درجات الحرارة مرتفعة جدا في عدن،إنها تكاد أن تذيب الجلود من شدتها،أمر طبيعي، الوقت صيف،عندما تكون في الخارج أو الداخل أنت لا تتصبب عرقا بل تسكب عرقا، وكأنك تقف على شفير أخدود يتوقد نارا، باختصار(الحياة صعبة إن لم تراوح المستحيلة في ظل هذه الظروف)..أوافقك أن قلت:( رحم الله أيام شتاء قد انصرم). مواطن يقول: ليس هذا فحسب ، ليت الحرارة تقف بمفردها في مواجهتي ، لا يعني ذلك أنني أنكر شدتها أو قوتها ، لا لكن هناك تحالف بينها وبين خصم آخر هو (الرطوبة )، عندما يجتمعان معا تشعر بأن أنفاسك تصعد زفرا ، وأن الروح قد بلغت الحلقوم. أين المفر؟ لا مفر.. الكهرباء هي الأخرى تترنح ،(يهمس مواطن في أذني):بل ربما تكون متواطئة مع الحرارة ، ألا تراها قد انسحبت وتركت الساحة لها ؟ إذ عندما ترغي الحرارة وتزبد في وقت كوقت الظهيرة لا تصمد الكهرباء بل تنسحب منذ الوهلة الأولى، ألا توافقني أن هذا أمرا يثير الشك؟. لم أرد عليه، بل تركته وانطلقت ، فإذا بمواطن آخر يجثم على ركبتيه أمام بيته وهو يعول كالنساء ، سألته: ما بك؟ أجاب بصوت يحترق حسرة "ثلاجة بيتي وتلفزيوني الذين بقيت أجمع لشرائهما مالا عمرا أو يكاد ،ولم تمض لي إلا أيام على شرائهما ، ولم تكتمل بهما فرحة الأولاد وأمهما،لكنهما اليوم احترقا ، فأجهش بالبكاء ثم قال :لن نجد الماء البارد لنسقيه الأطفال ،وأين سنضع الفواكه؟فسكت لبرهة وهو يفكر،ثم قال :آه تذكرت ،إننا لم نعد نشتريها "،أنا تجمدت أمامه وهو يتكلم لم أعد أحس بشئ ، حاولت وحاولت ، لكن لم يكن لدي عزاء أقوله له، فقط تأففت وانصرفت. درت الشارع الآخر، نساء وأطفال وشيوخ يتكومون عند أبواب بيوتهم ،الأطفال لم يكونوا يرتدون ملابسا ،جروح تبدو على ظهورهم ،تقدمت إلى أحدهم فسألته: ما بك ؟فرد بصوت برئ: الحرارة ، الحرارة.. وضعت يدي فوق رأسي ، ذهلت ،عدت أصحح معلوماتي: أهذه عدن حقا ؟ أهذه ...جارة البحر؟ أهذه الجميلة التي تغنت بها حناجر الفنانين؟ أهذه المدينة التي كانوا يقولون عنها: إنها كانت تبتسم للبحر؟..لكنني لم أعد أرى شيئا. [email protected]