وزير إصلاحي الجنوب لا يمكن أن يتوحد مع نظام امامي في صنعاء    مصر تحصل على عدد من راجمات صواريخ WS-2 بمدي 400 كم    منجز عظيم خانه الكثير    سبب انزعاجا للانتقالي ...الكشف عن سر ظهور الرئيس علي ناصر محمد في ذكرى الوحدة    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    اتالانتا بطلا الدوري الاوروبي لكرة القدم عقب تخطي ليفركوزن    بمناسبة يوم الوحدة المغدور بها... كلمة لا بد منها    السفارة اليمنية في الأردن تحتفل بعيد الوحدة    سموم الحوثيين تقتل براءة الطفولة: 200 طفل ضحايا تشوه خلقي    الكشف عن القيادي الحوثي المسؤول عن إغراق السوق اليمني بالمبيدات المحظورة    حقيقة افلاس اكبر البنوك في صنعاء    في سماء محافظة الجوف.. حكاية سقوط حوثي.    "أهل شرعب أرق قلوباً و حسين الحوثي إمام بدعوة النبي إبراهيم"؟" حوثيين يحرفون احاديث الرسول وناشطون يسخرون منهم (فيديو)    ساعة صفر تقترب: رسالة قوية من الرياض للحوثيين    أول تعليق حوثي على إعلان أمريكا امتلاك الحوثيين أسلحة تصل إلى البحر الأبيض المتوسط    محاولا اغتصابها...مشرف حوثي يعتدي على امرأة ويشعل غضب تعز    قيادي انتقالي: تجربة الوحدة بين الجنوب واليمن نكبة حقيقية لشعب الجنوب    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل تقر تعديلات على لائحة إنشاء وتنظيم مكاتب التشغيل الخاصة    بيب يُعزّز مكانته كأحد أعظم مدربيّ العالم بِحصوله على جائزة أفضل مدربٍ في الدوري الإنجليزي!    رئيس انتقالي لحج يتفقد مستوى النظافة في مدينة الحوطة ويوجه بتنفيذ حملة نظافة طارئة    إجتماعات عسكرية لدول الخليج والولايات المتحدة في العاصمة السعودية الرياض مميز    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    الهجري يتلقى التعازي في وفاة والده من محافظي محافظات    سيلفا: الصدارة هدفنا الدائم في الدوري الانكليزي    مفاوضات إيجابية بين بايرن ميونخ وخليفة توخيل    اليابان تسجل عجزاً تجارياً بلغ 3 مليارات دولار    الحكومة اليمنية ترحب بقرار إسبانيا والنرويج وايرلندا الإعتراف بدولة فلسطين مميز    رونالدو على رأس قائمة منتخب البرتغال في بطولة أمم أوروبا    نافذون حوثيون يسطون على مقبرة في بعدان شرق محافظة إب    انقلاب حافلة محملة بالركاب جنوبي اليمن وإصابة عدد منهم.. وتدخل عاجل ل''درع الوطن''    أغادير تستضيف الملتقى الأفريقي المغربي الأول للطب الرياضي    إعدام رجل وامرأة في مارب.. والكشف عن التهمة الموجهة ضدهما (الأسماء)    اعلان القائمة الموسعة لمنتخب الشباب بدون عادل عباس    ورحل نجم آخر من أسرة شيخنا العمراني    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في إصلاح مسار الحراك أو إنقاذه من فخ التسلح والانقسام فتحي أبو النصر
نشر في عدن أون لاين يوم 17 - 02 - 2012

موجة التسلح التي سرت في الحراك مؤخراً ستضيف إلى البلد عبئاً جديداً أكثر خطراً من بقية الأعباء ما لم يتم تداركها، إذ تبدو اللغة المنادية بذلك ذات عقد مستعصية تجاه السلمية ورؤى راكدة التصورات، ومن المفارقة أن يأتي الأمر في ظل الثورة التي جعلت الحراك في وضع أفضل باعتبار أن هذه حقبة للتفاؤل وليس للعكس.
من الواضح أيضاً أن ذوي الأغراض الذين لا تهمهم القضية الجنوبية هم من يتزعمون هذا الخطاب، إذ يعيشون كمهووسين بالسلاح والعنف داخل أحلامهم المضطربة غير المسؤولة.
