اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    برشلونة قد يهبط للمستوى الثاني اوروبيا والخطر قادم من ليفركوزن    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في إصلاح مسار الحراك أو إنقاذه من فخ التسلح والانقسام
نشر في المصدر يوم 17 - 02 - 2012

موجة التسلح التي سرت في الحراك مؤخراً ستضيف إلى البلد عبئاً جديداً أكثر خطراً من بقية الأعباء ما لم يتم تداركها، إذ تبدو اللغة المنادية بذلك ذات عقد مستعصية تجاه السلمية ورؤى راكدة التصورات، ومن المفارقة أن يأتي الأمر في ظل الثورة التي جعلت الحراك في وضع أفضل باعتبار أن هذه حقبة للتفاؤل وليس للعكس.
من الواضح أيضاً أن ذوي الأغراض الذين لا تهمهم القضية الجنوبية هم من يتزعمون هذا الخطاب، إذ يعيشون كمهووسين بالسلاح والعنف داخل أحلامهم المضطربة غير المسؤولة.
فمن مواجهات نظام علي عبد الله صالح للحراكيين والثوار، تحول المشهد إلى مواجهات حراكيين كما يسمون أنفسهم للثوار كذلك.
وبالنسبة لعدد متزايد من الجنوبيين فإن هناك رفضاً قاطعاً لهذا المسعى لا شك، المسعى الذي سيدخل القضية الجنوبية في أخطر مآزقها على الإطلاق، بينما لم يأتِ من باب المصادفة بالتأكيد، بل إن الصورة الماكرة لنظام علي عبد الله صالح تظهر جلية في المشهد، إضافة إلى قوى إقليمية بالطبع. على أن المبادرة الخليجية التي أدت إلى حتمية موعد الانتخابات الرئاسية تعد سبباً بارزاً في هذا التوجه الفوضوي لعرقلة الانتخابات.
هناك بالطبع خلافات متفاقمة بين قيادات الحراك نفسه مثلت أحد الأسباب التي أدت إلى منطق العنف، إلا أن السبب الرئيس يتمثل في نظام علي عبد الله صالح الذي دفع باتجاه شق الحراك إلى حراكات وجماعات صغيرة يتزعمها قادة يفتقدون للرؤية، كما أن لديهم إرثاً من الغوغائية والضجيج. وما بين الحراك الذي صار بقبضة نظام علي عبد الله صالح، ثمة حراك آخر اتجه نحو القبضة الإيرانية. ذلك أن إيران صارت تطوق الحراك الجنوبي من جهة، كما تطوقه من جهة أخرى بقايا نظام علي عبد الله صالح. على أن ما بين الجهتين ثمة مقاومة عنيدة لكل ما يجري من قبل قياديين حراكيين ذوي أفق ناضج وحيوي.
طبعاً من الضروري أن يتبنى زعماء القضية الجنوبية عملية إنقاذ الحراك على نحو عاجل.. عليهم أن يخوضوا لحظة التحدي التي تمر بها اليمن الآن دون استثناء عبر تجنب فخ التسليح أولاً، والحفاظ على مكتسبات القضية الجنوبية ثانياً.
ما دون ذلك سيتم تقويض القضية الجنوبية كثيراً، خصوصاً أن مسألة التسليح بالذات ستفتح عديد جبهات حرب بين جنوبيين وجنوبيين، كما بين جنوبيين وشماليين إضافة إلى جنوبيين وأي نظام قادم.
والمؤسف أن تتعالى تلك الأصوات ونحن على أعتاب مرحلة بالغة الأهمية تحتاج مزيداً من الاصطفاف، كما أن المطلب الملح فيها تجسيد مبدأ الثقة بين جميع المتضررين من سياسات نظام علي عبد الله صالح. بيد أنه الإشكال السياسي والاجتماعي الذي يتمدد في الجنوب منذ فترة، وله أن يؤثر على الحالة الاقتصادية اليمنية الأقل نمواً في العالم، في حين سيخلف بالتأكيد ما هو أسوأ على كل المستويات. بالتالي كيف يمكن أن نبرر لمن يقول إن الثورة هي العدو الأول للقضية الجنوبية، مع أن القضية الجنوبية هي الامتداد الطبيعي للثورة.
