منصور بلعيدي شاءت الأقدار –وهي أحكام إلهية- أن تتحول مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين إلى مدينة أشباح بعد أن كانت تعج بالحركة و السلام، وأن يصبح أبناؤها مشردين مبعدين عنها..و هكذا جربنا النزوح، وصرنا مهجرين في وطننا و ذقنا مرارة الشتات و فراق الموطن، وفقدان الأمان الذي كنا ننعم به في ربوع المدينة، وأحسسنا بلوعة الشوق إلى دفء الموطن المفقود وهي تشرق بها حناجرنا و تقمصنا الألم ونحن ننظر إلى حالنا و ما صرنا إليه، أجساد بشرية تتكدس فوق بعضها في مدارس عدن ..أطفال ونساء، شيوخ وشباب، رجالاً تكسوا محياههم الهموم، و تختفي الابتسامة عن محياهم و كأنهم مصابون بالاكتئاب الدائم.. تسيطر عليهم حالة الانكسار يضاعفها نظرات الآخرين إليهم بشفقة حيناً، وبشماتة أحياناً أخرى. وتقفز إلى الأذهان الحائرة أسئلة وجيهة –في نظرهم على الأقل- هل أصيبت أبين بلعنة الفراعنة؟! وتتوالى الأسئلة تباعاً .. ما لذي جعل هذه المحافظة بالذات هدفاً للجماعات المسلحة دون غيرها؟! و ما لذي جعل جحافل الأمن المركزي تستسلم بوداعة حمل الضأن للمسلحين و قد كانت تنفر على المواطنين المسالمين وتقتلهم على ربطة قات!!. أسئلة كثيرة تتزاحم في عقول نازحي أبين لكنها تظل حائرة و تائهة، ولا تجد لها إجابات تشفي غليل المنكوبين ببعض أبنائهم بمعية شذاذ الآفاق مطايا همجية نظام فاسد ظالم مستبد يحكم الوطن بعقلية زعيم العصابات منذ عقود ثلاثة و ما يزال..حينما لا يجد النازح إجابات لأسئلته فإنها تتحول إلى معاول حادة تحفر في نفوسهم أخاديد عميقة و جروح غائرة في قلوبهم فيصرخون من الألم .. (آه ياجرحي المكابر.. وطني ليس حقيبة و أنا لست مسافر). وهكذا استطاع الحاكم "الجلاد" أن يسلبنا أحلامنا، ويسرق النوم من عيون أطفالنا، ويحرمنا نعمة العيش في وطن آمن مستقر بيديه الغليظتين: القوة العسكرية الغاشمة في الشمال، ومليشيات ماسمي "زوراً" بالقاعدة في الجنوب و يظل يتلذذ بجراحات الوطن!!. ما أقسى همجية الحاكم حين يسفك دماء شعبه ليبقى على الكرسي ولو على هرم من الجماجم و ما أقبح أزلامه الغارقين في الفساد حتى الثمالة حين يطلبون له الطاعة العمياء من شعب يرزح في دياجير الظلم و يعيش عيشة الظنك و يسحقه الفقر والجهل والمرض وحاكمه يتمرغ بالنعيم. أي قسوة هذه لحاكم لا يرعوي.. يرى الوطن مجرد مزرعة ورثها عن أبيه، ويرى المواطنين مجرد عمال سخرة لا قيمة لهم و لا وزن يعذبهم متى يشاء و يسلبهم نعمة الحرية متى شاء، وإذا لزم الأمر يقتلهم كيف يشاء .. آه يا وطن ..كم طال ليلك في زمن يفترض فيه بزوغ فجر الشعوب بنوره الوضاء يغسل بأشعته أدران الحاكم المستبد طوال كل هذه السنين العجاف.. أما آن لليل أن ينجلي ..وما آن للقيد أن ينكسر..متى سيستجيب القدر؟ّ!.