فمن مواجهات نظام علي عبد الله صالح للحراكيين والثوار، تحول المشهد إلى مواجهات حراكيين كما يسمون أنفسهم للثوار كذلك.
وبالنسبة لعدد متزايد من الجنوبيين فإن هناك رفضاً قاطعاً لهذا المسعى لا شك، المسعى الذي سيدخل القضية الجنوبية في أخطر مآزقها على الإطلاق، بينما لم يأتِ من باب المصادفة بالتأكيد، بل إن الصورة الماكرة لنظام علي عبد الله صالح تظهر جلية في المشهد، إضافة إلى قوى إقليمية بالطبع. على أن المبادرة الخليجية التي أدت إلى حتمية موعد الانتخابات الرئاسية تعد سبباً بارزاً في هذا التوجه الفوضوي لعرقلة الانتخابات.
هناك بالطبع خلافات متفاقمة بين قيادات الحراك نفسه مثلت أحد الأسباب التي أدت إلى منطق العنف، إلا أن السبب الرئيس يتمثل في نظام علي عبد الله صالح الذي دفع باتجاه شق الحراك إلى حراكات وجماعات صغيرة يتزعمها قادة يفتقدون للرؤية، كما أن لديهم إرثاً من الغوغائية والضجيج. وما بين الحراك الذي صار بقبضة نظام علي عبد الله صالح، ثمة حراك آخر اتجه نحو القبضة الإيرانية. ذلك أن إيران صارت تطوق الحراك الجنوبي من جهة، كما تطوقه من جهة أخرى بقايا نظام علي عبد الله صالح. على أن ما بين الجهتين ثمة مقاومة عنيدة لكل ما يجري من قبل قياديين حراكيين ذوي أفق ناضج وحيوي.
طبعاً من الضروري أن يتبنى زعماء القضية الجنوبية عملية إنقاذ الحراك على نحو عاجل.. عليهم أن يخوضوا لحظة التحدي التي تمر بها اليمن الآن دون استثناء عبر تجنب فخ التسليح أولاً، والحفاظ على مكتسبات القضية الجنوبية ثانياً.
ما دون ذلك سيتم تقويض القضية الجنوبية كثيراً، خصوصاً أن مسألة التسليح بالذات ستفتح عديد جبهات حرب بين جنوبيين وجنوبيين، كما بين جنوبيين وشماليين إضافة إلى جنوبيين وأي نظام قادم.
والمؤسف أن تتعالى تلك الأصوات ونحن على أعتاب مرحلة بالغة الأهمية تحتاج مزيداً من الاصطفاف، كما أن المطلب الملح فيها تجسيد مبدأ الثقة بين جميع المتضررين من سياسات نظام علي عبد الله صالح. بيد أنه الإشكال السياسي والاجتماعي الذي يتمدد في الجنوب منذ فترة، وله أن يؤثر على الحالة الاقتصادية اليمنية الأقل نمواً في العالم، في حين سيخلف بالتأكيد ما هو أسوأ على كل المستويات. بالتالي كيف يمكن أن نبرر لمن يقول إن الثورة هي العدو الأول للقضية الجنوبية، مع أن القضية الجنوبية هي الامتداد الطبيعي للثورة.
محمول القضية الجنوبية أن لا أحد وصياً عليها لا الإصلاح ولا الاشتراكي ولا الحراك ولا أي قوى إقليمية غير شعب الجنوب نفسه. والشاهد اليوم أن الحراك في فخ التسلح والارتهان منقسماً على نفسه إذ إن الحراكيين يعانون جداً من تجنيحات مختلفة في مكونهم الرئيسي على عكس الثوار (الذين لهم نواة سياسية صلبة متماسكة يمثلها المشترك). وبالتأكيد ليس من أخلاقيات الحراك حرق وسلب عشرات المحلات التجارية التي تتبع شماليين كما تجدد في شحر حضرموت مؤخراً.
في الوقت نفسه ثمة جماعات تتصرف دون ضوابط في عدن باسم الحراك تستهدف أنصار الثورة، رغم أن عدن هي التي كانت قدمت أول شهيد في ثورة الشباب كما هو معروف.
