عدن أونلاين/كتب/عبدالله عبده ثمة مخاوف عديدة من سيطرة حزب الإصلاح على مقاليد الأمور في مرحلة ما بعد صالح.. بعض تلك المخاوف قد تكون مقبولة بناء على مواقف سابقة حين كانت كافة أحزاب المعارضة جزءاً لا يتجزأ من منظومة النظام ومعظم سلوكياتها عبارة عن انعكاسات طبيعية لممارسات الحاكم. بيد أن جزءاً من تلك المخاوف عبارة عن هواجس سياسية، بل خطوات استباقية في طريق الحصول على مكاسب معينة ليس إلا.. وهذا بالطبع لا يعني منح الإصلاح صك غفران من أخطائه الحاضرة والقادمة، بل إن حب التسلط نزعة بشرية ناهيك عن سياسية،لولا وجود بعض الروادع والموانع المتفق عليها من قبل الجميع، في ظل بيئة تسمح لها بالنفاذ؛ فعلى سبيل المثال لو استطاع أوباما البقاء رئيسا مدى الحياة لما تردد في ذلك لولا الروادع الدستورية والقانونية الحقيقية، وكذلك حزبه الديمقراطي. وبالمقابل فإن الطموح السلطوي حق مشروع لدى أي حزب إذا ما سلك الطرائق الديمقراطية النزيهة. وبصرف النظر إلى كافة التصريحات الإعلامية لقيادات الإصلاح التي تؤكد على عدم التفكير والسعي للتفرد بالحكم القادم وإقصاء الآخرين، فإننا هنا نتناول بعض الموانع الواقعية والظرفية –وليست الدستورية أو القانونية- التي يمكن أن تحول دون تفرد التجمع اليمني للإصلاح بالحكم وممارسة أساليب الإقصاء والتهميش تجاه شركاء الأمس ومشاكسي اليوم، وهذه الموانع هي: 1/ الإصلاح حزب سياسي ذو قاعدة اجتماعية عريضة، وبالتالي ليس بحاجة إلى اللجوء لأساليب الإقصاء والتهميش التي غالبا ما يلجأ إليها من لا يثق بشعبيته وجماهيريته، وهو أحوج من غيره إلى توفير أجواء ديمقراطية نزيهة وشفافة. 2/ الإصلاح تعرض لعملية الإقصاء والتهميش من النظام السابق، وهنا قد تكون من الصعوبة بمكان قيام الإصلاح بتكرار نفس أخطاء النظام السابق ووراثة استبداده.. وهو يعلم أن أي محاولات إقصاء لن تمر بهدوء، بل قد تؤدي إلى مواجهات تصعيدية، وعندها سيكون هو الطرف الخاسر؛ لسبب بسيط جداً أن لديه ما يمكن أن يخسره على خلاف بعض الأطراف التي لا تجد ما تخشى عليه أو تخسره! 3/ يدرك الإصلاح جيداً أن مرحلة ما بعد صالح لا تبعث على الإغراء والتفرد بالحكم، لأن خسائرها تطغي على غنائمها، ومن ثم سيكون بأمس الحاجة إلى من يشاركونه تحمل أعباء المرحلة. 4/ لا يخفى على الإصلاح ما قامت به التيارات الإسلامية المماثلة له في كل من تونس ومصر من انفتاح على بقية التيارات، بل والتنازل على كثير من حقوق تلك الأحزاب الإسلامية رغم أنها لا تمتلك نفس التجربة الحاكمة التي يمتلكها التجمع اليمني للإصلاح في بلادنا. لا سيما وأن الإصلاح في بلادنا سبق غيره من الإخوان المسلمين في أقطار عربية في تعزيز ثقافة التعايش مع الآخر في إطار منظومة اللقاء المشترك الذي يضم اليساريين والقوميين والإسلاميين (سنة وشيعة) رغم الاختلافات الفكرية والسياسية فيما بينهم. 5/ رغم أدواره الثورية الكبيرة فإن الإصلاح يعرف يقيناً أن مرحلة ما بعد صالح تأتي نتيجة ثورة شعبية شاملة،لا يقوى أي طرف الإدعاء بأنه كان سبباً رئيساً لاستمرار النهج الثوري مهما بلغت تضحياته، إذ أن جميع اليمنيين شاركوا في هذه الثورة بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم ومشاعرهم المتناقضة تجاه الثورة، حتى النظام الذي كان المحرك الفعلي للثورة بأخطائه وخطاياه في حق أبناء الوطن، وفي المقدمة كان المواطن الذي تحمل كافة تداعيات وإرهاصات الثورة، سواء أولئك الذي ظلوا ومازالوا قابعين في الساحات الثورية، أو أولئك الصامتون في منازلهم الذين طالتهم سياسات الحاكم وتأثيرات الفعل الثوري خاصة في المجالات الخدمية والمعيشية. 