د/محمد سيف وللتذكير بهذا المبدأ فإني في هذه المقالة سأجيب على أربعة أسئلة هي : س1/ ما هو الهدف الشرعي من الحديث عن اختلاف التنوع كمبدأ إسلامي ؟ س2/ ما هي الأهمية الشرعية لفهم اختلاف التنوع ؟ س3/ ما هي مصادر اختلاف التنوع ؟ س4/ ما هي فوائد فهم اختلاف التنوع ؟ . إننا جميعا محتاجون لفهم أهداف وأهمية ومرجعية وفوائد اختلاف التنوع ، وخاصة بعض الوعاظ والخطباء وقادة فصائلا العمل الدعوي الإسلامي ، ومن هذا المنطلق فإن هدف الحديث عن اختلاف التنوع هو أن ندرك بأننا كأفراد ، وأسر ، وقبائل ، وجماعات ، وأحزاب ، ودول ، نواجه فهوما متشددة وتعصبات وصراعات تولد مشكلات في مجتمعنا ومؤسساتنا ، وبين مثقفينا ، وهذا طبيعي لأننا نعلم بأن اختلاف التنوع قد يصحبه سوء التفسير ، وسوء الفهم في واقع الحياة ، ولهذا بسبب غياب اختلاف التنوع حدث عندنا أزمة فهم لهذا الموضوع ، ونحن نعلم بأن حياة الناس الاجتماعية والتجارية والسياسية وعلاقاتهم المختلفة هي إنعكاس لفهمهم ولثقافاتهم وتقاليدهم وعاداتهم الموروثة ، إن الدافع للحديث عن اختلاف التنوع هو ما نشاهده أغلب المتدينين يجهلون ثقافة اختلاف التنوع ، وخاصة الوعاظ الذين برمجت عقولهم برأي واتجاه واحد رغم وضوح اختلاف التنوع في القرآن والسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي واقع الحياة . إن علم وفهم اختلاف التنوع غاب وضعف في غالب واقع المسلمين إلا ما ندر ، بالغالب يهيمن الرأي الواحد ، والاتجاه الواحد ، والمذاهب الواحد ، والأسرة الحاكمة الواحدة ، والاجتهاد الواحد ، والفتوى الواحدة ، وهذا هو الذي أوجد بيئة خصبة للتطرف وتوظيف الصراع من قبل الاستبداد باسم الدين أو باسم الوطنية ، بل إن هناك مقاومة لتعليم ونشر اختلاف التنوع لدى معظم الأطراف لأن فهم اختلاف التنوع سيرفع مستوى الوعي والفهم ، وتنوع الاختيار ، وسيضعف سوق الكهنوت السياسي والوطني ، وفهم اختلاف التنوع لا يتوافق مع ، المستبدين باسم الدين أو بإسم الوطنية ، لهذا يغرسون التعصب للرأي الواحد والفتوى الواحدة والرأي الواحد ، وهذا لا يغيب الأمة ولا أفرادها ، ولهذا الحديث عن اختلاف التنوع هدف أساسي وضروري لتقوية الفهم والوعي ويجب تدريسه للأمة عامة ولطلاب العلم خاصة . وذلك لأهمية الحديث عن اختلاف التنوع فالأهمية تكمن فيما يلي : 1 إن الله تعالى خلق الكون كله على سنة التنوع العام من الذرة إلى المجرة ، ونحن نشاهد هذا التنوع في عالم الجماد ،وعالم النبات ، وعالم الحيوان ، وعالم الإنسان ، وعالم الألوان ، وعالم الأصوات . 2 إن الله تعالى خلق الإنسان وركبه على سنة اختلاف التنوع من خلال استعداد الإنسان للخير وللشر، واستعداده للتغير والتبديل ، واستعداده للتأثير والتأثر . 3 إن الحياة الدنيا لا تبنى ولا تتكامل ولا تتوازن إلا بتنوع الرغبات ، وتنوع المهارات ، وتنوع المهن ، وتنوع التخصصات ، وتنوع القدرات ، ولا تبنى الحضارات والدول إلا بوجود اختلاف التنوع العام وهذا بديهي ، وإلا كيف ستستوعب مهن إدارة الحياة ، ولقد أكد القرآن الكريم مبدأ اختلاف التنوع . ففي الآية 165 الأنعام :{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام : 165 ) . وفي الآية 22 الروم :{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم : 22 ) . وفي الآية 32 الزخرف :{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (الزخرف : 32 ). وفي الآية 119 هود :{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (هود : 119 ) . والذي عنده أدنى ثقافة شرعية سيجد أنه من خصائص وطبيعة الإنسان ينتج التنوع ، لأن الإنسان فطر على الاستعداد للخير والشر والتغير والتبديل والتأثير والتأثر ، وسيجد أن القرآن والسنة يفهمان إلا باللغة العربية ، وهنا ستتنوع الفهوم بحسب أساليب اللغة العربية التي هي حمالة المعاني ، وعلماء أصول الدين والفقه والمقاصد قالوا من خصائص صلاح الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان وجود السعة والمرونة من خلال . سعة منطقة العفو المتروكة قصدا ، واهتمام النصوص بالأحكام الكلية كمبادئ الشورى ، العدالة ، المساواة ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الحكم بما أنزل الله ، وقابلية النصوص لتعدد الأفهام ، ورعاية الضرورات والأعذار ، والظروف الاستثنائية ، وتغير الفتوى والاجتهاد بتغير الأزمنة والأمكنة . وهذا يتطلب تدريس اختلاف التنوع لأننا إذا فهمنا ومارسنا عمليا اختلاف التنوع في مدارسنا وجماعاتنا وأحزابنا سنجد الفوائد العظيمة للفرد والأسرة والمجتمع وأهم هذه الفوائد : 1/ إن اختلاف التنوع من خلال ممارسة حق حرية الرأي يؤسس للتعددية الفكرية ، وهذا يثري ويطور التعددية الحزبية التي تشكل بدائل قيادية لإدارة مؤسسات الدولة الرسمية ، ومؤسسات الشعب الأهلية ، وهذا مكسب عظيم للأمة ، وهو حق أزلي مستحيل جميع الناس على رأي واحد فهذا يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها ويحل مشكلة الخوف من موت الزعماء المتفردين بالحكم فحياتهم كارثة وموتهم كارثة . 