ازيلوا رواسب الماضي بالاعتراف والاعتذار لشعب ووطن .. ظلم القربى كان اشد وأظلم فمن يزيل اليوم هذا الظلم... الثائرون والثائرات الجنوبيين، الاحرار والثوار اينما كانوا وحيثما وجدوا، عندما نسمح لأنفسنا بأن نتحدث علينا اولا ان نختار ما نخاطب به الاخرين، واذا تحدثنا لا بد ان تسمعنا الشعوب، واذا خاطبنا بعضنا البعض فلتكن المخاطبة على قاعدة، (حق توضحه وباطل تدحضه وحكمة تظهرها)، واليوم يكاد الحديث يختزل في مبدأ (التصالح والتسامح)، والذي علينا اولا الا نختزله في شكل تصالح الافراد مهما علي شأنهما، او بين قطبين من اقطاب الصراع الدموي، ولكن علينا ان نضعه في اطار شعب الجنوب بأكمله، ولكي يكون التطبيق العملي لهذا المبدأ، تطبيقا على الواقع وليس للحظة عاطفة، سوف اطرح وجهة نظري والتي سوف تأخذ حيزا كبيرا، فالجنوب مر بمحطات ومنعطفات كثيرة، معظمها ترك اثارا كبيرة في النفوس، لا تزول مع مرور الزمن، ولا تنسى وان اردنا النسيان، لا يمكن لنا ان نختزل (التصالح والتسامح) في شعارات ويافطات ومسيرات، او كأننا نقول للعالم، نعم تصالحنا وتوحدنا ونسينا ويلات الماضي، ونسيت الامهات ابنائها الذين استشهدوا او قتلوا او فقدوا، وان الاطفال اليتامى كبروا ونسوا كل الامهم ويتمهم، وان اليوم اسدل الستار على جنوب جديد. الثائرون والثائرات اذا اردنا تحقيق هذا المبدأ على ارض الواقع، ولكي يكون المستقبل الصحيح امامنا، لا بد اولا ان نستخلص العبر، وان نقبل على التسامح قبل التصالح والمصارحة قبل التصالح، وان نعتذر لكل ذرة دم فقدها شهيد، او رفاة لفقيد لا نعرف مكانه، او لام ذرفت دموعها سنين طويلة على ابن او زوج فقدته، ثم علينا الاعتذار لشعب الجنوب العظيم وللوطن الذي استباح، من الاقرباء قبل الاعداء. التوقف في بعض المحطات الهامة في حياتنا، مسألة ضرورية حتى نعرف كيف كنا وكيف اصبحنا، ولماذا اليوم نسعى للتسامح والتصالح، في 19 يناير 1839م كان بداية استعمار بريطانيا العظمى لعدن البسالة والصمود، غزاها الانجليز بعد صمود نادر من ابنائها ومن قوات السلطنة الفضلية أنداك، ومضت الاعوام وعدنوالجنوب، تحت الذل الاستعماري البريطاني، حتى بلغت (128) عاما، كانت وبالرغم من تميز مدينة عدن بأفضل ميناء في العالم وبموقعها الاستراتيجي، الا ان الاستعمار يظل استعمارا، والشعب الحر سجينا، هكذا كنا، الا ان ثارت ثائرة الثائرين وهب الشعب منتفضا، في مراحل عدة، كانت الثورة ثورة ابناء عدن اولا من الشعراء الثائرين الذين ناضلوا بالكلمة الوطنية، وبالفنانين الذين تحدوا المستعمر وغنوا للحرية، وكانت ثورة النساء الاتي ناضلن بشرف واقتدار، وثورة الاسر التي فتحت ابوابها للفدائيين وآوتهم، وثورة الاطفال وطلاب المدارس الذين ساهموا في رمي المنشورات او نقل الاسلحة، وهي ثورة المناضلين الشرفاء من ابناء عدن وبقية المحافظات الجنوبية، من جبهة التحرير والجبهة القومية وفرق التنظيم الشعبي الكفاحية، وغيرهم، كانت ثورة الجميع بدون استثناء، وتوج الانتصار الكبير في الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، وخرج المستعمر البريطاني من نفس المكان الذي دخل منه، الا انه وللأسف استقلال لم يكتمل، فالجبهة القومية في مفاوضاتها، تنازلت عن كثير من حقوق الجنوب، في سبيل الاستيلاء على السلطة، وكان لها ما كان، انفردت بالسلطة وظلت تحكم حي 22 مايو 1990. في 30 نوفمبر 1967 خرج الكل يغني بعيد الاستقلال، حتى الصغار رقصوا في الشوارع والاحياء، وغطرفن النساء والفتيات، جاءت الجبهة القومية لتستلم رآية السلطة والحكم، وقبل ان تتحول الى تكتل اوسع (التنظيم السياسي الموحد) مع فصيلين اخرين، بدأ الخلاف يدب بين الرفاق والمناضلين، ثم تحول الخلاف الى تصفيات جسدية، وفقدنا اول ما فقدناه اول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية المرحوم قحطان محمد الشعبي، والمناضل الجسور فيصل عبداللطيف الشعبي، ومعهم صفوف طويلة من المناضلين والذي قدموا ارواحهم فداء للوطن، الا ان مطرقة التسلط والتحكم بالأخر، استمر حتى نال عامة الشعب حين تعرضوا للتصفية والاعتقالات والنفي، بل ان المئات من ابناء عدن ومن الكفاءات وذوي التخصصات الادارية والفنية العالية، اقتيلوا او تم اقالتهم من اعمالهم، ناهيك ما تعرض له الكثير من الشعراء والمبدعين ورجال الدين، وللأسف ان من بنى النهضة في دول الخليج، كان بأيدي الالاف من ابناء عدن والمحافظات الجنوبية الذين هجرهم الصراع السلطوي في الجبهة القومية، لسنا بصدد التحدث عنها الان، لكن نستعيد فقط بعض الذكريات المؤلمة من الصراع الطويل الذي افقدنا الاف الابرياء. خلال السنوات الماضية وبسبب الصراع الدموي الذي استمر طويلا، فقدنا وكما قلت الالاف البشر، منهم الذين ذهبوا في تحطم طائرة الدبلوماسيين في 1972 وكانوا من افضل سفرائنا في الخارج وغيرهم، والذين ذهبوا في احداث 22 يونيو 1969، ثم احداث مقتل او اعدام المناضل والرئيس الاسبق سالم ربيع علي، كما طال النفي الكثير من رفاق الامس بعضهم يعيش اليوم في بيروت والقاهرة وفي عواصم كثيرة من عواصم العالم، وحتى عندما ارادوا ان يؤسسوا لكيان سياسي جديد (الحزب الاشتراكي اليمني)، لم يكن ذلك بلا ثمن، اما النكبة الكبرى، فقد كانت في13 يناير 1986، وليس بخافي على احد، ما حل بالجنوب وشعب الجنوب، والنيران التي اكتوت بها عدن، واصابت ابنائها بجروح غائرة لا يمكن ان تمحوها الايام، او تزيلها الشعارات البراقة، استمر الصراع بين الرفاق، فقتل من قتل وشرد من شرد وفقد من فقد، والالاف الذين نفوا يومها، هم الان في شمال اليمن او في الشتات، ناهيك عن الاف القتلى والالاف من النساء الارامل والاطفال اليتامى. في كثير من الكتابات والحوارات التي تتناول (وحدة) الشمال والجنوب، في 22 مايو 1990، نقرأ ونسمع عن حكايات كثيرة، وكيف ان الوحدة تمت بطريقة (الخروج من النفق)، وكأن الحزب الاشتراكي اليمني وامينه العام في تلك الفترة علي سالم البيض، كانا عالقا في نفق (جولد مور) ولم يخرجا منه الا الى صنعاء مباشرة، هنا لا اريد الغوص في تفاصيل لا تهمني في الوقت الحاضر على الاقل، ولكن