لذلك سيتعذر على القضية الجنوبية أن تجد سنداً سياسياً أو أخلاقياً بعد أن تجد نفسها وقد ضاعت بين هذا الهباء الانشقاقي أو العنفي. كما سينقسم الجنوب إلى إرهابيين ومواطنين بفعل التسليح، ومن شأن ذلك إدراج الحراك عالمياً كمنظمة إرهابية بحسب ما ألمح إلى هذا مسؤول أوربي مؤخراً.
تفيد المعلومات بتواصل قيادات في نظام صالح مع جماعات في الحراك للتنسيق لعرقلة إقامة الانتخابات في محافظات الجنوب بالذات، وصولاً إلى استخدام الورقة الجنوبية لضرب المشترك في حال نجاحها على الأقل.
وفوق ما سبق تبقى محاولات اختلاق أوهام الهوية المتميزة في الجنوب خائرة بل وخاوية، كما يبقى صاحب النفوذ الحقيقي في القضية الجنوبية هو النضال السلمي فقط.
مختصر الكلام أن الضجيج اللا وطني الرديء صار يتعالى بإفراط من أسماء تدعي أنها في الحراك لتسليحه أو استخدامه لصالح قوى إقليمية ذات أجندات طائفية واستراتيجية في اليمن، بينما الحراك الذي أدهش العالم بسلميته ومساره السياسي العميق والمجتهد لا يمت لهذه الدعوات بصلة.
ذلك أننا نشهد منذ منتصف 2007 نضالات جنوبية سلمية رفيعة لم تقبل أن تكون ورقة للتصارع الإقليمي، وهي نضالات ضد المركزية الشمالية في الحكم وتزايد جرعات القهر الوحدوي بسبب التعسف في الشراكة وسياسات الإقصاء والتهميش والعجرفة من قبل نظام علي عبد الله صالح .
لكن النظام نفسه هو من شجع مع بداية الثورة كل مظاهر الانفلات الأمني في المحافظات الجنوبية بشكل مكشوف، كما أنه من ربط القاعدة بالحراك بعد أن اخترقه بشكل أوسع، لنجد القضية الجنوبية أخيراً وقد صارت تتموضع في الحضن الإيراني أيضاً عبر قيادات حراكية في الخارج كما تؤكد المعلومات.
والحاصل أن جماهير في الحراك تنضم بشكل حماسي غير محسوب إلى تلك الدعوات التي تتصاعد بعيداً عن كثير من نخبته الموضوعيين وطنياً وقيمياً، يساهم في ذلك : الجهل الاجتماعي والسياسي الخطير بالمآلات التي سينهجها التسلح بالطبع، في حين يبقى الخوف مبرراً من أن يصبح تسلح الحراك تحولاً جذرياً من شأنه أن يهدد الاستقرار تماماً في البلد.
غير أن قيادات حراكية بارزة تعارض مثل هذا الانحراف بشدة بحيث لم تنزلق إلى خيار التخلي عن أخلاقياتها السلمية والوطنية، فمثلما دخلت القضية الجنوبية التاريخ السياسي اليمني المعاصر حتى تصدرت كل القضايا والهموم الوطنية، ثمة من يعمل للأسف على إخراجها– أو الإسفاف بها- بشكل دوغمائي مهين.
هذا الاستدراج لفخ تسليح أو ضرب أخلاقية الحراك يبقى من السهولة التوثّق من أهدافه التي من شأنها أن تصل باليمنيين إلى مستويات خطيرة من الاحتراب وانهيار كل قيمة موضوعية راكمها الجنوب في نضالاته، خصوصاً وأن الأكثر تفريطاً بالقضية الجنوبية اليوم هم هذا النوع من الادعائيين أو المتطرفين الذين صاروا- بوعي أو بدون وعي- الأكثر تأميناً لبقايا نظام علي عبد الله صالح ومصالحه بحسب لغتهم المفتقدة للمسؤولية كلغة تحريضية مسممة لا تليق بعظمة القضية الجنوبية على الإطلاق.
