عدن أونلاين/كتب: مصطفى عاشور قرب منتصف ليلة أمس الاثنين صدر بيان عن حزب الحرية والعدالة، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، يعلن عدم مشاركته في مليونية "إنقاذ الوطن" اليوم الثلاثاء 22-11-2011م التي قررت غالبية القوى السياسية الإسلامية والثورية المشاركة فيها بقوة، بعد الأحداث الدامية التي شهدها ميدان التحرير والشوارع القريبة منه وانتهت بمقتل أكثر من 40 شخصا، وجرح الآلاف. وقد برر الحزب موقفه، الذي أجمعت عليه غالبية القوى السياسية بكافة انتماءاتها الأيديولوجية، بأن ذلك يأتي حرصًا منه على عدم استدراج الشعب إلى مواجهات دامية جديدة مع أطراف تسعى لمزيد من الاحتقان. وأكد البيان استمرار مساعي الحزب مع كافة الأطراف لوأد الفتنة التي أشعلتها وزارة الداخلية في البلاد والتي تركت الانفلات الأمني يسود في كثير من المحافظات؛ بينما استأسدت على المتظاهرين، على حد قول البيان. وطالب "الحرية والعدالة" المجلس العسكري بالإسراع في محاسبة كل من تسبب في الجرائم البشعة التي وقعت، وتقديم بلاغ للنائب العام بها، ووقف شلال الدم بسحب قوات الأمن من المواجهة الدامية بميدان التحرير، معتبرا أن الأمر برمته يأتي في سياق المحاولات المستميتة منذ شهور لتعطيل عملية نقل السلطة إلى الشعب عبر الانتخابات البرلمانية كأول مرحلة في نقل السلطة التشريعية والتنفيذية إلى برلمان منتخب وحكومة حقيقية، علاوة على إشاعة الفوضى. إسلاميون بلا إخوان! وعقب صدور بيان الإخوان بقليل، أصدرت الدعوة السلفية بيانا مقتضبا للغاية لا يتجاوز بضع كلمات، أكدت فيه مشاركتها في مليونية الإنقاذ قائلة: "نصرة للمظلومين، وحقنا للدماء، واحتجاجا على الأسلوب الإجرامي الذي تم التعامل به مع المتظاهرين، ولمطالبة المجلس العسكري بإجراء تحقيق فوري لمعرفة المتسبب في الأحداث الإجرامية في ميدان التحرير ومحاسبته، وبتحديد موعد زمني لتسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة". ثم جاء المتحدث الرسمي للجماعة الإسلامية المهندس عاصم عبد الماجد ليعلن مشاركة الجماعة في المليونية من خلال حزب الجماعة "البناء والتنمية" إنقاذا لمصر، على حد تعبيره، لافتا إلى أن ذلك جاء بعد مشاورات بين أعضاء الجماعة وقيادات الحزب، والذي جاء بموافقة الجميع على ضرورة المشاركة . وأشار عبد الماجد أن ما يحدث في ميدان التحرير ما هو إلا مجزرة حقيقية تقام ضد الشعب المصري وشبابه في التحرير، وتمدد رموز الحزب الوطني في الحياة السياسية بشكل كامل وقيام أعضائه بإنشاء أحزاب كثيرة لها في الفترة الأخيرة. وأعلن عبد الماجد أن هدف المشاركة هو مطالبة المجلس العسكري بقبول استقالة عصام شرف وحكومته، وإلغاء وثيقة السلمى، وضرورة تحديد موعد نهائي لتسليم المجلس العسكري للسلطة، وتحديد موعد نهائي لإجراء الانتخابات الرئاسية، وانتقد عبد الماجد موقف الإخوان من عدم المشاركة واصفا إياه بالوضع غير الصحيح. ويلاحظ في هذا المشهد، أن موقف الإسلاميين خاصة السلفيين ممثلين في جناحهم الكبير الدعوة السلفية وحزب النور، والجماعة الإسلامية جاء بعد موقف الإخوان القاطع بعدم المشاركة؛ بل تعداه إلى ما تناقلته أخبار على "تويتر" من قيام مشايخ سلفية في الإسكندرية بالخروج في مظاهرات ترفع شعارات وحدة الدم بين السلفيين والمتظاهرين، وحرص السلفية على حماية ذلك الشباب المتظاهر الذي سفكت دماءه، وهو موقف وصفه بعض ناشطي الفيسبوك بأن "السلفيين كانوا أكثر رجولة من الإخوان في دعم ميدان التحرير". وجاء بيان السلفية أمس بعد بيان أصدرته الدعوة السلفية بعد مليونية الجمعة (18-11) بأنها لن تشارك في اعتصامات، وفي بيانها المقتضب الذي نشر على موقع "أنا سلفي" أهاب بأبناء الدعوة السلفية بألا يشاركوا في الاعتصامات، وانتقد مشايخ كبار في السلفية حازم صلاح ابو إسماعيل، مرشح الرئاسة المحتمل والقريب من السلفية رغم انتماءه السابق للإخوان، عندما خرج في مسيرة من مؤيديه لمناصرة من في التحرير ليلة السبت مع بدء اندلاع الأحداث الدامية. ويوحي هذا الموقف بقدر كبير من المرونة تتمتع به السلفية في التعامل مع المشهد السياسي المصري حتى في لحظات تأزمه، وقدرتها على اتخاذ قرارات وفق حسابات غير معقدة وغير محكومة بخبرة تاريخية مأزومة مع الدولة المصرية أو حتى مع القوى السياسية المختلفة، ويوحي المشهد السلفي بأن حزب النور والدعوة السلفية تدرك أنها لابد أن تأخذ خطوات تتيح لها موقفا متميزا عن الإخوان في حركتها السياسية بما يدعم شرعيتها الشعبية، وينفي التصورات السائدة عنها أنها تعتاش سياسيا على مواقف الإخوان، وإثبات قدرتها على اتخاذ مواقف تتمتع بالجرأة والمغامرة دون تعقد الحسابات التي تجعل حركة التنظيمات الكبيرة بطيئة وثقيلة وتحضر في اللحظة الأخيرة.