محمول القضية الجنوبية أن لا أحد وصياً عليها لا الإصلاح ولا الاشتراكي ولا الحراك ولا أي قوى إقليمية غير شعب الجنوب نفسه. والشاهد اليوم أن الحراك في فخ التسلح والارتهان منقسماً على نفسه إذ إن الحراكيين يعانون جداً من تجنيحات مختلفة في مكونهم الرئيسي على عكس الثوار (الذين لهم نواة سياسية صلبة متماسكة يمثلها المشترك). وبالتأكيد ليس من أخلاقيات الحراك حرق وسلب عشرات المحلات التجارية التي تتبع شماليين كما تجدد في شحر حضرموت مؤخراً.
في الوقت نفسه ثمة جماعات تتصرف دون ضوابط في عدن باسم الحراك تستهدف أنصار الثورة، رغم أن عدن هي التي كانت قدمت أول شهيد في ثورة الشباب كما هو معروف.
لذلك سيتعذر على القضية الجنوبية أن تجد سنداً سياسياً أو أخلاقياً بعد أن تجد نفسها وقد ضاعت بين هذا الهباء الانشقاقي أو العنفي. كما سينقسم الجنوب إلى إرهابيين ومواطنين بفعل التسليح، ومن شأن ذلك إدراج الحراك عالمياً كمنظمة إرهابية بحسب ما ألمح إلى هذا مسؤول أوربي مؤخراً.
تفيد المعلومات بتواصل قيادات في نظام صالح مع جماعات في الحراك للتنسيق لعرقلة إقامة الانتخابات في محافظات الجنوب بالذات، وصولاً إلى استخدام الورقة الجنوبية لضرب المشترك في حال نجاحها على الأقل.
وفوق ما سبق تبقى محاولات اختلاق أوهام الهوية المتميزة في الجنوب خائرة بل وخاوية، كما يبقى صاحب النفوذ الحقيقي في القضية الجنوبية هو النضال السلمي فقط.
مختصر الكلام أن الضجيج اللا وطني الرديء صار يتعالى بإفراط من أسماء تدعي أنها في الحراك لتسليحه أو استخدامه لصالح قوى إقليمية ذات أجندات طائفية واستراتيجية في اليمن، بينما الحراك الذي أدهش العالم بسلميته ومساره السياسي العميق والمجتهد لا يمت لهذه الدعوات بصلة.
ذلك أننا نشهد منذ منتصف 2007 نضالات جنوبية سلمية رفيعة لم تقبل أن تكون ورقة للتصارع الإقليمي، وهي نضالات ضد المركزية الشمالية في الحكم وتزايد جرعات القهر الوحدوي بسبب التعسف في الشراكة وسياسات الإقصاء والتهميش والعجرفة من قبل نظام علي عبد الله صالح .
لكن النظام نفسه هو من شجع مع بداية الثورة كل مظاهر الانفلات الأمني في المحافظات الجنوبية بشكل مكشوف، كما أنه من ربط القاعدة بالحراك بعد أن اخترقه بشكل أوسع، لنجد القضية الجنوبية أخيراً وقد صارت تتموضع في الحضن الإيراني أيضاً عبر قيادات حراكية في الخارج كما تؤكد المعلومات.
والحاصل أن جماهير في الحراك تنضم بشكل حماسي غير محسوب إلى تلك الدعوات التي تتصاعد بعيداً عن كثير من نخبته الموضوعيين وطنياً وقيمياً، يساهم في ذلك : الجهل الاجتماعي والسياسي الخطير بالمآلات التي سينهجها التسلح بالطبع، في حين يبقى الخوف مبرراً من أن يصبح تسلح الحراك تحولاً جذرياً من شأنه أن يهدد الاستقرار تماماً في البلد.
غير أن قيادات حراكية بارزة تعارض مثل هذا الانحراف بشدة بحيث لم تنزلق إلى خيار التخلي عن أخلاقياتها السلمية والوطنية، فمثلما دخلت القضية الجنوبية التاريخ السياسي اليمني المعاصر حتى تصدرت كل القضايا والهموم الوطنية، ثمة من يعمل للأسف على إخراجها– أو الإسفاف بها- بشكل دوغمائي مهين.
