عدن اون لاين/ عبدالملك شمسان يؤكد المعتصمون في ساحات الحرية والتغيير على استمرار ثورتهم وحقهم في الحسم الثوري وقدرتهم عليه، لكنهم يسترقون النظرات إلى المبادرة الخليجية ويرقبون تقدمها على أمل أن تحقق لهم إزاحة صالح، وهذا الهدف الأول الذي أعيى منشارهم بما ظل يتوفر له من دعم خارجي. وهذا الحديث عن جميع ساحات الحرية والتغير الثورية بما فيها ساحات المحافظات الجنوبية، وللمحافظات الجنوبية خصوصية تبعا لخصوصية القضية الجنوبية والحراك الجنوبي. بداية الحراك كانت الممهدة للثورة، وبقاؤه سيكون الحامي لتحقيق جميع أهدافها باندلاع الثورة انحسر مصطلح (الحراك الجنوبي) لصالح (الثورة السلمية)، لكن هذا لم يمنع أبناء الجنوب من أن يظلوا محافظين على الحراك باعتباره مثل البداية للثورة أولا، وباعتباره المدماك الذي بنيت عليه الثورة ثانيا، ولأنه قد يكون المستقبل في حال لم تحقق الثورة أهدافها ثالثا. وعلى أن المنخرطين في الثورة كانوا يتمنون أن ينخرط الحراك بشكل كلي داخل الثورة السلمية، إلا أن المنطق السياسي يقول إن بقاء جذور الحراك مشتعلة يعد ضامنا وحارسا للثورة مستقبلا حتى تحقيق كافة أهدافها. أي أن بداية الحراك كانت هي الممهدة للثورة، ونهايته ستكون الحامية للثورة، والمشكلة هي اختلاط الأوراق في ساحة الحراك بين تلك البداية وتلك النهاية. أي المشكلة هي في واقع الحراك اليوم خلال فترة الثورة المستمرة في الشوارع والساحات. وإذا كانت الأسطر السابقة محقة، فإن الأمر يقتضي أولا: أن ينظر أنصار الثورة إلى الحراك من الزاوية الإيجابية كأساس للثورة وكحارس لها فيما بعد، وأن يتعاطوا مع الحراك في المرحلة الراهنة بشيء من الوعي السياسي بعيدا عن العواطف والرغبة في تحقيق الإجماع الكامل والالتفاف التام حول الثورة. كما يقتضي - بالمقابل- نظرة إيجابية من قبل الحراك نحو الثورة، إذ كلا الثورة السلمية والحراك السلمي حالة ثورية لا يمكن -بحال- أن تتعارضا وأن يكون في أي منها مصدر قلق للأخرى، فالثورة تهدف لإسقاط النظام، وسقوط النظام سيوفر للحراك أحد أمرين: إما سيتيح له فرصة أكبر لتحقيق هدفه بالانفصال في حال ظل مطلب الانفصال حينها قائما واكتسب شعبية غالبة، وإما سيخلق واقعا جديدا تنتهي معه مطالب الانفصال بشكل تام لتحل القضية الجنوبية حينها ضمن القضية الوطنية. ومقارنة للمقاربة: يقول كثير من الشباب في الساحات إن المبادرة الخليجية لا تعنينا. وكلمة «لا تعنينا» لا تفيد أنهم سيناهضونها وسيسعون لإسقاطها. فهي إن أزاحت صالح فبها ونعمت والثورة مستمرة حتى تحقيق كافة الأهداف، وإن أخفقت ولم تخرج «صالح» فالثورة مستمرة. وذات الأمر عند الحديث عن حكومة الوفاق، فهي لا تعني شيئا بالنسبة للساحات، لكن هذا أيضا لا يعني أن الساحات ترفضها وتسعى لإسقاطها، ذلك أن الساحات تشكلت لإسقاط نظام صالح لا حكومة صالح، ولم تهتف طيلة عشرة أشهر ضد حكومة مجور فكيف تهتف اليوم ضد حكومة ليس لصالح منها إلا دون النصف (كرسي رئيس الوزراء يجعل للمعارضة أكثر من النصف)!؟ هل العمل الثوري لا يصلح -على سبيل المثال- إلا وصالح قوي متحكم في كل القنوات الإذاعية والتلفزيونية والصحف الرسمية!؟ وذات الأمر والمنطق ينسحب على الحراك الذي لم ينضو تحت لواء الثورة، فالحكومة لا تعنيه، لكنه لا يحفل بها، وإذ لم يستهدف حكومة صالح خلال خمس سنين فلماذا يستهدف اليوم حكومة ليس لصالح إلا اقل من نصفها؟ والانتخابات الرئاسية التي يُنتظر منها أن تطيح بصالح لا تعنيه -كما قال بعض قياداته- لكن هذا لا يعني أن الحراك سيناهضها، أو هذا ما يفترض، والحقيقة أن مطالبة بعض قادة الحراك ودعوتهم الجنوبيين لإفشال الانتخابات الرئاسية القادمة أمر أعجب وأغرب من مطلب الانفصال ذاته، وهذا ليس مبالغة بل حكم قائم على منطق واضح يمكن تلخيصه في نقطتين:
إجراء انتخابات تطيح بصالح أمر يخدم الحراك والوطن والإنسانية جميعا