كان القيادي الحراكي البارز العميد ناصر النوبة اتهم قيادات حراكية في الخارج بشق الحراك بأموال إيرانية عبر تصريحات أدلى بها ل «الشرق» القطرية قبل أيام، إذ قال إننا «منذ سنوات توقعنا هذا التدخل وحذرنا دول الخليج والمنظومة الدولية وكافة الأطراف في وقته من أن دخول إيران على الخط في قضايا اليمن بشكل عام، وبشكل خاص في الجنوب، لا يخدم المنطقة ويهدد بقنبلة موقوتة ستنفجر في أي وقت ممكن خصوصاً وأن طهران تبحث عن ذراع طائفي».
كذلك كان الحراكي المعروف عبد الله حسن الناخبي طالب الجماهير الجنوبية عبر «الشرق» القطرية- أيضاً- إلى عدم الانسياق وراء التحركات الإيرانية التي بدأت ملامحها في شمال اليمن وجنوبها، كما طالب علي سالم البيض ألا يكرر الخطأ ذاته الذي ارتكبه هو وعلي صالح في الوقوف مع نظام صدام حسين ومباركتهم للتدخل العراقي في دولة الكويت الشقيقة إبان حكم صدام، محذراً البيض في هذا السياق من خطورة مد حبال العلاقة مع إيران. وأضاف الناخبي أن على المسؤولين في نظام طهران ترك الشعب اليمني وشأنه، مشيراً إلى أن ملامح المساعي الإيرانية بدأت تظهر في الشمال والجنوب، فيما عزيمة اليمنيين حيال رفض ذلك قوية جداً.
خلافاً للناخبي والنوبة كان القيادي في الحراك حسن زيد بن يحيى المعروف بمناصرته للمشروع الإيراني أكد في حديث للقناة الفضائية اليمنية قبل أيام أن الجنوب العربي سينتصر بدعم إيران، بينما كان زيد أعلن خلال الأيام الماضية أن «الحوثيين رفاق نضال مشترك» و«أن هناك تحالفاً استراتيجياً بين الحوثيين والحراك الجنوبي، وأنه ذاهب نحو التطور».
لقد صار من الواضح لا شك أن هناك من يريد تأجيج الأوضاع في الجنوب بحيث يغامر على نحو يائس ومتهور ليهدم كل ما تراكم من إيجابيات سياسية وأخلاقية للقضية الجنوبية. وعليه لابد أن يضاعف خيار القوة في الجنوب من القوة المضادة، وهنا مكمن الإشكالية الكبرى المحدقة باليمنيين جميعاً.
إلا أنه في مواجهة هذا الاحتمال الجديد، لازالت تعلو الصرخات التحذيرية من داخل الحراك وخارجه أيضاً، بينما يبدو المشهد المرئي والمسموع في الجنوب للأسف مثخناً بالعنف واللغة الانتقامية من كل ما هو شمالي حتى الناس العاديين.
علي سالم البيض زعيم تيار فك الارتباط قال في حوار أجرته معه جريدة «الوطن» الكويتية قبل يومين «المشكلة الحاصلة عندنا أن إخواننا اختطوا طريقاً آخر غير الطريق الذي اختاره الشعب بالجنوب. الشعب اختار طريق الاستقلال لا غيره. وشهداؤنا كلهم على هذا الطريق وهؤلاء الإخوان يقولون نحن مع هذا الطريق، ولكن عبر معبر آخر وهو الفيدرالية. نحن نعتبر أن الفيدرالية تودينا في حوش الدحابيش».
بالتأكيد فإن المسؤول عن القضية الجنوبية ليس الحراك أو شخصاً أو حزباً سياسياً، بل الشعب في المحافظات الجنوبية كما يقول العميد عبد الله الناخبي أحد أبرز قيادات الحراك، مؤكداً في حوار صحفي معه منتصف الأسبوع الماضي «انه لا بد من الحفاظ على الوحدة، لكن بشراكة جديدة»، ومشددا في الوقت ذاته على حركة «تاج» باحترام العمل السلمي. إلا أن ما يوصف بالقيادي في حركة تاج محمد صالح طماح صرح مؤخراً ل «نيوز يمن» بإفشال الانتخابات الرئاسية من قبل الحراك ملوحاً بالكفاح المسلح للتصدي بالقوة للجان الانتخابية وإحراق صناديق ووثائق الاقتراع ومنع أي شخص من المشاركة.
