو الحكم في ذلك وعلى كل ذلك..



( ب ) - إن مهمة الذهاب والتوجه نحو المستقبل، هي أشبه برحلة شاقه عبر الصعود المحفوف بالمخاطر لجبل شاهق وعر الممرات والتضاريس، لا يجتازه بسهولة إلا من كانت لديه الرغبه والعزيمة الأكيده والإستعداد النفسي والمعنوي لتحمل تبعات ما قد يجابهه في رحلة السير هذه، وإن من أولويات النجاح وبديهياته المطلوب توافرها أن يكون خفيف الوزن وغير محمل بالأثقال التي تعيق حركة صعوده وتشده نحو الأدنى كل ما حاول الصعود إلى الأعلى، بل وقد تجعله يتهاوى إلى الأسفل، ويفشل في مواصلة الرحلة إن لم يكن قد فقد كل ما كان معه من أجل نجاحه في رحلة الصعود هذه.. وينطبق ذلك تشبيهاً على العقل السياسي الجنوبي، الذي يجد نفسه اليوم محملاً بالأثقال الرهيبه التي علقت به خلال مسيرته الوطنيه الشاقه الممتده عبر عقود سته تقريباً، الأمر الذي يتطلب تحريره من هذه الأثقال وتبعاتها المكلفه وعن طريق واحد وبوابة واحدة مضمونة النجاح إلى حد بعيد، ألا وهو الإنحياز الكامل للمستقبل والمستقبل وحده، حتى نضع حداً فاصلاً ومسئولاً بين تجربة الماضي ومراراتها وفتح الأبواب واسعةً لثقافه سياسية ومجتمعيه جديدة شكلاً ومضموناً، تقوم بالأساس على ثقافة القبول بالأخر واحترام التعدد ونبذ العنف وكل أشكال التخوين وجعل الحوار قاعدة راسخه في البحث عن الحلول والحقيقة معاً، فلا بديل لنا عنه ولا نملك بأيدينا اليوم ولا بالغد غير الحوار والحوار المسئول وحده كسبيل آمن في خطانا المرتقبة والمأمولة النجاح نحو المستقبل..

أما أن يستحضر الماضي وبأي صيغة كانت وتحت أي عنوان، فلن يكون ذلك إلا مزيداً من الارباك الشديد الذي يواجهه حاضرنا المضطرب ويجعل المسافه بيننا وبين المستقبل تزداد إتساعاً وإبتعاداً ويصبح الوصول إليه أكثر صعوبة وأكبر ثمناً.. فهل ننتصر للحاضر حتى نعانق المستقبل القادم، أم نجعل الماضي يجر الجميع خلفه وعيونهم مفتوحة إلى الأعلى، لا ترى شيئاً واضحاً على الطريق يدل على الهدف المنشود..



( ج ) - لضمان النجاح المطلوب تحقيقه وحسب ما أشرنا إليه أعلاه، فإن خطوة أخرى لا تقل أهميه ينبغي اتخاذها وعلى نحو جديٍ ومسئول من قبل كل القوى والأحزاب والكيانات والهيئات المختلفه والمفترض موافقتها وتوقيعها على ما تم إقتراحه في النقاط والبنود أعلاه وهو الكف عن أي شكل من أشكال التدخل غير الإيجابي في شئون الحراك وعدم تشجيع أياً من أطرافه على أية خطوات ذات طابع سلبي، بل والعمل بدلاً من ذلك حثها على التوحد والخروج من حالة التشظي القائمة ووضع حد لهذه الحالة العبثية التي لا تخدم قضية الجنوب بل وتلحق بها أضراراً بليغه، وأن يتم الضغط المناسب وبالوسائل المناسبه على من لا يستجيب لدعوات التقارب وتمهيد الأرضية المناسبة لوحدة الحراك عبر محطة جامعه يتفق عليها الجميع، تتوحد فيها الرؤيه ويستخلص منها البرنامج العملي للنضال الوطني اللاحق وعبر صيغه قياديه يتم التوافق عليها أيضاً، تشكيلاً وتسميةً وبصلاحياتها القياديه الواضحة وبمرجعيتها الوطنية المناسبه، الضامنة لوحدة الإرادة والفعل والمانعة لأي حالة من حالات الخروج غير المبرر أو المقنع عن الإجماع الوطني، مع ضمان حق التعبير عن الرأي والدفاع عن الموقف المتخذ في إطار الهيئات وشرعيتها وصلاحياتها المحددة لها ووفقاً للأسس والآليات المتفق عليها بشأنها، حتى تستقيم الأمور وتأخذ نصابها الطبيعي ومنطقها وحجتها المقنعه وجدلها الواعي والمنضبط.. فكفى عبثاً وشططاً وهرولةً خلف شعارات لا يعرف الناس أحياناً من يقف خلفها ومن الذي صاغها ومن يكون قد دسها؟! وبالنتيجة ترتد سلباً على قضية شعبنا في الجنوب وعلى قواعد وقيادات ونشطاء الحراك أنفسهم في نفس الوقت، فكفي تكسباً يا بعض (الكبار) وكفى تنقلاً من مربع إلى أخر يا بعض (الشطار) وكفاكم غروراً يا بعض (الثوار) وكفى بل وألف كفى إشعالاً لنار الفتنة يا بعض (المقاولون) ويا كل الأشرار، وكفاكم تقزيماً لأول وأعظم حراك سلمي في ثورات الربيع العربي، وإختزالاً معيباً للجنوب يابعض (الصغار)، فقد حان الوقت للإستماع لصوت العقل والضمير والأخذ بالنصيحة المخلصه ومن أين ما أتت، ومن أياً كان، قبل أن تكون حكمة افلاطون أمراً واقعاً ((من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لا تكلفه شيئاً، فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى سعر))..