الأمر الأول أن مناهضتها لا تحقق للحراك مكسبا، بل قد تشكل بالنسبة له خسارة. لأن إجراء انتخابات تطيح بصالح أمر يخدم الحراك والوطن والإنسانية جميعا، وتصعيد هذه الانتخابات شخصا جنوبيا خلفا لصالح أمر آخر يخدم القضية الجنوبية بشكل خاص. وأي منطق سياسي هذا الذي سيستند إليه مواطن جنوبي عند سعيه إلى عرقلة انتخابات تخرج صالح والحيلولة دون وصول شخص جنوبي إلى كرسي الرئاسة؟ أما النقطة الثانية فهي أن الانفصال مطلب تراجع عنه أغلبية أبناء الحراك الجنوبي الذين تحولوا عن هدف الانفصال إلى أهداف الثورة عموما. وبقاء هذا المطلب ثابتا لدى البعض أمر طبيعي إذ يستحيل أن يتحقق الإجماع الشعبي التام حول أهداف الثورة شأنها شأن أي قضية. كما أن الرموز أو القيادات المتشددة في مطالبها بالانفصال حاليا أسيرة نفوس تشبثت بهذا المطلب لسبعة عشر عاما، وواقعة تحت تأثير قوى إقليمية أقامت معها تحالفات خلال هذه الفترة وليس من السهل عليها أن تتنازل عنه بسهولة، ومتأثرة -فوق هذا- بتأثير نظام صالح الذي يعمل حاليا على تهييج مطلب الانفصال لإجهاض الثورة الشعبية واستمرار بقائه على السلطة. وسعي صالح نحو هذا الهدف واضح ومؤشراته كثيرة. ومثال بسيط على ذلك أن صحيفة 14 أكتوبر الرسمية التي شطبت اسم علي سالم البيض وصورته من إرشيفها منذ 7 يوليو، فاجأتنا في العدد قبل الماضي وعلى صفحتها الأخيرة علي سالم البيض وخبر عن مؤتمره الصحفي الذي جدد فيه الدعوة للانفصال، بل وافتتحت الخبر بوصف علي سالم ب»الزعيم الجنوبي». كان عملا مثيرا واستدعى التفاتة من أكثر من صحيفة كالأهالي و»الأهالي نت» و»عدن أونلاين»، خاصة وأن رئيس تحرير 14 أكتوبر هو أحمد الحبيشي الذي كان من أنصار الانفصال ثم ناطقا لحركة (موج) قبل أن يرتمي في أحضان صالح. يبدو هدف هذه التغطية الخبرية في 14 أكتوبر جليا باتجاه تهيج مطلب الانفصال الذي يخدم نظام صالح ويحول دون صعود عبدربه منصور هادي إلى الرئاسة وإن بدا -في ظاهره- عملا يخدم شعار الانفصال ويخدم علي سالم البيض. وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه «سالم درويش» في تعليقه على الموضوع في موقع «عدن أونلاين» حيث اعتبر أن أحمد الحبيشي قد باع صالح كما باع سابقيه، وأنه تحول الآن نحو علي سالم البيض والجنوب. ومكمن الخطأ هنا أن الحبيشي يفعل العكس تماما. ورسائله تهدف لتهييج الحراك لإفشال الانتخابات الرئاسية والحيلولة دون صعود عبدربه إلى الكرسي وأبحث عن مبرر لوقوع سالم درويش في هذا الخطأ، وكأن هناك أمرين يقفان كلاها أو أحدهما وراءه، أي وراء الخطأ: - الأمر الأول أن ذات العدد من 14 أكتوبر تضمنت المساحة الأعلى من ترويسة صفحته الأولى إعلانا لإحدى الشركات التابعة لحميد الأحمر. أي ربما أن هذا عزز لدى درويش أن الحبيشي باع صالح!! - أما الأمر الثاني فهو معرفة درويش بتقلبات الحبيشي وأنه يميل مع الريح حيث مالت، حتى إن درويش نقل عن الرئيس علي ناصر محمد قوله عن أحمد الحبيشي بأنه «كالسرير الذي تنام عليه جميع السلطات»!! وعودة إلى نقطة ثانية تدفعني للقول إن مطلب إفشال الانتخابات الرئاسية في الجنوب أغرب من الانفصال وأسوأ منه في الوقت الحالي، هو قناعتي بأن الانفصال لم يتخلق كمطلب لدى أي من الجنوبيين إلا بعد أن بلغوا حد اليأس من صلاح أمر علي صالح ونظامه العائلي. ومهما تمسك البعض بهذا المطلب فإن سقوط نظام صالح سيخلق واقعا جديدا يتكفل بتغيير القناعة لدى أصحاب هذا المطلب وفي مقدمتهم علي سالم البيض. والجزم باستبعاد هذا التحول جزم مخالف للقاعدة السياسية والتي تقول إنه لا يوجد شيء ثابت في السياسة سوى التغير! كما أن هناك دليلا ماديا يعزز هذا الاحتمال، وهو أن حيدر أبو بكر العطاس الذي وصف في أزمة وحرب 94م أنه كان «مهندس الانفصال» وظهر في 2008م متمسكا بمطلب الانفصال، ها هو يتحول اليوم، بل ومن قبل اندلاع الثورة، إلى أحد رعاة الفدرالية متنازلا عن الانفصال. ويشارك العطاس في هذا الموقف كثيرون، فلماذا نستبعد من البيض ومن تبقى متمسكا معه بالانفصال أن يتراجعوا عن هذا الخيار وأن تتغير قناعاتهم مستقبلا وفق معطيات الواقع اليمني الجديد بعد سقوط صالح ونظامه العائلي، خاصة وأن علي سالم وجميع من يطالبون اليوم بالانفصال هم مؤسسو وقادة الحزب الاشتراكي اليمني الذي لا يمكن أن يزايد أحد في وحدويته نظريا وعمليا، وأن هؤلاء أيضا أصحاب تاريخ وحدوي عريق يمتد بامتداد أعمارهم، وهو التاريخ الذي توجوه يوم تنازلهم عن دولة كاملة كانت بأيديهم من أجل وحدة الوطن اليمني!؟