يأتي شهر رمضان المبارك هذا العام بعدما أصبحت ثورات الربيع العربي تشعر بشيء من الرسوخ، وإعادة بناء دولها، والشروع في تهيئة مؤسسات الدول، بعد الانتخابات الرئاسية في مصر، والأخرى التشريعية في ليبيا، وسعي التونسيين إلى القضاء على نظامهم القديم، وجهود السوريين في محاصرة نظام الطاغية، وإسقاط بشار الأسد وعرينه. غير أنه، ومع هذه العودة، فقد بدأت براكين الفضائيات تخرج من حممها لتنفث لهيب نيرانها، ليس ضد الفاسدين والمجاهرين بالمعاصي والإفطار في نهار رمضان وصَدَّ عن محاسنه في المساء، ولكن بغرض تغيير بوصلة الصائمين كعاتها دائمًا. منذ أن أصبح الفضاء يحمل قنوات تدعي الفضيلة، وهي تصل إلى مخادع الأسر العربية لتبث سمومها؛ فتعمل على غرس كافة أشكال الفتن في داخل هذه الأسر، علاوة على الرذيلة التي تعمل دومًا هذه الفضائيات على غرسها. غير أنه، في المقابل ومع ظهور فضائيات إسلامية قبل عدة سنوات، ظهرت معها مساحة البرامج الدعوية بشكل لافت، وتزايدت خلال شهر رمضان من كل عام- إلا أن هناك الكثير من الملاحظات التي يمكن التوقف عندها أثناء تقييم أداء هذه الفضائيات وهى تبث برامجها الدعوية منها: غياب المنهجية وحري بنا، ونحن في كنف الشهر الفضيل، أن نتناول أداء هذه البرامج خلال الشهر المبارك، خاصة وأنها لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب من الحِرَفية والمهنية، وهو الأمر الذي يشدد عليه أستاذ الرأي العام بكلية الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم الذي يشدد على ضرورة أن يتوفر للبرامج الدعوية المهنية والحرفية وهى تخاطب جمهورها، خاصة وأنها تواجَه بجملة من الفضائيات الأخرى التي تسعى إلى النيل منها. ويقول د.العالم :إن الفضائيات الأخرى غير الإسلامية عادة ما تقدم لجمهورها برامج دعوية خلال الشهر المبارك، غير أن هناك فارقًا بين فضائيات تتبنى توجها إسلاميا، ومنه تنطلق لتقدم أطروحاتها المنهجية، وبين فضائيات أخرى تستثمر الشهر المبارك لتقدم جرعات متباينة دون توجه إسلامي لهذه البرامج الدعوية. من هنا، يبدو أن لجوءَ قنوات فضائية إلى عرض برامج دعوية خلال الشهر الكريم تُعَدُّ استثمارًا للعاطفة الدينية والشحنة الروحانية التي تمد المسلمين خلال الشهر الكريم؛ إذ أن هذه القنوات لا تعمل الشيء نفسه في خلاف رمضان، ما يعكس أن اهتمامها بالشأن الدعوي عشوائي، دون أن يكون في إطار من الاستراتيجية الإعلامية، التي ينبغي أن توجِّه بها إلى جمهورها، في ظل تَوْق المشاهدين إلى وسائل إعلامية هادفة تلبي حاجاتهم الدنيوية دون أن تغفل جوانبهم الروحانية والدينية. علاوة على هذا، فإن مِثل هذه الفضائيات أصبحت تعتمد على إنتاج برامج دعوية خلال الشهر المبارك بغرض استقطاب العنصر الإعلاني إلى شاشاتها، مما يستهدف تحقيق أعلى أشكال الربح طوال الشهر الكريم، الدرجة التي جعلت إحدى القنوات تخصص شاشتها- فقط- طوال الشهر الكريم؛ وتحتجب عن مشاهديها في بقية شهور العام؛ أي أن نشاطها يتوقف على شهر رمضان فقط، ولا يمتد إلى ما سواه. وفي هذا الإطار، يؤكد الدكتور علي عجوة، العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة- على أهمية أن يكون للإعلام دور في تغذية الجانب الروحاني والديني لدى جمهوره من المشاهدين؛ لأن الدين مُتجَذر في الشعوب الإسلامية، ولا يجب تقليصه أمام البرامج المدمرة التي تسعى إلى نشر الرذيلة عبر الشاشات المختلفة التي أصبحت تدخل إلى البيوت العربية والإسلامية بسبب الأمر الواقع من جراء لجوء الأُسَر إلى الأطباق الهوائية، بعدما تدنى مستوى المشاهدة للقنوات الأرضية إلى أدنى مستوياتها. ويشير إلى أن فرص نجاح البرامج الدعوية، وخاصة في غير القنوات الإسلامية، ضعيفة