ثالثا:-



لم يُعد مقبولاً ولا مبرراً ولا حتى مفهوماً تأخر الأتفاق على عقد المؤتمر الوطني الجنوبي العام الذي يمثل ضرورة وطنية مُلِحه ومحطة تاريخية كبرى غير قابلة للتأجيل أو الترحيل خاصةً بعد أن أقر الجميع تقريباً بأهميته والدعوة إليه بمناسبات مختلفة ومتكررة ومنذ وقت ليس بالقصير، ونعتقد بل ونتمني أن يكون الجميع قد أستشعر بمخاطر الوضع القائم الذي يشهد حالة غير مسبوقة من التشتت والتشرذم والخصومات السياسية التي تصل إلى درجة العداء أحياناً، والتشكيك بنوايا الأخر بل والتخوين والطعن في وطنيته، كما نعتقد ونأمل بأن كل الذين توجهوا بهذه الدعوات صادقون في ذلك وحريصون على أن يعقد مثل هكذا مؤتمر، يلملم الصفوف المبعثره ويضمد الجراح النازفة ويرمم العلاقات المشوهه بين الفرقاء، أو يعيد بنائها على أسس جديدة وبروح وطنية ينتصر فيها الوطن ويكسب فيها الجميع على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، غير أن الأمور وكما نراها لا تتقدم بالسرعة الملطوبه، بل ونشهد المزيد من التباعد والإنقسامات المؤسفه وتحت عناوين القضية والوطن، وبأسم الشعب ونيابة عنه وعبر آليات ووسائل تستبعد فيها الشراكة الشعبية الحقيقية والواسعة النطاق، التي يمكن للتكتلات جديدها وقديمها أو المؤتمرات التي عُقدت أو التي سيحضر لإنعقادها أن يتجسد من خلالها الطابع الشعبي الواسع التمثيل: سياساً ووطنياً وإجتماعياً، وهي حالة لم تتحق ولن تتحق في المستقبل طالما بقي التحضير للمؤتمر الوطني الجنوبي – الجنوبي العام مجرد دعوات ومن باب الإستهلاك السياسي الرخيص وتسجيلاً للمواقف اللفظية وغير الجدية، أو ربما لإبعاد الحرج عن كاهل هذا الطرف أو ذاك، أو لإحراج بعضها بعضاً ولخلق حالة من الإرباك في الصف الوطني الجنوبي بحالته العامه، وقد تكون الدوافع والأهداف مختلفة بإختلاف هذه الجهات ومسمياتها، وإلا كيف يمكن لنا أن نفهم الأسباب الحقيقة لهذا التأخير مع إستمرار العزف على وتر المؤتمر وأهميته والدعوة إليه صباحاً ومساءً ؟!

