يطَالْبُ الشعب كله الحاكم أن يقوم بواجباته الشرعية والدستورية تجاه الشعب ،لأن ذلك هو الضمان لدرء الفتن والمحافظة على استقرار البلاد وأمن العباد ، ومن أبرز هذه الواجبات إقامة العدل، وحفظ المال العام وجمعه وصرفه بالطرق المشروعة، وتولية أهل القوة والأمانة في المناصب والولايات، بالإضافة إلى مسؤولية الحاكم في تسهيل سبل المعيشة، وهذه الواجبات فروض شرعية ملزمة، وليست منّة يمنّ بها الحاكم على شعبه، وتنفيذه لها وحرصه عليها هو تنفيذ لواجب، وليس تفضلاً على أحد، وحقيقة دوره في تلك المسألة أنه أعظمهم مسؤولية وأكثرهم حملاً، ففي الحديث قوله صلى الله علية وسلم : (كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(البخاري ومسلم ) ، وذكر منها “الإمام الأعظم الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته” ، وعن معقل بن يسار قوله صلى الله علية وسلم : (ما من عبد يسترعيه الله رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة) البخاري ، وقال صلى الله علية وسلم : (ما من عبد يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل الجنة معهم)(مسلم )، وعن عائذ بن عمرو رضي الله عنه قال ; قوله مخاطباً عبيد الله بن زياد قال: أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول : (إن شر الرعاء الحُطمة فإياك أن تكون منهم) مسلم،وهكذا فالمسألة تكليف وواجب وليست منة وتفضلا. قال تعالى: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (النحل90)، وقال رسول الله صلى الله علية وسلم : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله … وذكر منهم إمام عادل) متفق عليه، وقال (ليس من وال أمةِ قلت أو كثرت لا يعدل فيها إلا كبّه الله تبارك وتعالى على وجهه في النار)(أحمد والبخاري)، وعن النبي صلى الله علية وسلم قوله كذلك ما من أمير عشيرة إلا يؤتى يوم القيامة مغلولاً لا يقله إلا العدل أو يوبقه الجور(أحمد والبزار). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (… والمقصود أن الحكم بالعدل واجب مطلقاً في كل زمان ومكان على كل أحد ولكل أحد، والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله علية وسلم هو عدل خاص، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها،وقال: (… وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل، فهذان جماع السياسة العادلة، والسياسة الصالحة)(السياسة الشرعية ابن تيمية) . وزوال العدل وانتشار الظلم لا يدل على جور الحاكم ومخالفته الشريعة فحسب، بل يؤدي إلى خراب البلاد وحلول العذاب، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) (هود102) ، قال ابن تيمية:(… ولهذا يروى: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة …)(ابن تيمية: الحسبة). كما ورد في سنة الرسول صلى الله علية وسلم كثير من الأحاديث تحث على العدل وتشجع عليه وتدعو إليه يقول رسول الله صلى الله علية وسلم : (إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) أخرجه مسلم. وجاءت رسالة الإسلام، رسالة العدل والمساواة، حيث أشرقت الأرض بنور ربها وارتفعت كلمات رسول الله صلى الله علية وسلم يوم حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)(أخرجه مسلم في صحيحه). وأما حفظ المال العام وجمعه وصرفه بطريقة شرعية، فقد حددت الشريعة طرقاً معينة لا يجوز تجاوزها لجمع المال العام، وألزمت الإمام بحفظه وصونه وصرفه في الوجوه الشرعية، ووردت الأدلة بالوعيد الشديد على من يفرط في ذلك، قال محمد صلى الله علية وسلم: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)(البخاري)، قال ابن حجر: (… وفي هذا الحديث ردع الولاة أن يأخذوا من المال شيئاً بغير حقه، أو يمنعوه من أهله …) فتح الباري ، وقد روي عن عمر تشبيهه دور الإمام مع المال بدور ولي مال اليتيم (ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف)(ابن الجوزي )، والآيات والأحاديث في تحريم الغلول والوعيد الشديد منه كثيرة معلومة، ومن أكثر هذه الأحاديث تحديداً لدرجة الغلول ما رواه أبو داود عن المستورد بن شداد قوله محمد صلى الله علية وسلم : (من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكناً فليكتسب مسكناً)، قال: قال أبو بكر: أخبرت أن النبي صلى الله علية وسلم قال: (من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق) أبو داود، فلا يجوز سرقة المال العام أو ا لعبث فيه بأي حال من الأحوال .