هذا الاستدراج لفخ تسليح أو ضرب أخلاقية الحراك يبقى من السهولة التوثّق من أهدافه التي من شأنها أن تصل باليمنيين إلى مستويات خطيرة من الاحتراب وانهيار كل قيمة موضوعية راكمها الجنوب في نضالاته، خصوصاً وأن الأكثر تفريطاً بالقضية الجنوبية اليوم هم هذا النوع من الادعائيين أو المتطرفين الذين صاروا- بوعي أو بدون وعي- الأكثر تأميناً لبقايا نظام علي عبد الله صالح ومصالحه بحسب لغتهم المفتقدة للمسؤولية كلغة تحريضية مسممة لا تليق بعظمة القضية الجنوبية على الإطلاق.
كان القيادي الحراكي البارز العميد ناصر النوبة اتهم قيادات حراكية في الخارج بشق الحراك بأموال إيرانية عبر تصريحات أدلى بها ل «الشرق» القطرية قبل أيام، إذ قال إننا «منذ سنوات توقعنا هذا التدخل وحذرنا دول الخليج والمنظومة الدولية وكافة الأطراف في وقته من أن دخول إيران على الخط في قضايا اليمن بشكل عام، وبشكل خاص في الجنوب، لا يخدم المنطقة ويهدد بقنبلة موقوتة ستنفجر في أي وقت ممكن خصوصاً وأن طهران تبحث عن ذراع طائفي».
كذلك كان الحراكي المعروف عبد الله حسن الناخبي طالب الجماهير الجنوبية عبر «الشرق» القطرية- أيضاً- إلى عدم الانسياق وراء التحركات الإيرانية التي بدأت ملامحها في شمال اليمن وجنوبها، كما طالب علي سالم البيض ألا يكرر الخطأ ذاته الذي ارتكبه هو وعلي صالح في الوقوف مع نظام صدام حسين ومباركتهم للتدخل العراقي في دولة الكويت الشقيقة إبان حكم صدام، محذراً البيض في هذا السياق من خطورة مد حبال العلاقة مع إيران. وأضاف الناخبي أن على المسؤولين في نظام طهران ترك الشعب اليمني وشأنه، مشيراً إلى أن ملامح المساعي الإيرانية بدأت تظهر في الشمال والجنوب، فيما عزيمة اليمنيين حيال رفض ذلك قوية جداً.
خلافاً للناخبي والنوبة كان القيادي في الحراك حسن زيد بن يحيى المعروف بمناصرته للمشروع الإيراني أكد في حديث للقناة الفضائية اليمنية قبل أيام أن الجنوب العربي سينتصر بدعم إيران، بينما كان زيد أعلن خلال الأيام الماضية أن «الحوثيين رفاق نضال مشترك» و«أن هناك تحالفاً استراتيجياً بين الحوثيين والحراك الجنوبي، وأنه ذاهب نحو التطور».
لقد صار من الواضح لا شك أن هناك من يريد تأجيج الأوضاع في الجنوب بحيث يغامر على نحو يائس ومتهور ليهدم كل ما تراكم من إيجابيات سياسية وأخلاقية للقضية الجنوبية. وعليه لابد أن يضاعف خيار القوة في الجنوب من القوة المضادة، وهنا مكمن الإشكالية الكبرى المحدقة باليمنيين جميعاً.
إلا أنه في مواجهة هذا الاحتمال الجديد، لازالت تعلو الصرخات التحذيرية من داخل الحراك وخارجه أيضاً، بينما يبدو المشهد المرئي والمسموع في الجنوب للأسف مثخناً بالعنف واللغة الانتقامية من كل ما هو شمالي حتى الناس العاديين.
علي سالم البيض زعيم تيار فك الارتباط قال في حوار أجرته معه جريدة «الوطن» الكويتية قبل يومين «المشكلة الحاصلة عندنا أن إخواننا اختطوا طريقاً آخر غير الطريق الذي اختاره الشعب بالجنوب. الشعب اختار طريق الاستقلال لا غيره. وشهداؤنا كلهم على هذا الطريق وهؤلاء الإخوان يقولون نحن مع هذا الطريق، ولكن عبر معبر آخر وهو الفيدرالية. نحن نعتبر أن الفيدرالية تودينا في حوش الدحابيش».