2/ إن طرق الوصول إلى الحقيقة العلمية والحكمالشرعي ، والحقيقة الاجتماعية أو السياسية متعددة ومتنوعة ، وهذه الطرق هي ميدان التنافس ، والناجح من وصل إلى الحقيقة ، يقول ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين : [إن مقصود الله إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط فأي طريق يستخرج به الحق ويعرف به العدل وجب الحكم بموجبه وبمقتضاه] ، وفي تراثنا الإسلامي وفكره شاع ما عرف بميزان الرأي المشترك الذي يؤدي إلى القواسم المشتركة واللقاء المشترك . وقد نقل ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين أن رجلا كان يحتكم مع آخر عند علي وزيد ، ولما إنتهى عاد إلى عمر بن الخطاب ، فقال له عمر ما صنعت ؟ قال : قضي على وزيد بكذا وكذا ، فقال الرجل : فما منعك والأمر إليك ؟ قال عمر : لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة رسول الله لفعلت ، ولكني أردك إلى رأي والرأي مشترك بين الناس ، فلم ينقض عمر ما قاله علي وزيد ] . وهذا ما قرره الشافعي في قوله المشهور [رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب] ، ولما سيطر العباسيون على الحكم بعد الأمويين وأرادوا الهيمنة الاستبدادية الدينية عرضوا على الإمام مالك أن يعمموا كتابه الموطأ على الأمصار ، فرفض الإمام مالك ذلك لمعرفته وعلمه للتنوع الإختلافي . 3/ أن نؤمن ونعتقد دينا أن التنوع والتباين في الآراء والاجتهادات والوسائل بين الناس يوجد الآراء المختلفة ، وهذه ظاهرة صحية ستمنع الجمود والقولبة والتبعية والتنميط ، الذي يريده بعض المستبدين اجتماعيا وسياسيا ودينيا . 4/ أن نحترم آراء الآخرين ولا مانع من نقدهم بعيدا عن الحكم بالإيمان والكفر ، واستحضار آيات المشركين والكفار ، بل وندافع عمن نختلف معهم بل وأن نحاول أن نحصل على ثقتهم بصدقنا وحبنا للتعاون على البر والتقوى . 5/ إننا يجب أن ندفع بالتي هي أحسن وبممارستنا للحوار داخل أسرنا ومع زملائنا ستنمو فينا الروح المتجددة في العمل وفي الآراء ، وسنقبل مشاركة الآخرين لنا في الأعمال الدعوية والسياسية والاجتماعية ، وأن نقبل العدالة والمواطنة المتساوية ، وأن نتخلص من الفكر التآمري ضد إخواننا نناقش الأفكار لا الأشخاص . 6/ إنه مما يساعدنا على إنجاح الحوار أن نقدم الولاء والحب لله ثم للوطن ، وأن نجعل ولاءنا للحق والعدل ثم للمؤسسات ، بمعنى أن نتخلص من الولاء للأشخاص والقبيلة مهما تقمصوا الدين أو الوطنية ، وهذا ما عناه الله بقوله عن أفضل الخلق { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران : 144 ) . 7/ إن علينا جميعا نؤمن إنه لا يستطيع فرد أو حزب أو جماعة أن يدعي امتلاك الحقيقة أو يدعي احتكار الجنة أو النار ، أو احتكار الوطنية ، أو ادعاء القدرة على امتلاك الحقيقة وإخراج اليمن مما هي فيه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية منفردا كأسرة أو حزب ، وأن نعتقد جميعا إنه لا مخرج ولا مناص للإفراد وللحاكم والمعارضة إلا أن يفتح الجميع قلوبهم وعقولهم ويتحاورون بدون استعلاء واحتكار الحقيقة وبدون شروط مسبقة . 8/ إن على جميع أعضاء المهنة الواحدة والتخصص الواحد أن يتحاوروا لتطوير مهنتهم وتخصصهم ليدافعوا عن حقوقهم ، بدون تعصب ديني أو مذهبي أو حزبي أو قبلي ، وأن يكون شعار الأعضاء [لكل حزبه والنقابة للجميع] ، إننا نريد المعلم ، والجزار ، والخياط ، والسواق ، والطبيب ، والمهندس ، أن يكونوا نقابات مهنية صرفه تنتزع حقوقهم سلميا ، ووفقا للآليات الحديثة الديمقراطية التي ستجنب اليمن واليمنيين العودة إلى القروية والقبلية والعنف ، وما تعصب الحاكم لإدارة الحكم بعائلته الذي أنتج تعصب مضاد عنا ببعيد { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق : 37 ) .