الواقع أن هناك جهة تريد حرف مسار الحراك وإدخاله في معركة صراع لا مبرر لها مع المشترك (الإصلاح بشكل خاص). صحيح أن هناك من يشدد على مواجهة الإصلاحيين بنبرة مقززة هناك، وكأن الإصلاحيين أو المشتركيين عموماً في الجنوب ليسوا جنوبيين، أو لكأن دعمهم للثورة بإعتبارها خلاص اليمنيين جميعاً يجعلهم يقفون ضد القضية الجنوبية قضية اليمنيين الأبرز وبالتالي يحملون السلاح ضدها! إلا أنه المنطق الذي لا يمكن أخذه بالحسبان والاعتبار.
إزاء ذلك سيقول أحدهم إن هناك مسلحين تابعين للإصلاح يواجههم الحراك مثلا، وأقول: لماذا يتسلح حراكيون الآن بالتحديد؟ في حين كان نظام علي عبد الله صالح مسلحاً طيلة السنوات الماضية ويواجه الحراك بشكل قمعي متصاعد؟ أقصد هل الإصلاح المسلح كما يقولون هو الذي دفع فجأة بحراكيين للتسلح من أجل مواجهته؟ (أمر لا يعقل).. وأصلاً ما هي مصلحة الإصلاحيين من التسلح أساساً؟ أخاف فقط أننا لم نعرف بعد بأن الإصلاحيين يريدون طرد الحراكيين من الجنوب وقيامهم بوأد قضيتهم تماماً! إنه الكلام الذي لا يقنع أحداً برأي أي مراقب محايد، فيما يبدو كذريعة دعائية مفضوحة لا أكثر، إذ من غير المعقول في الجنوب ازدياد النبرة التي ترى أن المعارضة مثل السلطة في استهداف القضية الجنوبية، كما من غير اللائق أن يصير الحراك الجنوبي في حالة ضياع كهذه، مع أنه من حق الحراك الجنوبي أو أي قوة أخرى غيره إسقاط الانتخابات لكن ليس بالقوة.
فعلى سبيل المثال تحولت ساحة الحرية بكريتر مساء السبت الماضي إلى خراب بعد مداهمتها من قبل مئات من عناصر تدعي أنها في الحراك اقتحمت الساحة واعتدت على شباب الثورة المعتصمين هناك وأحرقت الخيام (يحمل بعضهم السلاح والعلم الجنوبي). ولا ننس أنه تم الاعتداء على عديد لجان انتخابية في أكثر من منطقة في الجنوب مؤخراً، كما كان الشارع الرئيسي بمديرية المعلا شهد الجمعة قبل الماضية مصادمات مؤسفة بين أنصار الثورة ومن يقولون إنهم أنصار الحراك أثناء فعالية كبرى دعا لها شباب الثورة السلمية للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاندلاعها، أدت إلى قتيلين في صفوف الثوار من المؤيدين للانتخابات الرئاسية. بحسب مصادر موثوقة في الميدان بدا الأمر محاولة مكشوفة لاختراق الجانبين بترتيب أمني حيث توافقت مع تفاقم مشاهد نقاط التفتيش في كل مديريات عدن من قبل مسلحين يحملون العلم الجنوبي في ظل انسحاب للقوات الأمنية بشكل مفاجئ من الجولات والمنافذ المؤدية للمديريات.
من ناحيتها كانت اللجنة المنظمة لشباب الثورة السلمية بعدن عقدت مؤتمراً صحفياً عقب الأحداث دحضت فيه بالصور ومقاطع الفيديو كل الأكاذيب التي روجتها بعض وسائل الإعلام من أنهم كانوا مسلحين قاموا بالاعتداء على أنصار الحراك، كما أكدت إن ما حدث تم تدبيره من قبل جهات غير منتمية لشباب الثورة ولا إلى الحراك، هدفت إلى صناعة خلافات لا وجود لها بين الطرفين تستفيد منها أطراف أخرى.
