شافعي محمد لا تزال الفرق الشبابية في العاصمة مقديشو تعمل مع المنظمات الخيرية المحلية والعالمية، لتسهيل إجراءات نقل المواد الإغاثية وتوزيعها على المتضررين من أزمة المجاعة في الصومال، فقد كان العمل التطوعي في السابق حكراً على الرجال، ولكن بعد انتشار المنظمات الخيرية في مقديشو، دعت الضرورة إلى إشراك الفتيات في هذا العمل الإنساني، حيث يعملن إما ممرضات أو عاملات مع تلك المنظمات، وأصبح هناك عدد كبير من الفتيات الصوماليات اللواتي يعملن بشكل طوعي مع تلك الهيئات الخيرية أو الجهات المحلية من دون مقابل. ومن بين تلك الفتيات حفصة عبدالرحمن التي تعمل مع الهيئات الخيرية المحلية التي تسعى إلى مواجهة الأزمة الإنسانية في مقديشو التي تحتضن قرابة 300 ألف نازح صومالي هارب من الأقاليم الجنوبية في الصومال . وفي مقابلة أجراها مراسل "إسلام أون لاين " مع حفصة عبدالرحمن فارح التي تدرس في كلية الاقتصاد في جامعة مقديشو، تروي حفصة الأوضاع المأساوية التي يرزح تحتها عدد كبير من الصوماليين، وتطلعنا على ما تعانيه مخيمات مقديشو. لا طعام .. ولا مأوى تقول حفصة عبدالرحمن ل"إسلام أون لاين " إنه خلال عملنا الإنساني مع المنظمات الخيرية في مخيمات مقديشو، كانت أحوال النازحين تنفظر لها القلوب، حيث يواجه معظم المشردين أزمة نقص المواد الغذائية وافتقار الملاذ الآمن للاحتماء في ليالي البرد القارس وأيام الحر اللاهب". وتضيف قائلة: قائمة الاحتياجات الأساسية للنازحين لا يمكن توفيرها من قبل المنظمات الخيرية المحلية، بسبب تراكم اللاجئين في تلك المخيمات، وازدياد أعدادهم الهائلة في تلك المخيمات يوماً بعد يوم. وتؤوي مخيمات مقديشو أعداداً كبيرة، حيث أكدت الحكومة الانتقالية أن مخيم"بدبادو" (جنوب مقديشو) يحتضن وحده قرابة 33 ألف نازح صومالي، فيما يقيم آلاف من المتضررين من الكارثة في شتى المخيمات المقامة في شمال وجنوب مقديشو . مخيمات عشوائية وتؤكد حفصة فارح أن سوء التنظيم يسيطر على مخيمات مقديشو، حيث تتكدس أعداد كبيرة في بعض المخيمات، بينما تظل مخيمات أخرى شبه خالية، مشيرة إلى أن فريقها يعمل في مخيمات عدة، منها مخيمات في حي "حمر ججب"، و "ياقشيد"، ومنطقة "تربونكا" وحي "هدن"، ومخيم "بدبادو" في حي "طركينلي" الذي يعدّ أكبر مجمع للنازحين الصوماليين في مقديشو. وبحسب قولها، فإن فريقها يعمل في جلب المواد الإغاثية التي تضم مختلف الأغذية الضرورية، ثم يقوم بتوزيع تلك المواد على البسطاء من الصوماليين، مشيرة إلى أنهن يقمن بعمل تسجيل الأعداد التي تحويها المخيمات، ثم يشرعن في نقل تلك السجلات إلى المؤسسات والمنظمات الخيرية التي يعملن معها، في خطوة تهدف إلى تخطيط مشروع إنساني في تلك المخيمات التي خضعت لإشراف الفتيات الصوماليات. وتتابع قائلة : لقد أنجزنا عملاً رائعاً في مخيم "بدبادو"، حيث تمكنا من حصر عدد النازحين المقيمين في هذا المخيم، مؤكدة أنه بحسب ما تم التوصل إليه من تسجيلات فإن المخيم يحوي قرابة 4 ألف أسرة صومالية. وفي حديثها عن أوضاع النازحين المقيمين في مخيمات العاصمة تقول "حقاً إن وضع الصوماليين المشردين صعب للغاية، ورأيت بأم عيني كيف أن المشردين لم يجدوا مأوى يحميهم من البرد، حيث كانوا عرضة للأمطار الموسمية ليلاً، وحر الشمس اللافح نهاراً " . وتضيف ونبرات صوتها تنطق حزنا: كان وضعهم المزري يدمي الضمير الإنساني الحي، ولم