بالتأكيد فإن المسؤول عن القضية الجنوبية ليس الحراك أو شخصاً أو حزباً سياسياً، بل الشعب في المحافظات الجنوبية كما يقول العميد عبد الله الناخبي أحد أبرز قيادات الحراك، مؤكداً في حوار صحفي معه منتصف الأسبوع الماضي «انه لا بد من الحفاظ على الوحدة، لكن بشراكة جديدة»، ومشددا في الوقت ذاته على حركة «تاج» باحترام العمل السلمي. إلا أن ما يوصف بالقيادي في حركة تاج محمد صالح طماح صرح مؤخراً ل «نيوز يمن» بإفشال الانتخابات الرئاسية من قبل الحراك ملوحاً بالكفاح المسلح للتصدي بالقوة للجان الانتخابية وإحراق صناديق ووثائق الاقتراع ومنع أي شخص من المشاركة.
الواقع أن هناك جهة تريد حرف مسار الحراك وإدخاله في معركة صراع لا مبرر لها مع المشترك (الإصلاح بشكل خاص). صحيح أن هناك من يشدد على مواجهة الإصلاحيين بنبرة مقززة هناك، وكأن الإصلاحيين أو المشتركيين عموماً في الجنوب ليسوا جنوبيين، أو لكأن دعمهم للثورة بإعتبارها خلاص اليمنيين جميعاً يجعلهم يقفون ضد القضية الجنوبية قضية اليمنيين الأبرز وبالتالي يحملون السلاح ضدها! إلا أنه المنطق الذي لا يمكن أخذه بالحسبان والاعتبار.
إزاء ذلك سيقول أحدهم إن هناك مسلحين تابعين للإصلاح يواجههم الحراك مثلا، وأقول: لماذا يتسلح حراكيون الآن بالتحديد؟ في حين كان نظام علي عبد الله صالح مسلحاً طيلة السنوات الماضية ويواجه الحراك بشكل قمعي متصاعد؟ أقصد هل الإصلاح المسلح كما يقولون هو الذي دفع فجأة بحراكيين للتسلح من أجل مواجهته؟ (أمر لا يعقل).. وأصلاً ما هي مصلحة الإصلاحيين من التسلح أساساً؟ أخاف فقط أننا لم نعرف بعد بأن الإصلاحيين يريدون طرد الحراكيين من الجنوب وقيامهم بوأد قضيتهم تماماً! إنه الكلام الذي لا يقنع أحداً برأي أي مراقب محايد، فيما يبدو كذريعة دعائية مفضوحة لا أكثر، إذ من غير المعقول في الجنوب ازدياد النبرة التي ترى أن المعارضة مثل السلطة في استهداف القضية الجنوبية، كما من غير اللائق أن يصير الحراك الجنوبي في حالة ضياع كهذه، مع أنه من حق الحراك الجنوبي أو أي قوة أخرى غيره إسقاط الانتخابات لكن ليس بالقوة.

فعلى سبيل المثال تحولت ساحة الحرية بكريتر مساء السبت الماضي إلى خراب بعد مداهمتها من قبل مئات من عناصر تدعي أنها في الحراك اقتحمت الساحة واعتدت على شباب الثورة المعتصمين هناك وأحرقت الخيام (يحمل بعضهم السلاح والعلم الجنوبي). ولا ننس أنه تم الاعتداء على عديد لجان انتخابية في أكثر من منطقة في الجنوب مؤخراً، كما كان الشارع الرئيسي بمديرية المعلا شهد الجمعة قبل الماضية مصادمات مؤسفة بين أنصار الثورة ومن يقولون إنهم أنصار الحراك أثناء فعالية كبرى دعا لها شباب الثورة السلمية للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاندلاعها، أدت إلى قتيلين في صفوف الثوار من المؤيدين للانتخابات الرئاسية. بحسب مصادر موثوقة في الميدان بدا الأمر محاولة مكشوفة لاختراق الجانبين بترتيب أمني حيث توافقت مع تفاقم مشاهد نقاط التفتيش في كل مديريات عدن من قبل مسلحين يحملون العلم الجنوبي في ظل انسحاب للقوات الأمنية بشكل مفاجئ من الجولات والمنافذ المؤدية للمديريات.
من ناحيتها كانت اللجنة المنظمة لشباب الثورة السلمية بعدن عقدت مؤتمراً صحفياً عقب الأحداث دحضت فيه بالصور ومقاطع الفيديو كل الأكاذيب التي روجتها بعض وسائل الإعلام من أنهم كانوا مسلحين قاموا بالاعتداء على أنصار الحراك، كما أكدت إن ما حدث تم تدبيره من قبل جهات غير منتمية لشباب الثورة ولا إلى الحراك، هدفت إلى صناعة خلافات لا وجود لها بين الطرفين تستفيد منها أطراف أخرى.