يقود ما سبق إلى أن ثمة طرفاً ثالثاً يريد الزج بالطرفين إلى دائرة المواجهة والصراع، ويبقى الخوف أن تتدهور الأوضاع إلى حد لا يمكن تطويقها هناك. غير أن ثمة معطى هاماً يسمح بتصحيح سمعة القضية الجنوبية خصوصاً وأن مكونات وقيادات في الحراك الجنوبي، إضافة إلى شخصيات سياسية واجتماعية، أدانت بشدة الحادثتين السابقتين.
تعليقاً على جمعة 3 فبراير كان الأمين العام للحراك الجنوبي لمجلس عدن العميد ناصر الطويل اتهم «بقايا نظام علي عبد الله صالح بتوزيع السلاح وإشعال الفتنة في عدن بين أنصار الحراك الجنوبي وأنصار شباب الثورة»، وقال في تصريحات ل «الخليج» الإماراتية إن «ما حدث مأساوي ومرفوض»، كما دان «احتكاك الجنوبيين مع أنفسهم إلى حد استخدام السلاح»، وأوضح أن أسباب سقوط الجرحى والقتيلين وجود فعاليتين للطرفين في مكان واحد، الأولى تؤيد فكرة إقامة الانتخابات الرئاسية المبكرة وأخرى لأنصار الحراك الجنوبي ترفض إقامتها.
وكان الطويل قال ل «واشنطن بوست» في وقت سابق أيضاً «لقد أصبحنا أكثر قوة نتيجة للوضع السياسي وأصبحت وجهة نظرنا أكثر قوة». وفي لقاء حديث معه كشف الطويل لقناة «بي بي سي» عن وجود جناح مسلح للحراك الجنوبي خارج عن السيطرة وقال :«إنه الحراك المخترق وهناك مجموعة من الحراكيين مسلحون لا نعرف من أين، وهم من يعملون لنا المشاكل التي نحن في غنى عنها». مضيفاً «نحن نقاطع الانتخابات بطريقة حضارية سلمية وليس بفرض رأينا على الآخرين».
من ناحيته كان عبد الباري دغيش البرلماني عن إحدى دوائر مدينة عدن شدد في تصريح صحفي ل«الجزيرة نت» على أن مبادئ النضال السلمي والديمقراطية لا تعطي الحق لأي طرف بممارسة العنف أو التلويح به وتهديد الآخرين بسبب خياراتهم السياسية أو قناعتهم الفكرية، وتعطي الحق لأي طرف بالدعوة لخياراته السياسية بالوسائل والأساليب السلمية فقط دون اللجوء إلى ممارسة العنف.
كذلك يعلق القيادي الاشتراكي عيدروس نصر ناصر على حادثة جمعة 3فبراير بالقول «من قراءاتي عن حادثة يوم 3 فبراير في المعلا بل وقبل هذه القراءة تسرب إلى ظنوني الكثير من الشكوك عن وجود طرف ثالث يمكن أن يكون قد خطط لهذه اللحظة وما سيلحقها من تداعيات، ولنا أن نتصور أن جهازاً أمنياً يتعاون مع تنظيم القاعدة ويسلمها محافظات بكاملها هل يمكننا تصور أنه لن يفكر في دق الأسافين بين شباب الحراك وشباب الثورة؟ أتصور أن الملثمين الذين شرعوا في إطلاق النار على الشباب لا يمكن أن يكونوا إلا مكلفين من طرف ثالث يريد إشغال شباب الثورة والحراك معا ليتفرغوا لبعضهم بدلاً من الاتجاه نحو إنجاز مهمة إسقاط النظام ومن ثم التحاور حول المداخل المختلفة لحل القضية الجنوبية».
أحزاب اللقاء المشترك أدانت بشدة جريمة إحراق ساحة الحرية بمدينة عدن والاعتداء على شباب الثورة هناك حيث استبعد الناطق الرسمي للمشترك د. عبده غالب العديني تورط الحراك الجنوبي في الحادثة، وقال إن الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية الذي يعد النواة الأولى للنضال السلمي في اليمن لا يمكن أن يرتكب مثل هذه الجرائم البشعة التي تتنافى مع أبسط معايير وأسس العمل الوطني السلمي، معتبراً أن ما حدث محاولة من قبل بعض الأطراف لتشويه الصورة الجميلة لتاريخ الحراك في النضال السلمي. وقال: ندرك أن إخواننا في الحراك الجنوبي حريصون كل الحرص على أمن البلد واستقراره، ومثلما أنهم جزء من الحاضر سيحرصون على أن يكونوا جزءاً من المستقبل.