أليس هذا أمراً معيباً وغريباً في نفس الوقت ويفتح معه باب التأويلات واسعاً على كل التصرفات والمواقف والسياسات وعلى سلوك كل الجهات؟! ولا لوم على أحد في ذلك طالما استمر الغموض في هذه القضية وبالحجم الذي يمثله المؤتمر الوطني الجنوبي – الجنوبي العام..؟

لذلك فإننا نعتقد بأن جدية الجميع أمام إختبار حقيقي ومصداقيتهم على المحك، ومسئوليتهم الوطنية تقترب من فقدان الثقه عند الناس، بل وأصبح الخطاب السياسي لكل هذه القوى خطاباً دعائياً بمجمله العام ومستهلكاً لنفسه ومكروراً في مفرداته ومتشابهاً في مضامينه، ولم يُعد جذاباً لدى الجماهير ولا محفزاً على الأهتمام عندها، ولا مؤثراً في وعيها وبالدرجة التي يطمح أصحابه من تحقيقها أو الوصول إليها بهدف حشد الناس لتأييدهم والألتفاف حولهم، وما يؤسف له حقاً أن يأخذ الشق الإعلامي من هذا الخطاب بُعداً هجومياً ومضاداً للأخر الجنوبي المختلف عند بعض القوى والتيارات القائمة، أو المعلن عنها في الساحة الجنوبية، لأن حضور بعضها لا يتجاوز الصخب والضجيج الإعلامي وعبر صوتها العالي ونبرتها الحادة، وهي على كل حال تلحق الضرر بالقضية الجنوبية أكثر من إفادتها وتشوش على وعي الناس وتهز القناعة عند بعضهم وربما تفقدهم الأمل في مراحل لاحقة، إذا ما استمر مثل هذا الخطاب على حاله، بل وقد تحمل البعض منهم على التفكير بالنزول من على قطار الحراك والبحث عن وسيلة أخرى تؤمن لهم عملية الإنتقال والوصول إلى حيث يرغبون وبعيداً عن ضجيج القطار ومتاعب عرباته غير المريحة والباعثة على القلق، بسبب تمايلها على القضبان الذي قد يدفع بها إلى الخروج عن السكة بكاملها، وهذا مالا نتمناه على الإطلاق، بل وينبغي منع حدوثه وبكل السبل وقبل فوات الآوان وبالطرق الديموقراطية والحوار المعمق والصراحة والوضوح الكافيين وأن يقف الكل أمام نفسه بصدق وشجاعة وتجرد، وعبر مراجعة نقدية مسئولة لا تحتمل التأخير حتى لا يحدث ما لم يكن بالحسبان.. وإذا ما أضفنا إلى ذلك حديث السياسيين ومقابلاتهم الصحفية وعبر قنوات الفضاء التليفزيونيه وخطبهم الجماهيريه، وما تنطوي عليه من تمويه وإخفاء لبعض الحقائق ومن كذب مغلف تفرضه طبيعة السياسة ذاتها ومتطلباتها القائمة على التكتيك والمناورة بل وحتى الخداع المبرمج، فما يقال اليوم يتم نقيضه بالغد، وما قاله (فلان) بالأمس يتنكر له اليوم وهكذا.. فقواعد العمل السياسي ليست جميعها قائمة على الأخلاق، بل لا تعترف أحيانا بذلك ولا تعطي وزناً للقيم الأخلاقية والإنسانية عندما يتعلق الأمر بالمصالح والمكاسب المتوخاه من أفعالها والتي من أجلها أحترفت السياسه وتمارسها على أوسع نطاق، وتحت غطاء من المثل والمبادئ الأخلاقية مع الأسف، وقد قيل بهذا الصدد بأن تشرشل مر ذات يوم من على احدى المقابر، فلفتت إنتباهه عبارة على لوحة احد القبور كتب عليها : "هنا يرقد القائد السياسي الصادق فلان"..

فقال معلقاً: " كيف يمكن أن يرقد الإثنان معاً وفي قبر واحد ؟! ".. عموما، ً فالسياسيون كالأشجار جذورها لا تُرى وتبدو مختلفةً كذلك ومتباعدةً عن بعضها البعض، ولكنها تتغذى من مكانٍ واحد في كثير من الأحيان، ويحتكر حصاد وتسويق ثمارها من كان هو المصدر لهذه التغذية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وربما قد نجح في ذلك بسبب لبسه لأكثر من قناع وفي وقت واحد ؟!..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.