6/ مهما بلغت كتلة الغباء السياسي لدى أي طرف، فلن يجازف في خوض مغامرة إقصاء الغير والانشغال بتهميش الآخر في هذه المرحلة وعلى المدى القريب منها، إذ أن الأولوية هي البدء في بناء الذات بما يتواكب والمرحلة الجديدة المتجددة التي اجترحتها الثورة الشعبية. 7/ قد يسمح الإصلاح لنفسه السيطرة على قرارات اللقاء المشترك في زمن المعارضة انطلاقاً من براءة مقاصدها الخالية من مكاسب فردية أو جهوية، وقد يصمت البعض إزاء ذلك باعتبار أن المعارضة مغرم وليست مغنم، غير أن الوضع الآن يختلف وليس ثمة من بدٍ للوفاق والتوافق. 8/ إذا كان الإصلاح يؤمن بمبدأ الإقصاء، فإنه بالضرورة سينعكس هذا الأسلوب على هياكله التنظيمية، ومن ثم تتعزز ثقافة الصراعات داخله وتتناقص تدريجياً مفاهيم الولاءات والقناعات الحزبية، وسيكون الجزاء من جنس العمل، وما قصة المؤتمر الشعبي العام عنا ببعيد! 9/ يذهب الكثير من المراقبين إلى أنه وعقب الانتخابات الرئاسية القادمة قد يكون الإصلاح وغيره من الأحزاب العتيقة أمام استحقاقات تنظيمية وإدارية وأخلاقية تحول دون طموحات استخلاف الحاكم؛ وإذا لم تبادر قيادات تلك الأحزاب لإحداث التغيير في مختلف الأطر الحزبية فإنها تعرض ذاتها لثورة منتسبيها، التي ستجتاح الأحزاب على غرار ثورة المؤسسات. وعندها فإن القيادات (المنفذة) -وليس (النافذة)- والتي تم تعيينها وفق معيار الصمت والتنفيذ الحرفي للتوجيهات لن تقوى على الدفاع عن ذاتها ناهيك عن قياداتها، إذ لا مكان للجندية العمياء في الزمن الثوري المبصر. 10/ يدرك الإصلاح وبقية أحزاب المعارضة القديمة أن وصولهم للسلطة لم يأت عبر جهود بذلوها وظروف صنعوها، بل جاءت كمفاجأة غير محسوبة بالنسبة لهم، مع أنها جاءت كقدر مصيري وتاريخي ونتيجة طبيعية لذروة الاستبداد. ولهذا فإن الحزب الذي كان يستطيع المحافظة على ما هو كائن دون محاولة التفكير في ما يجب أن يكون، هو أفضل أحزاب المعارضة حينها، والذي كان يحلم بتسنّم مقاليد الأمور في ما بعد مرحلة أحمد علي عبدالله صالح. وهذا يعني أن الظفر ببعض مكونات السلطة هو مبلغ الطموح الحزبي الآن، قياساً على الانبطاح السابق، وخير من الصراع –غير مضمون النتائج-على الاستئثار بالكل. 11/ أثبت التجمع اليمني للإصلاح أنه يتمتع بقدر هائل من الشعور بالمسؤولية الوطنية في مختلف الظروف، ويمتلك ثقة كبيرة في تحملها وإصراراً أكبر على الانطلاق منها في اتخاذ مجمل قراراته بما فيها القرارات التي قد تؤثر عليه سلبياً، حتى وإن استغل البعض تلك القرارات للنيل من مكانة وشعبية الإصلاح. 12/ يمتلك التجمع اليمني للإصلاح كفاءات شبابية مؤهلة وقدرات إبداعية حداثية منفتحة على الآخر، وكوادر متجددة التفكير ومواكبة للعصر، وتحظى بإعجاب شعبي من خارج الإصلاح. وهذه الكوادر وإن ظلت مغيبة زمنا داخل الإصلاح، إلا أنه في الآونة الأخيرة وجدت كثير من تلك الكوادر مكانها الطبيعي والملائم داخل الإصلاح، وبالتأكيد سيكون لهذا أثره الإيجابي الذي يعزز من مبدأ التعايش وثقافة التعاضد السياسي والحزبي البناء. 13/ رغم اضطرار الإصلاح للتعاطي السلبي أحياناً إزاء بعض القوى التقليدية تحت ضغوط مرحلية أملتها معركة إثبات الوجود، التي قد تستدعي مجابهة الخصم حينها بنفس السلاح الذي يستخدمه ذلك الخصم (أياً كان)، إلا أن التغيير القادم الذي سيطرأ على حزب الإصلاح وانتقاله من مربع إلى آخر سيجعله في مواجهة حتمية مع تلك القوى التقليدية التي كان يحتمي تحت مظلاتها سابقاً، لكنه مستقبلاً إذا لم يتم ترويض تلك القوى فإنها ستشكل العائق رقم (1) أمام مدنية حزب الإصلاح وطموحاته المتجددة. وحتى يتمكن الإصلاح من تجاوز تلك القوى يتوجب عليه -أكثر من ذي قبل- توطيد علاقاته مع مختلف القوى السياسية والمدنية بمختلف جهاتها وتوجهاتها. 