لماذا لم يشارك الإخوان؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى نقاط مهمة لتحليل موقف الإخوان وانعكاساته، وهي: الأول: أن قطاعا غير قليل من شباب الإخوان يشاركون في ميدان التحرير وأحداثه رغم رفض قيادة الإخوان لذلك، وهو ما يعني أن هناك قاعدة شبابية إخوانية تتحرك بعيدا عن الموقف الرسمي للقيادة، وهذه القاعدة تتحرك وفق رؤية ثورية وتتلاحم مع ما تراه قريبا ومتوافقا من أبناء جيلها، وهو أمر له ما بعده داخل الجسد الإخواني الذي يوصف بالمتلاحم والذي ينفي الإخوان دوما أنه يشهد صراعا جيليا. الثاني: هو عدم نجاح الإخوان في تصعيد مرشحهم لمنصب نقيب المحامين ونجاح سامح عاشور، أحد القيادات الناصرية، والذي وقف الإخوان ضد نجاحه بما يملكون من قوة، لكن النتائج التي تم إعلانها اليوم أشارت إلى حصوله على منصب نقيب المحامين، والكواليس داخل النقابة تشير أن الإخوان لم ينجحوا في تحقيق قدر من الانضباط التصويتي لأعضائهم وتردد أن هناك صوتا إخوانيا كبيرا ساهم في نجاح عاشور، رغم الموقف الرسمي للإخوان، كما أن مقولة قدرة الإخوان على حسم أي معركة انتخابية تصبح محل شك نظرا لأن النقابة مسيسة منذ نشأتها، كما أنها تمتلك قدرة تصويتية تقترب من 350 ألف صوت تمثل شرائح المصريين. الثالث: أن التحليل البسيط لموقف الإخوان من عدم مشاركة الإخوان في مليونية الإنقاذ هو القول بأن الإخوان عقدوا صفقة مع المجلس العسكري، طرفاها:مقاعد أكثر في البرلمان مقابل ابتعاد الإخوان عن التحرير والميادين الأخرى، والواقع أن هذا تفسير تقليدي يتمتع بقدر من السذاجة والتكرار ولا يحمل أي عمق تحليلي، نظرا لأن المشهد يرتبط بكيفية قراءة الإخوان لما يجري، وكيفية صنع القرار داخل الإخوان، وطبيعة منهج الإخوان الفكري ومدى ملاءمته للحظة الراهنة. كيف قرأ الإخوان ما يجري؟ الواقع أن الإخوان يقرؤون ما يجري في ميدان التحرير منذ أيام وفق منطق المؤامرة، بمعني أن ما يجري هو عملية مؤامرة من قوى ليبرالية على وجه الخصوص، تحاول بناء تحالف مع الجيش تسوق فيه نفسها كبديل للإخوان مقابل أن يمنح الجيش تلك القوى موقعا متميزا في المشهد السياسي القادم، على أن يكون الجيش له موقع في الدستور والنظام السياسي الذي يتشكل. لذا لم يكن غريبا أن ينظر الإخوان إلى المشهد الحالي على أن المؤامرة بداخلها صفقة لاستبعاد الإخوان من الحصول على نصيب جيد في الانتخابات القادمة، التي لم يعد بينها وبين الإجراء سوى عدة أيام، وبالتالي وفق المنطق الإخواني فالواجب عليهم تفويت الفرصة على تلك القوى وعدم المشاركة في التظاهرات لأن حسابات الإخوان ترى أن نزول الإخوان، وفقا لرؤية المؤامرة، سوف يجعل المشهد أكثر دموية وأكثر اتساعا في المواجهات والعنف، وأن الإخوان سيكونون هم الوحيدون الذي لهم عنوان يمكن من خلاله تحميلهم ما يجري من مواجهات واسعة. الثاني: أن الإخوان يدركون، رغم الصخب الإعلامي حول التحالف الديمقراطي، أنهم لا يتمتعون بتحالفات سياسية حقيقية سواء وسط النخبة الثورية، أو الأحزاب التقليدية أو حتى الإسلامية، وبالتالي فإن نزولهم للميدان ربما يعيد طرح ثنائية (الجيش-الإخوان) أي عودة الاستقطاب بين الإخوان والدولة، وهو ما يراه الإخوان في غير صالحهم، وفي غير صالح الأوضاع السياسية المصرية في الوقت