أكن أتوقع أنني سأكتشف وضعاً كهذا، لأن زيارة المخيمات في وقت مبكر يكشف لك عن حالتهم الحقيقية من دون غطاء. وعن تحسن أحوال النازحين الصوماليين بعد المساعدات الإنسانية التي تلقوها من قبل الهيئات الخيرية المحلية والعالمية، تشير حفصة عبدالرحمن إلى أن وضعهم الإنساني لم يتحسن بعد، ولم يقترب بعد من المستوى المطلوب، كما لم تزل الحاجة ملحة إلى تضافر كافة الجهود للحؤول دون تفاقم الكارثة الإنسانية في الصومال . ممرضات ومسعفات وفي حديثها عن أعداد الفتيات المتطوعات في هذا العمل الخيري، تقول " إن عدد الفتيات المتطوعات ويعملن في هذا المشروع، يتراوح عددهم مابين 20 30، وتعمل الفتيات كممرضات ومسعفات للنازحين الصوماليين، حيث يحاولن مقاومة الأمراض الوبائية المنتشرة في أوساط النازحين الصوماليين. ويعاني عدد كبير من النازحين الصوماليين في مخيمات مقديشو أمراضاً وبائية من بينها الكوليرا والحصبة و"التيفوئيد" والإسهال المائي، وتؤكد حفصة أن الأمراض الوبائية تنتشر في أوساط النازحين، مشيرة إلى أن مرض الحصبة والإسهال المائي هما من أشد الأمراض فتكاً بحياة المشردين الصوماليين. وبحسب مصادر طبية ل"إسلام أون لاين" فإن مستشفى بنادر للأمومة والطفولة، يستقبل ما لا يقل عن 57 طفلاً مصاباً بأمراض وبائية، وهم الذين يتم نقلهم بشكل يومي إلى المستشفى في ظل معاناة المستشفى من نقص في الأسرة والأدوية. واللافت للنظر أن عدد المصابين بالأمراض الوبائية يرقدن في باحات المستشفى، نظراً لمحدودية الطاقة الاستيعابية للمستشفى الذي يرقد فيه مئات المرضى الذين يعانون من مختلف الأمراض والأوبئة. وتقول حفصة في حديثها عن دور الفتيات في مجابهة تلك الأمراض "إنهن يعملن في توفير الأدوية والعلاج للنازحين بالمجان، ما يزيح عن كاهل مستشفيات مقديشو حملاً ثقيلاً" وتضيف قائلة: "إن تلك الأدوية والعلاج قدمتها إحدى المنظمات الصحية التي نتعاون معها منذ تفجر الأزمة الإنسانية في الصومال مؤخراً". قصة مبكية وتحكي ابنة عبدالرحمن لمراسل " إسلام أون لاين " عن قصة طفلة متميزة تلعب دور أبيها في إطعام أخوتها، وهي قصة لم تستطع حفصة أن تنساها، لتروي لنا قصة تلك الطفلة التي تسعى إلى جلب الرزق لأشقائها الذين لا حول لهم ولا قوة. وتقول إن أسرة الطفلة نزحت من أقليم "باي"، وكان للأسرة مزرعة ومواشي تدر أرباحاً جيدة، وكانت الحالة الاقتصادية للأسرة متوسطة، ولم تكن من تلك الأسر التي تمد اليد إلى الآخرين، لكن بعد أن حلّت المجاعة والجفاف على المنطقة، لم يبق للأسرة إلا عدد قليل من الأبقار، بينما ماتت ربة المنزل ميتة ربها في الطريق إلى مقديشو، أما ما تبقى من الأبقار فقد تم بيعه من أجل مواصلة مسيرة الطريق إلى العاصمة، وتقول الطفلة ل"حفصة" وصلنا إلى العاصمة ونحن خالي الوفاض . وتضيف حفصة فارح: شرعت الطفلة في مزاحمة الكبار في طوابير انتظار المواد الإغاثية محملة بعلبها وأكياسها، بحثاً عن طعام وشراب لأشقائها الصغار، وتنقل حفصة عن الطفلة قولها " في بعض الأحيان لا أحصل على أي طعام من مراكز التغذية، بسبب الازدحام ولا أقدر في تلك الأوقات على مزاحمة الكبار، فتنهار قواي أمامهم". وعلى الرغم من ذلك، فإن الطفلة لا تعود إلى البيت من دون شيء تسكت به جوع أخوتها، حيث تقوم بالتسول في شوارع مقديشو، علها تجد من يهبها بعض المال الذي تشتري به ما يسد رمق هؤلاء الأطفال أو يبل ريقهم