يقود ما سبق إلى أن ثمة طرفاً ثالثاً يريد الزج بالطرفين إلى دائرة المواجهة والصراع، ويبقى الخوف أن تتدهور الأوضاع إلى حد لا يمكن تطويقها هناك. غير أن ثمة معطى هاماً يسمح بتصحيح سمعة القضية الجنوبية خصوصاً وأن مكونات وقيادات في الحراك الجنوبي، إضافة إلى شخصيات سياسية واجتماعية، أدانت بشدة الحادثتين السابقتين.
تعليقاً على جمعة 3 فبراير كان الأمين العام للحراك الجنوبي لمجلس عدن العميد ناصر الطويل اتهم «بقايا نظام علي عبد الله صالح بتوزيع السلاح وإشعال الفتنة في عدن بين أنصار الحراك الجنوبي وأنصار شباب الثورة»، وقال في تصريحات ل «الخليج» الإماراتية إن «ما حدث مأساوي ومرفوض»، كما دان «احتكاك الجنوبيين مع أنفسهم إلى حد استخدام السلاح»، وأوضح أن أسباب سقوط الجرحى والقتيلين وجود فعاليتين للطرفين في مكان واحد، الأولى تؤيد فكرة إقامة الانتخابات الرئاسية المبكرة وأخرى لأنصار الحراك الجنوبي ترفض إقامتها.
وكان الطويل قال ل «واشنطن بوست» في وقت سابق أيضاً «لقد أصبحنا أكثر قوة نتيجة للوضع السياسي وأصبحت وجهة نظرنا أكثر قوة». وفي لقاء حديث معه كشف الطويل لقناة «بي بي سي» عن وجود جناح مسلح للحراك الجنوبي خارج عن السيطرة وقال :«إنه الحراك المخترق وهناك مجموعة من الحراكيين مسلحون لا نعرف من أين، وهم من يعملون لنا المشاكل التي نحن في غنى عنها». مضيفاً «نحن نقاطع الانتخابات بطريقة حضارية سلمية وليس بفرض رأينا على الآخرين».
من ناحيته كان عبد الباري دغيش البرلماني عن إحدى دوائر مدينة عدن شدد في تصريح صحفي ل«الجزيرة نت» على أن مبادئ النضال السلمي والديمقراطية لا تعطي الحق لأي طرف بممارسة العنف أو التلويح به وتهديد الآخرين بسبب خياراتهم السياسية أو قناعتهم الفكرية، وتعطي الحق لأي طرف بالدعوة لخياراته السياسية بالوسائل والأساليب السلمية فقط دون اللجوء إلى ممارسة العنف.
كذلك يعلق القيادي الاشتراكي عيدروس نصر ناصر على حادثة جمعة 3فبراير بالقول «من قراءاتي عن حادثة يوم 3 فبراير في المعلا بل وقبل هذه القراءة تسرب إلى ظنوني الكثير من الشكوك عن وجود طرف ثالث يمكن أن يكون قد خطط لهذه اللحظة وما سيلحقها من تداعيات، ولنا أن نتصور أن جهازاً أمنياً يتعاون مع تنظيم القاعدة ويسلمها محافظات بكاملها هل يمكننا تصور أنه لن يفكر في دق الأسافين بين شباب الحراك وشباب الثورة؟ أتصور أن الملثمين الذين شرعوا في إطلاق النار على الشباب لا يمكن أن يكونوا إلا مكلفين من طرف ثالث يريد إشغال شباب الثورة والحراك معا ليتفرغوا لبعضهم بدلاً من الاتجاه نحو إنجاز مهمة إسقاط النظام ومن ثم التحاور حول المداخل المختلفة لحل القضية الجنوبية».