الراهن، وبالتالي فعدم المشاركة هو البديل الأفضل، رغم خسائره، للإخوان في تلك اللحظة. الثالث: أن الإخوان يرون أن القوى الثورية ربما تمتلك القدرة على الرفض، ولها الحق في الكثير مما تفعل، لكنها لا تمتلك خريطة وخطة لإنقاذ لمصر في الوقت الراهن، وهو ما يجعل الضغط الحالي في مليونية، مدخلا محتملا لفوضى تعطل الحياة السياسية، وتغلق الباب أما أي إعادة بناء جادة وحقيقة لمصر الجديدة بعد ثورة يناير. الرابع: أن الإخوان يرون في موقفهم أنه أقرب لموقف الشارع المصري، الرافض والخائف من الفوضى والمعاني من تبعاتها، وبالتالي فالرهان الإخواني، حسب رؤيتهم، كان على الشارع البعيد عن الميدان، حيث يرون أن الإخوان هم أقرب القوى المعبرة عنه والقريبة من مخاوفه وطموحاته. الخامس: يدرك الإخوان أن نزولهم الميدان بعد سقوط أكثر من أربعين قتيلا، وآلاف الجرحى، وهذا العنف الذي استمر أياما سيخلق صداما بينهم وبين القوى الشبابية الموجودة في الميدان وسيحول الميدان إلى ساحة للصراع ضد الإخوان، وهو خوف حقيقي يتملكهم، خاصة وأن بعض القوى الثورية تعتبر نفسها مالكة للميدان نظرا لسبقها في دفع تضحيته، وهذا المشهد في المواجهة لا يرغب الإخوان في أن يتحول إلى مواجهة معهم.
صنع القرار داخل الإخوان من الضروري فهم التركيبة داخل مكتب الإرشاد، وكيفية تفكيرها ووزنها للأمور حتى نفهم موقفها الحالي من عدم المشاركة، على مستوى التركيبة يلاحظ أن غالبية مكتب الإرشاد، بعد الانتخابات الإخوانية الأخيرة، يكادون ينتمون لطريقة متقاربة في التفكير، ويتمتعون بقدر كبير من التجانس باستثناءات قليلة جدا، وغالبية هؤلاء أو المؤثرين في صنع القرار تسكنهم خبرة الأزمة مع المؤسسة العسكرية المصرية والنظام منذ يوليو 1952، ولا يرغبون في إعادة إنتاجها مرة أخرى، وهذا الإدراك الكامن في التفكير والخبرة التاريخية التي عاشوها وعانوا منها تحكم رؤيتهم ونظرته للتعامل مع الجيش في الوقت الراهن وهو ما يقيد قدرتهم على الانطلاق في صياغة جديدة لعلاقتهم بالمؤسسة العسكرية تخرجهم الثنائية التي يخشون عودتها من جديد. الثاني: أن مكتب الإرشاد نظرا لأن غالبية أعضائه من ذوي الأعمار المتقدمة؛ فالإحساس بالقوى الشبابية والقوى الجديدة التي تتشكل في الواقع المصري يكاد يكون إدراكا نظريا لا ينعكس في قرارات تسير مع نبض تلك القوى، ومن ثم فطريقة التفكير تكون كلاسيكية في مثل هذه الأمور، وأنماط التفكير تكاد تكون إعادة إنتاج للتجارب القديمة التي استطاعت الإنتاج في فترة ما، لكنها قد لا تكون أكثر فاعلية في الوقت الراهن مع تغير الظروف والعناصر التي تحكم المعادلة السياسية المصرية التي دخلت فيها قوى هادرة وذات سقف عال ولا تقبل أنصاف الحلول، ولا ترضى بالمهادنات أو إتاحة الفرصة للزمن لكي ينجز مع الثوار ما يبغون من إصلاح وتغيير. الأمر الرابع: يتعلق بالاختلاف المنهجي بين الثوار والإخوان، فالثوار من أصحاب منهج التغيير الجذري الشامل، أما الإخوان فيظل منهجهم التغييري إصلاحي محافظ، يصعب تثويره، حتى وإن تعرض لعملية تثوير في فترة ما فإنها متأخرة عن قوى أخرى، وتكون ذات سقف منخفض مقارنة بالقوى الأخرى، وسرعان ما تعود إلى منهجها الطبيعي التقليدي الإصلاحي المؤمن بالتدرج وعدم حرق المراحل، حتى وإن كانت الحرائق تملأ الميدان.