على أن أجندة التسلح في الجنوب عموما تسيء إلى الحراك الجنوبي ونضاله السلمي الذي انطلق قبل سنوات كما تسيء إلى الإصلاحيين وتخدم طرفًا ثالثًا كما يرى الصحفي المقيم في عدن نشوان العثماني.
بموازاة ذلك كان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، قال في مقابلة مع صحيفة «يمن تايمز» أجريت مؤخراً إنه قلق على عدم إجماع الحراك الجنوبي على وجهة نظر سياسية موحدة.
بقي أن نشير إلى أن صنعاء كانت شهدت الشهر الأخير تحركات دبلوماسية لوفود من الاتحاد الأوروبي وأمريكا التقت قيادات في الحراك السلمي وناقشت معها ضرورة فتح حوار وطني ليشمل جميع الأطراف اليمنية ترجمةَ لما جاء في المبادرة الخليجية التي أسندت الإشراف على ملف القضية الجنوبية إلى فرنسا.
وللتذكير كان المحلل المرموق سامي غالب كتب تحليلاً لافتاً في 28 ديسمبر 2010 جراء التغيرات الأدائية التي طرأت على نضالات الحراك، نورده هنا تعزيزاً لما سبق إذ قال فيه «إن أكثر ما تحتاج إليه القضية الجنوبية هذه الأيام هو صمت ممثليها»، معتبراً أن «القضية الجنوبية دخلت أخطر فتراتها مع نهاية عام 2010، عام التشرذم والتشظي الحراكي، عوض أن يكون عام الوحدة والانطلاق حسبما أعلن بعض زعماء الحراك في الداخل والخارج، قبل نحو عام. فالذي حصل هو استعار الحرب على "تمثيل الضحية" حتى وإن أدى الأمر إلى طرح ورقة "التفوق الأخلاقي" جانباً».
غالب أدان في رؤيته المعتبرة تلك «انغماس من يفترض أنهم قياديون حراكيون في رطانات وطنطنات لفظية تبرهن على خواء سياسي وفراغ قيادي وشتات ذهني» بينما تقدمت في الموازاة- حد قوله- «مجموعات عنفية إلى صدارة المشهد الجنوبي ملحقة أضراراً بجوهر القضية وطابعها السلمي».
وتابع غالب إنه في عام البلبلة هذا - حسب وصفه- «دفعت القضية الجنوبية ضريبة مقامرات الزعماء وتنظيرات الجوف الصغار والتصريحات الخرقاء للطارئين على الحراك في الداخل والخارج، أولئك الذين اهتبلوا الفرص للتغلغل في تجاويف الحراك التي بانت خلال الشهور الماضية بفعل النرجسيات والتهويمات التي طبعت سلوك رموز الحراك، وبخاصة أولئك الذين وثبوا إلى قيادة المجلس الأعلى للحراك ومجالس الحراك في المحافظات، ثم تشابهت عليهم الصور، فظنوا أنهم قد بلغوا سدرة المنتهى!».
كما خلص غالب إلى القول «إنه في 2010 دفع الحراك السلمي الجنوبي - يتوجب أن نقول- فاتورة وثبة أخرى جرت في 2009 عندما تم رهن القضية الجنوبية بما يمكن وصفه ب "أيديولوجيا فك الارتباط"، دون حسبان للآثار السلبية المترتبة على هذه الخطوة العاطفية وغير المحسوبة، التي أدت إلى تحويل الحراك الشعبي إلى عراك قيادي بين شخصيات توهمت نصراً قريباً بعد أول انعطافة، وبدلاً من جلب التأييد للقضية الجنوبية كما كان الحال عامي 2007 و2008، انصرف قياديو الأمر الواقع إلى لعبة كراسي في يافع والضالع وردفان وزنجبار، مخلين الساحات لقطاع الطرق والمخبرين والجواسيس».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.