أحزاب اللقاء المشترك أدانت بشدة جريمة إحراق ساحة الحرية بمدينة عدن والاعتداء على شباب الثورة هناك حيث استبعد الناطق الرسمي للمشترك د. عبده غالب العديني تورط الحراك الجنوبي في الحادثة، وقال إن الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية الذي يعد النواة الأولى للنضال السلمي في اليمن لا يمكن أن يرتكب مثل هذه الجرائم البشعة التي تتنافى مع أبسط معايير وأسس العمل الوطني السلمي، معتبراً أن ما حدث محاولة من قبل بعض الأطراف لتشويه الصورة الجميلة لتاريخ الحراك في النضال السلمي. وقال: ندرك أن إخواننا في الحراك الجنوبي حريصون كل الحرص على أمن البلد واستقراره، ومثلما أنهم جزء من الحاضر سيحرصون على أن يكونوا جزءاً من المستقبل.
على أن أجندة التسلح في الجنوب عموما تسيء إلى الحراك الجنوبي ونضاله السلمي الذي انطلق قبل سنوات كما تسيء إلى الإصلاحيين وتخدم طرفًا ثالثًا كما يرى الصحفي المقيم في عدن نشوان العثماني.
بموازاة ذلك كان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، قال في مقابلة مع صحيفة «يمن تايمز» أجريت مؤخراً إنه قلق على عدم إجماع الحراك الجنوبي على وجهة نظر سياسية موحدة.
بقي أن نشير إلى أن صنعاء كانت شهدت الشهر الأخير تحركات دبلوماسية لوفود من الاتحاد الأوروبي وأمريكا التقت قيادات في الحراك السلمي وناقشت معها ضرورة فتح حوار وطني ليشمل جميع الأطراف اليمنية ترجمةَ لما جاء في المبادرة الخليجية التي أسندت الإشراف على ملف القضية الجنوبية إلى فرنسا.
وللتذكير كان المحلل المرموق سامي غالب كتب تحليلاً لافتاً في 28 ديسمبر 2010 جراء التغيرات الأدائية التي طرأت على نضالات الحراك، نورده هنا تعزيزاً لما سبق إذ قال فيه «إن أكثر ما تحتاج إليه القضية الجنوبية هذه الأيام هو صمت ممثليها»، معتبراً أن «القضية الجنوبية دخلت أخطر فتراتها مع نهاية عام 2010، عام التشرذم والتشظي الحراكي، عوض أن يكون عام الوحدة والانطلاق حسبما أعلن بعض زعماء الحراك في الداخل والخارج، قبل نحو عام. فالذي حصل هو استعار الحرب على "تمثيل الضحية" حتى وإن أدى الأمر إلى طرح ورقة "التفوق الأخلاقي" جانباً».
غالب أدان في رؤيته المعتبرة تلك «انغماس من يفترض أنهم قياديون حراكيون في رطانات وطنطنات لفظية تبرهن على خواء سياسي وفراغ قيادي وشتات ذهني» بينما تقدمت في الموازاة- حد قوله- «مجموعات عنفية إلى صدارة المشهد الجنوبي ملحقة أضراراً بجوهر القضية وطابعها السلمي».
وتابع غالب إنه في عام البلبلة هذا - حسب وصفه- «دفعت القضية الجنوبية ضريبة مقامرات الزعماء وتنظيرات الجوف الصغار والتصريحات الخرقاء للطارئين على الحراك في الداخل والخارج، أولئك الذين اهتبلوا الفرص للتغلغل في تجاويف الحراك التي بانت خلال الشهور الماضية بفعل النرجسيات والتهويمات التي طبعت سلوك رموز الحراك، وبخاصة أولئك الذين وثبوا إلى قيادة المجلس الأعلى للحراك ومجالس الحراك في المحافظات، ثم تشابهت عليهم الصور، فظنوا أنهم قد بلغوا سدرة المنتهى!».
كما خلص غالب إلى القول «إنه في 2010 دفع الحراك السلمي الجنوبي - يتوجب أن نقول- فاتورة وثبة أخرى جرت في 2009 عندما تم رهن القضية الجنوبية بما يمكن وصفه ب "أيديولوجيا فك الارتباط"، دون حسبان للآثار السلبية المترتبة على هذه الخطوة العاطفية وغير المحسوبة، التي أدت إلى تحويل الحراك الشعبي إلى عراك قيادي بين شخصيات توهمت نصراً قريباً بعد أول انعطافة، وبدلاً من جلب التأييد للقضية الجنوبية كما كان الحال عامي 2007 و2008، انصرف قياديو الأمر الواقع إلى لعبة كراسي في يافع والضالع وردفان وزنجبار، مخلين الساحات لقطاع الطرق والمخبرين والجواسيس».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.