14/ يدرك الإصلاح جيداً أن اليمن كانت وستبقى محط أنظار وتدخلات قوى إقليمية ودولية حريصة على مصالحها في بلادنا، وبعض هذه القوى لديها أياد وأقدام وأذرعاً في جهات مختلفة من اليمن ظاهريا وباطنياً، وبعض تلك القوى لا ترغب في تقدم اليمن كثيراً أو انهياره تماماُ، وبالتالي فإنه من الصعب بناء دولة مدنية منشودة ما لم يتم سد الذرائع الخارجية في الداخل، وتمتين عرى التآلف السياسي والترابط الحزبي والتعايش المذهبي والتصالح الجغرافي. ولا سيما والسعودية –وقبلها- أمريكا- حتى الآن تبدو غير مقتنعة بالتعامل الكلي مع حزب الإصلاح، رغم الرسائل الايجابية التي ما فتئ الإصلاح يبعثها تباعاً للخارج، وهذه العلاقة الضبابية قد تساعد على انتفاء بعض دوافع الإقصاء لدى الإصلاح. 15/ الأحداث الأخيرة التي وقعت في منصة وساحة التغيير، وبالرغم من سلبيتها إلا أنها بلا شك ستدفع حزب الإصلاح إلى التفكير ملياً في تعامله مع الآخر، وضرورة النأي عن الانجرار باتجاه معارك جانبية غير مجدية، بل قد يستثمرها خصومه إعلامياً للتشويه بصورته ومكانته. 16/ ينتظر الكثير من مؤتمر الحوار الوطني القادم أن ينتج حلولا ناجعة وخاصة فيما يتعلق بالقضية الجنوبية، وهذه الحلول –حسب متابعين- قد تتراوح بين الفيدرالية كحد أدنى وبين الاستفتاء على تقرير المصير كحد أعلى، وفي كلتا الحالتين سوف تضطر كافة القوى السياسية المشاركة في السلطة القادمة أن تبعث رسائل إيجابية مطمئنة لأبناء الجنوب سداً للثغرات التي تنفذ من خلاله دعوات فك الارتباط الذي -إن حدث- سيلحق الضرر بجميع القوى السياسية وخاصة حزبي الاشتراكي كعمق تاريخي والإصلاح كطموح مستقبلي. 17/ تمكن الإصلاح مؤخراً من استيعاب وإدارة واستثمار بعضاً من حالة التنوع والتباين في داخله، وهذا يعني وجود نوعاً ما من المؤسسية كونها الوحيدة القادرة على استيعاب مثل هذه التباينات، كما حدث في مؤتمره الأخير الذي وضع حداً للازدواجية المغلوطة بين الفتوى الدينية وبين العمل السياسي. وهذا بالطبع يعني أن الإصلاح لديه القدرة على إدارة واستيعاب خلافاته مع غيره من القوى السياسية والاجتماعية والدينية. 18/ عقب حرب 94م تشكل الائتلاف الثنائي بين المؤتمر الحاكم وبين الإصلاح الشريك، وذلك على حساب بقية الأحزاب الأخرى التي لم تقو على مجابهة الانكماش والتكلس –إذا صح التعبير- إلى حد بلوغها سن اليأس، إذ عجزت بعضها على عقد أي من مؤتمراتها التنظيمية، وبعضها لم تستطع حتى المحافظة على أعضائها الأساسيين، بل على بعض مؤسسيها، ناهيك عن محاولة التفكير في كسب دماء جديدة. حينها –وباستثناء المؤتمر حزب الوظيفة والخزنة- كان التجمع اليمني للإصلاح الحزب الوحيد الذي يكسب أعضاءً جدداً بشكل مضطرد وعلى مدار الأسبوع والشهر والسنة، وفي معظم المحافظات. غير أنه وبعد رحيل نظام صالح، ومشاركة كافة القوى السياسية في السلطة سيجد كل حزب ذاته مجبراً ومهيأً لاستعادة حجمه اللائق به، واستدعاء بعض الطيور التي هاجرت إلى الحزب الحاكم سابقاً بكافة خبراتها وقدراتها، بالإضافة إلى دخول قوى جديدة على الساحة السياسية.. هذا كله سيخلق بيئة تنافسية حادة وسيكون المنتصر فيها هو من يتمكن من إقناع الجماهير برؤاه وبرامجه وسلوكياته المدنية المواكبة للمرحلة. وبالتالي لن يكون بمقدور أي حزب-سواء الإصلاح أو غيره- انتهاج ذات الأساليب والأدوات سيئة الصيت والتي تم استهلاكها إبان النظام السابق؛ لأنها ببساطة فقدت (صالحيتها) و (صلاحيتها) أيضاً! *اليقين الأسبوعية