span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/ صادق ناشر مرة أخرى يفشل السياسيون في الساحة اليمنية في استئناف حواراتهم التي توقفت منذ نحو عام، وهو التوقف الذي ولّد العديد من الأزمات، وعلى الرغم من التفاؤل الذي ساد البلاد بعد الإشارات الإيجابية التي صدرت من الحكام والمعارضين باستئناف الحوار على قاعدة المبادرة التي أعلن عنها الرئيس علي عبدالله صالح في الذكرى العشرين لقيام دولة الوحدة في الثاني والعشرين من شهر مايو/ أيار الماضي، إلا أن تعثر الحوار الذي كان مقرراً انطلاقه مطلع الأسبوع الحالي جدد المخاوف من عودة الأمور إلى مربعها القديم، خاصة أن كل طرف ظل متمسكاً بموقفه القديم من الأزمة . يرى مراقبون أن السياسيين عجزوا عن التقاط اللحظة التاريخية وقرروا السير في “الاتجاه المعاكس”، فبعد مرونة من الحاكم قابلتها مرونة حذرة من المعارضة، وجد السياسيون أنفسهم أمام عقدة جديدة لاستئناف الحوار الذي توقف منذ ما بعد توقيع اتفاق فبراير/ شباط ،2009 وعوضاً عن الجلوس إلى مائدة الحوار السبت الماضي، بحسب مصادر رسمية، وجدت الأحزاب السياسية نفسها أمام إخفاق جديد يقود البلاد إلى أزمة كان يأمل الكثيرون في تجاوزها لإخراج البلاد من عنق الزجاجة التي وجدت نفسها فيها مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، المقرر أن تشهدها البلاد في السابع والعشرين من شهر أبريل/ نيسان العام المقبل . span style=\"color: #800000\"إعادة إحياء 3 أزمات خلال الفترة التي أعقبت المبادرة التي أعلنها الرئيس علي عبدالله صالح لاستئناف الحوار واستعداده لتشكيل حكومة وحدة وطنية إذا ما سارت الأمور بشكل جيد بين المتحاورين، عاشت الساحة السياسية مزيداً من الجدل بين مؤيد للمبادرة ومعارض لها، إلا أن الجميع كان متفقاً على أن لا بديل عن الحوار لمواجهة الأزمات التي تواجهها البلاد . وهذا نفسه كان مضمون رد المعارضة، المتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك، التي رحبت بالمبادرة على حذر، واعتبرت أن التسريع في الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الطاحنة التي يعيشها اليمن في الوقت الحاضر . وفي وقت كان ينتظر فيه الجميع بدء طرفي الأزمة استئناف الحوار كانت ساحات مختلفة تشهد تطورات سلبية، لا شك أنها أثرت في استعداد الطرفين لاستئناف الحوار، فالساحة الأولى أحيت المواجهات التي تصاعدت بين المتمردين الحوثيين والقبائل الموالية للسلطة الأزمة التي كانت على وشك الانتهاء، وهي الحرب بين الجيش والمتمردين الحوثيين، وبدت مؤشرات الحرب تبرز في أكثر من مظهر، سواء على شكل مواجهات مسلحة أم على شكل تصريحات متبادلة من قبل طرفي الأزمة بانتهاك كل طرف للاتفاقيات الموقعة . وإلى جانب ساحة الشمال، عادت الساحة الجنوبية للاشتعال من جديد، على الرغم من الجهود التي بذلتها اللجنة الرئاسية لتهدئة الأوضاع في كل من الضالع ولحج، فعادت المواجهات المسلحة من جديد بين قوات الجيش وأنصار الحراك الجنوبي سقط خلالها العشرات بين قتيل وجريح في صفوف الطرفين . وبين الساحتين ظهرت الحرب ضد تنظيم “القاعدة” لتشغل السلطة من جديد، خاصة أن ضربة “القاعدة” هذه المرة كانت موجعة، فبالإضافة إلى تحمل التنظيم المسؤولية عن مقتل نائب محافظ مأرب جابر الشبواني وخمسة من مرافقيه في محافظة مأرب، تبنى التنظيم استهداف أحد كبار قادة الجيش وهو العميد محمد صالح الشائف وعدد من مرافقيه في كمين نصبه له التنظيم في ذات المحافظة، والتي أعلنها التنظيم “ولاية جديدة” في اليمن . إضافة إلى ذلك كله برزت أزمة جديدة تجسدت في توتر العلاقة بين السلطة والقبائل، خاصة بعد مقتل الشبواني، فدخلت البلاد في تحد إضافي يخشى معه الكثير من أن يتطور إلى وضع سلبي، إذا لم تحل صنعاء الأزمة التي نتجت عن الضربة الجوية التي تم تنفيذها ضد عناصر “القاعدة” والتي أودت بحياة رجل القبيلة الشبواني، والتي قدمت السلطة اعتذارها عن هذه