كم كان ذكرى يوم 17 من ديسمبر 2011 مميزا في حياتي، كيف لا وهو يوافق واحد من أهم المنعطفات التاريخية في حياة الشعوب العربية قاطبة، ذلك اليوم حين قرر شاب تونسي نحيل الجسم عربي القسمات تونسيوا الهوى تقاذفته أنياب البطالة وقحط السنين وقلة ذات اليد وهو شاب جامعي أن يعمل على عربة لبيع الخضار، ومع ذلك لم تتركه ظلمات نظام زين العابدين وحيدا بل أذاقته صفعة حطمت فيه كل ماتبقى من بقايا الكرامة والانسان التي لطالما حاول أن يلملمها عبر حياة سنينه الكادحة. إنه محمد البوعزيزي بل أنه البوحديدي بل قل إنه عرّاب الربيع العربي بكله، رحمك الله يامن أشعلت بجسدك أمة كانت تقبع خلف النسيان، رحمك الله يامن أيقظت المارد ومسحت على الفانوس حتى خرج المارد الذي ظل محبوسا في دهاليز الفقر والمرض والبطالة والخوف والمهانة، رحمك الله يامن جعلتنا نرفع رؤوسنا من جديد ونستنشق عبير الحرية ونسائم الكرامة، رحمك الله يامن جعلتنا نفتخر مجددا بأننا عرب بعد أن جعلت منا تلك الأنظمة المقيتة والديكتاتورية بقايا أشباح نتطفل من حين لآخر من أجل نمر بهدوء في هذه الحياة من غير أن نغير في شئ. أنت يامن أخرجت التونسيين عن بكرة أبيهم ضد حكم مسخ وجلاد يدعى زين العابدين وجعلتهم يصنعون ثورة الياسمين من بين أشواك نظام الهارب بن علي لكي يعلنوا أن قطار الربيع العربي بدأ بالتحرك، أنت يامن أرجعت لأرض الكنانة صباها وجعلتها تهب بسواعد شبابها الى ميدان التحرير لتصنع المعجزة ولتخلع ذاك القبيح والعميل الذي جثم على قلوب المصريين لعقود نكل فيها بشعب مصر العظيم ولتعلن ميلاد ثورة يناير المبهرة، أنت يامن جعلت الليبيين يخرجون مجنون العصر الأول معمر القذافي من جحره مثل الجرذ ليذوق من نفس الكأس الذي وصف بها أحفاد عمر المختار من شعب ليبيا الثائر على مر العصور، أنت يامن جعلت اليمنيين يخرجون الى ساحات التغيير وميادين الحرية ليعلنوها مدوية أن انتهى عصر الظلم والفساد وآن لشعب الحكمة والإيمان أن يعيد البسمة أخيرا لليمن السعيد بعد 33 عاما من حكم الشاويش، أنت يامن لبت نداءك درعا لتعلن ميلاد ثورة سوريا المجيدة وجعلت شامنا الأبية تخلع أنياب الأسد الواهنة وتعلن للعالم أن "سوريا بدها حرية". تكاد العبرات تختلج في صدري وأنا أكتب هذه السطور لأن يوم 17 من ديسمبر 2010 لم يكن يوما عاديا في تاريخ بني العرب، لقد جعلتنا نرى السيد مصطفى عبد الجليل بدلا من القذافي والفرق بينهما كأنه المشرق والمغرب، جعلتنا نرى الغنوشي ونهضته ودموع المنصف المرزقي بدلا من بن علي الذي لم تدمع عينه لحال تونس الخضراء يوما، نعم يابني شعبي إنه الربيع العربي هب الينا وعلينا أن نتشبث به ومن فاته قطار الربيع العربي سوف يظل يعيش لبقيت عمره بالشتاء وقسوته.