للغاية؛ لأنها تعتمد على أهداف محددة؛ وهى: جذب المعلنين إليها خلال الشهر الكريم، وهدف آخر، هو أنها برامج وقتية دون أن تكون لها صفة الاستمرارية أو الديمومة. وكثيرًا ما طالبتُ فعاليات إعلامية مختلفة بضرورة تطوير الخطاب الإعلامي الإسلامي ذاته؛ للدفاع عن الإسلام وقضاياه، وتقديمه في أفضل صورة، وزيادة مساحة البرامج الإسلامية في أجهزة الإعلام العربية، وأن يتم تقديمها في أوقات مناسِبة للمشاهدين، وأن يكون الخطاب الديني في أجهزة الإعلام حريصًا على إبراز ثوابت الإسلام، وأن يكون صاحب الخطاب على علم ودراية بما يقدمه، ومتسلحًا بالفقه الإسلامي ومجريات العلوم الحديثة. خطاب قاصر وتدعو الدكتورة عبلة الكحلاوي، الأستاذ بجامعة الأزهر، إلى ضرورة توحيد الجهود لتقديم الخطاب الديني الإعلامي في أفضل حال، والخروج به إلى العالمية، وملاحظة الفروق الجوهرية بين ما هو مشترك إنساني وما هو خصوصية حضارية. وتُشَدِّد على ضرورة أن تراعي البرامج الدعوية سواء في رمضان أو غيره أنه خطاب مؤسس على مبادئ وقيم من الحق والصدق، ولابد أن يراعي الخلفية الثقافية والعقدية والاجتماعية للمتلقين. وحول المقارنة بين الخطاب الديني في وسائل الإعلام العربية والحكومية وبين الخطاب الديني في القنوات الخاصة؛ تقول: إنه من خلال دراسات قامت بها اكتشفت أن الخطاب الديني بالقنوات الحكومية تحكمه ضوابط محددة وأطر ثابتة غير مسموح بتجاوزها، ويلاحظ ذلك في توحيد الخطاب الديني لخطباء المساجد. وتقول: إن الخُطة العامة للتليفزيون المصري أولت اهتمامًا ملحوظًا للثقافة الدينية، وأن 90% من البرامج الدينية تذاع في أوقات عمل لا تمثل ذروة كثافة المشاهدة للتليفزيون، والكثير منها يفتقد التجديد في الشكل والقالَب الفني. وتضيف، إن هناك برامج ذات مضامين ثقافية ودينية عالية، ولكنها تحتاج إلى تجديد الأسلوب والشكل، بينما الفضائيات ذات التوجه الديني وضعت محاور رئيسة لسياسة القناة لتغطي الإرسال على مدار 24 ساعة. وطالبت بتغيير نمطية الخطابي الديني في بعض الفضائيات بوجود برامج اجتماعية وجماهيرية داعية إلى العمل التخصصي والنوعي، واستيعاب الجمهور، مع مراعاة تنوع ثقافاتهم وتجنب السلبية والارتجالية والحماس والامتزاج بهموم الأمة. وشدَّدت على ضرورة أن تختزل أصول الشريعة والعقيدة في الخطاب الديني الإعلامي وتقديم الوجه الحقيقي للإسلام، وأن تتوحد الجهود العربية والإسلامية لتقديم الخطاب الديني الإعلامي في أفضل صورة، وإعداد منظومة متشابكة من الآليات، وأن يكون القائم بالخطاب الديني على علم ودراية بأحوال عصره وقضايا أمته، والاهتمام بالعلوم السياسة والإنسانية والإعلامية، فضلًا عن درايته بالفقه وأصول استنباط الأحكام والموازنة بين الثابت والمتغير، والخروج بهذا الخطاب إلى العالمية، وهو أمر لا يفترض فيه أن يتوقف عند رمضان، لكن يتجاوزه إلى ما بعد الشهر الكريم. مواجهة التوغل الفضائي ومن جانبه، يؤكد الإعلامي أمين بسيوني على ضرورة نشر أجهزة الإعلام للقيم الروحية، ومواجهة التوغل الأجنبي الفضائي، وذلك بطرح القيم والتقاليد عبر برامجها؛ للمحافظة على الإنسان، وجعله يتمسك بدينه وعقيدته، وأن يكون هناك تناغمٌ وتكاملٌ بين الرسالة الإعلامية والخطاب الديني الذي يوجهه علماء الدين على المنابر. وشدد بسيوني على ضرورة عدم جلد الذات، وأن يتمسك الإعلام العربي بالمسارات الصحيحة بالدين الإسلامي بعيدًا عن التطرف الفكري، والتحقير من شأن الآخرين. منتقدا بُعْدَ بعض وسائل الإعلام العربية عن الدين، وغياب الخطاب الديني عنها، مشيرًا إلى أن الإحصاءات تؤكد أن نسبة البرامج الدينية في الإعلام العربي لا تتجاوز 4 %، فضلًا عن عرضها في أوقات غير لائقة.