الضربة بإرسال وفد كبير إلى قبائل عبيدة رأسه نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية صادق أمين أبو رأس . ويرى مراقبون أن عودة هذه الأزمات الثلاث ناتج عن التوتر القائم بين السلطة والمعارضة، ويشيرون إلى أن عدم الجدية في استئناف الحوار دفع بعناصر الأزمة إلى الظهور من جديد بحثاً عن مفاتيح للحل . وربما ما فاجأ السلطة أن الحوثيين دخلوا جدياً في تحالف مع المعارضة المنضوية في إطار لجنة الحوار الوطني، التي عقدت اجتماعاً لها الأسبوع الماضي، وكررت مواقف المعارضة التي تستند إلى ضرورة أن يظهر الحزب الحاكم نوايا صادقة لتطبيع الحياة السياسية، ورأت أن على النظام أن ينفذ الوعود التي وردت في مبادرة صالح، بخاصة المتعلقة بقضية الإفراج عن المعتقلين في السجون، سواء كانوا محسوبين على ذمة الحرب في صعدة أو على ذمة الاحتجاجات في الجنوب . وعلى الرغم من أن لجنة الحوار الوطني اعتبرت مبادرة صالح القاضية بإطلاق سراح السجناء السياسيين “نافذة للأمل لتهيئة الظروف الملائمة للسير نحو حوار وطني شامل”، إلا أنها اشترطت أن تتوفر مناخات أفضل لاستئناف الحوار، مشيرة إلى أن “تهيئة الظروف لانطلاق مسيرة الحوار الوطني تتطلب مصداقية حقيقية لا تزال السلطة مطالبة بتجسيدها، ومن ذلك وقف الدعاية التحريضية لوسائل الإعلام الرسمية المنهمكة في كيل الشتائم والتهم للأحزاب والشخصيات الوطنية في المعارضة” . من جانبهم اتهم المتمردون الحوثيون السلطة ب “المراوغة” في الإفراج عن المعتقلين من أنصارهم على ذمة الحروب الست بينهم والسلطة، بخاصة الحرب الأخيرة، وقال بيان صادر عن الحوثيين إن “على السلطة الإفراج عن المعتقلين، وأن يترجم إعلان 22 مايو (مبادرة الرئيس صالح) على أرض الواقع، كونها ما زالت تراوغ في الإفراج عنهم حتى اللحظة” . وتكرر الموقف نفسه لدى أنصار الحراك الجنوبي الذين شكوا من أن السجناء ما زالوا في سجونهم وأن السلطة لم تقدم الكشوفات المتضمنة لأسماء المفرج عنهم في أوساط الحراك . لكن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم يقدم مع حلفائه في التحالف الوطني الديمقراطي رؤية أخرى لأزمة توقف الحوار مع المعارضة، ويقول إن الأخيرة تفرض شروطاً تعجيزية “لاستئناف الحوار” . التحالف طلب من القيادة السياسية المضي في الاستعداد لإجراء الانتخابات التشريعية المقرر أن تشهدها البلاد بعد أقل من عام من دون مشاركة المعارضة بعد الموقف المتعنت من أحزاب اللقاء المشترك إزاء مبادرة الرئيس لاستئناف الحوار “وفرض شروط تعجيزية بهدف عرقلة الحوار وزرع عقبات جديدة في طريقه”، معتبراً أن “اشتراط إجراء الحوار بالإفراج عن كافة المحتجزين ليس إلا محاولة جديدة مكشوفة للمماطلة والتسويف والهروب من الحوار”، ويقول المؤتمر وحلفاؤه إنه “تم الإفراج عن المحتجزين سواءً على ذمة إحداث الفتنة في صعدة أو العناصر الخارجة عن القانون في بعض مديريات المحافظات الجنوبية ما عدا مرتكبي الجرائم والأعمال الجنائية المحكوم عليهم أو المنظورة قضاياهم أمام القضاء” . span style=\"color: #800000\"الجنوب أزمة مستعصية تطورات الأوضاع في الجنوب كشفت عن أزمة عميقة تواجهها صنعاء، فالتوتر الذي كان قائماً قبل احتفالات البلاد بأعياد الوحدة استمر وتصاعد بشكل خطير، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها النظام لتطبيع الوضع، إلا أن سير المواجهات كشف عن إصرار كل طرف على فرض حلوله على الآخر من دون مراعاة للخسائر التي تلحق بالبلد التي صار اقتصادها يستنزف على شكل إنفاق على القوات العسكرية في المناطق الجنوبية من البلاد ومحاولات التسويات السياسية التي ينتج عنها ضخ مزيد من الأموال لشراء مواقف بعض الوجاهات القبلية والمعارضين السياسيين في الحراك وغيره . وعوضاً عن الاتجاه المباشر للحل وجدت السلطة في الحل العسكري الطريقة الوحيدة لمعالجة التمردات التي تتصاعد كل يوم في الجنوب بدرجة رئيسة، حيث أرسلت مزيداً من التعزيزات