هذه الوحدة التي ركب قاربها الحزب الاشتراكي اليمني وربانه آنذاك الامين العام للحزب علي سالم البيض، وهرولا وحدهما الى صنعاء، هذه الوحدة الارتجالية هي التي قادتنا الى حرب مدمرة بعد ذلك في صيف 1994 ، وهي التي قادت علي سالم البيض وكثير من رفاقه في العيش في المنفى، وهي التي أوصلت الحال بأبناء الجنوب الى المطالبة بالانفصال، وهم الذين كانوا يؤمنون بالوحدة اليمنية كأيمانهم بالله سبحانه وتعالى، ومع كل هذه الاحداث التي يمر بها الجنوب، وتلك المحاولات الاقليمية والدولية والمشاريع التي تعد هنا او هناك، نجد ان الحزب الاشتراكي اليمني والذي هو وريث الجبهة القومية ثم التنظيم السياسي الموحد، وحاكم الجنوب قبل الوحدة قد رمى نفسه في احضان اعدائه من المتطرفين، اليوم هوعضو فيما يسمى ب (المشترك)، وشريك اساسي مع التجمع اليمني للإصلاح، ولا نعرف أي تناغم يوجد بين الاصلاحي والاشتراكي، اللهم اذا كان الدكتور ياسين سعيد نعمان قد نسي اشتراكيته، ونسي ان الحرب التي عاني منها ابناء الجنوب في صيف 1994، كان طرفا فيها الاصلاح ، الذي يمعن اليوم في ظلم ابناء الجنوب داخل المحافظات الجنوبية ومنها عدن، واستغرب حتى الان لماذا الحزب الاشتراكي اليمني لا يعلن موقفه من المشترك، ولماذا الدكتور ياسين سعيد نعمان متمسك جدا بهذا العناق، عناق مع اشد اعداء ابناءالجنوب (القبيلة وشيوخها وعلمائها)، اترك هذا الامر للدكتور نعمان الذي يجيد اليوم فن لعبة تغيير المواقف. نعم اذا ارنا اليوم ان نكون مع مفهوم التسامح والتصالح بكل جدية، وان نقول نعم لوحدة الصف، علينا اولا ان نعترف بأخطائنا وان نعتذر عما بدر من كل واحد، وعلى كل الساسة الجنوبيين في الداخل وفي المنافي، ولكل عضو في الجبهة القومية، وفي الحزب الاشتراكي اليمني، لكل من اوصل الجنوب الى ما وصل اليه، عليهم اولا الاعتراف بأنهم أخطاؤه بحق ابناء الجنوب، وخاصة ابناء عدن الذين تحملوا طيلة السنوات الماضية الجزء الكبير من المعاناة، الاعتراف بأنهم اذنبوا بحق مدينة عدن حين استخدموها ساحة صراع لتصفية بعضهم البعض، عليهم الاعتراف والاعتذار لكل اسرة فقدت عائلها او احد من افراد اسرتها، الاعتذار للجرحى والمصابين والمعوقين، الاعتذار لكل طفل فقد ابيه، او زوجة فقدت زوجها، او ام فقدت ابنها، فاذا حصل ذلك وقام الحزب الاشتراكي بفض (شراكته) مع الاصلاح، عندها فقط سوف نقول وبالصوت العالي نعم نحن مع التصالح والتسامح، ليس بين القادة الجنوبيين فقط، وانما بين ابناء كافة المحافظات الجنوبية اينما كانوا، في داخل الوطن او المنفيين منه، وحتى يتحقق ذلك سوف نظل اوفياء لكل ذرة من تراب الجنوب، اما مدينة عدن التي شهدت تلك الاحداث المظلمة، ويحاول البعض تحويلها الى ساحة للصراعات الاقليمية والدولية، نقول لهم عدن اليوم مصونة بوحدتها، محروسة بأبنائها، لم تعد عدن تلك المدينة التي تستباح، دعوها تكون مدينة للحب والسلام، للمودة والوئام، مدينة تنبذ ثقافة الكراهية والعنف. ** كاتب وصحفي من مدينة عدن مقيم بدولة الإمارات