العسكرية إلى مناطق الجنوب واستمرت في فرض حالة الحصار على عدد من المناطق، خاصة في الضالع والمديريات الأربع لمنطقة ردفان بمحافظة لحج، في الوقت الذي صارت تتعرض فيه معسكرات الجيش إلى هجمات يومية، خاصة بعد ما دخل لاعبون جدد في الساحة، وهم المنقطعون عن الحرب في صعدة، وهم بالآلاف، وعجزت وزارة الدفاع عن حل مشكلتهم على الرغم من مرور عدة أشهر على توقفهم عن الخدمة في وحداتهم العسكرية . span style=\"color: #800000\"التداخل بين القبيلة و”القاعدة” قبل الغارة الجوية الأخيرة التي استهدفت مواقع لتنظيم “القاعدة” في اليمن كانت علاقة الدولة بالقبائل بين مد وجزر، تتأرجح بين الولاء للدولة والولاء لتنظيم “القاعدة”، غير أن الأزمة التي خلفتها الضربة الأخيرة ضد التنظيم في ساحة قبلية معقدة هي مأرب، أظهرت أن الدخول مع القبائل يمكن أن تكون له آثاره السلبية على الوضع بشكل عام، فقبائل عبيدة غير مقتنعة بالتبريرات التي ساقتها الأجهزة الأمنية في قضية مقتل نائب المحافظ جابر الشبواني وخمسة من مرافقيه، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق وأن تنشر نتائجها على الرأي العام . وفي محاولة لإظهار قوتها ردت القبائل بعنف على الدولة فأوقفت الحياة في أهم ثلاثة مرافق حيوية تعتمد عليها صنعاء في تزويد السكان بالطاقة والموجودة في مأرب، وهي المحطة الغازية ومحطة الكهرباء وأنبوب النفط، وهو ما أبقى الحياة مشلولة لعدة أيام في العاصمة صنعاء وبقية مناطق البلاد، بعد ما غرقت البلاد في ظلام لعدة أيام . ويبدو أن صنعاء استشعرت خطورة الدخول في أزمة مع رجال القبائل فحاولت استمالتها بشكل أو بآخر، فأعلن الرئيس صالح أنه “لن ينام حتى يأخذ بثأر الشبواني”، مؤكداً أن مقتله “جاء عن طريق الخطأ بسبب وجود خيانات من قبيلة عبيدة” أدت إلى مقتله، وقبل ذلك كان صالح قد أمر بتشكيل لجنة تحقيق للوقوف على ملابسات الحادث وإعلان نتائجه للرأي العام . لكن المفاجأة جاءت من تنظيم “القاعدة” الذي أعلن تبني عملية قتل الشبواني، وأكد بيان صادر عن التنظيم أنه “استدرج أحد طواغيت العصر وذنب الكفر المقبور جابر بن علي الشبواني في عملية ناجحة نفذها المجاهدون الذين أوهموا أعداء الله بتواجد كوكبة منهم في ولاية مأرب، وقد نجحت هذه العملية في تصفية المقبور ونجاة عباد الله المجاهدين الصابرين وأظهر للكفرة وأذنابهم كرامات المجاهدين وأفعالهم” . وتعهد التنظيم ب “العمل على تطهير ولاية مأرب وغيرها من ولايات يمن الحكمة والإيمان من العملاء والخونة ( . . .) ولن تنفع الخونة وجاهة ولن تحميهم من المجاهدين سلطة ولا جماعة ولا تزال القائمة طويلة” . ويبدو أن التداخل بين عاملي المواجهة مع القبائل والحرب ضد تنظيم “القاعدة” سيجعل صنعاء حائرة في كيفية التعامل مع هذا المستجد، حيث تخشى صنعاء أن يتحول ولاء القبيلة للدولة إلى ولاء ل “القاعدة”، خاصة وأن الشكوك تتعاظم بشأن التدخل الأمريكي في الأراضي اليمنية من خلال تنفيذ غارات جوية بطائرة من دون طيار ومن دون معرفة السلطات الرسمية . وتخشى صنعاء أن تتحول حربها والولايات المتحدة ضد “القاعدة” إلى حرب ضدها والولايات المتحدة، وأن يتمدد خطر “القاعدة” ليصل إلى “مثلث الشر” حسب ما أطلق عليه الرئيس صالح قبل سنوات ويقصد به محافظات “مأرب، الجوف وشبوة”، وهو ما سيجعل الحرب ضد التنظيم أمراً معقداً . وتبدو الحيرة في معالجة هذا الملف قائمة، خاصة أن صنعاء لم تعلن حتى الآن نتائج لجنة التحقيق في الضربة الأخيرة، حيث تخشى أن تكون النتائج التي ستأتي بها لجنة التحقيق وقوداً جديدة في الأزمة القائمة بينها والقبائل، ولهذا فإنه ليس أمام صنعاء سوى توسيع دائرة صانعي القرار في البلد عبر إشراك الجميع في الحوار السياسي الذي قد يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على التخفيف من الضغوطات القائمة الناتجة عن الأزمات التي تتوالد يوماً بعد يوم. span style=\"color: #333399\"* دار الخليج